في 26 تموز 2005 توجّهتَ إلينا قائلاً: ” خرجتُم من السجنِ الكبير الذي كنتم قد وضِعتُم فيه فأخرجتُموني معَكُم بالفعلِ ذاتِه من السجنِ الصغير الذي كنتُ وضِعتُ فيه”، فعبّرت بكلماتٍ قليلة عن مدى امتنانِك للمليونِ ونصفِ مليونْ لبناني من كلِّ الطوائفِ والمذاهب، مواطنينَ لبنانيين، خرجوا من منازلِهم في يومِ 14 آذار 2005، بدونِ تكليفٍ من أحدْ، وأخذوا قرارَهم بالوحدةِ والتظاهرِ السلمي فحقّقوا أول انتصارٍ على أعتى سلطةٍ إستبدادية في المنطقة، هي سلطةُ الوصايةِ السورية على لبنان، من دونِ نقطةِ دمٍ وبلا عنف.
في ذلك اليوم، ردَدْنا تحيتَك قائلين: دخلتَ السجنِ زعيماً مسيحياً وخرجت منه زعيماً وطنياً.
أيها الأصدقاء
أعودُ بكلماتٍ قليلة إلى الوراء وأتوجّه للسيدة ستريدا جعجع، التي فهمت منذ اللحظةِ الأولى عندما أطلعَتني على اقتراحِ قانونِ العفو عن الحكيم، أنَّ قضيةَ القواتِ اللبنانية المتمثلة رمزياً بسجنِ الدكتور سمير جعجع لن تصلَ إلى خواتيمِها السعيدة إلاّ إذا نجحنا في نقلِها من قضيةِ القوات لجعلها قضيةَ كل اللبنانيين الاستقلاليين، مسيحيين ومسلمين.
لقد أطلقنا “لقاء قرنة شهوان”، الذي بدوره مدّ الجسورَ مع كل اللبنانيين، فقام رئيسُ الحزبِ التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بزيارةِ “يسوع الملك” قبل 15 يوماً من اغتيالِ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي النهاية وبعدَ ثورةِ الأرز وانتخابات الـ2005 توصلنا إلى إقرارِ قانونِ العفو في المجلس النيابي بإرادةٍ وطنية جامعة.
أيها الأصدقاء
إن الإنجازاتَ الوطنيةَ الكبرى لا تحقِقُها إلاّ وحدةُ اللبنانيين. فالتحريرَ من الإحتلال الاسرائيلي حققتهُ وحدةُ اللبنانيين، والإستقلالَ عن الوصايةِ السورية انتزعَتهُ وحدةُ اللبنانيين، والقرار 1701 حققته وحدةُ اللبنانيين وكذلك إطلاق سمير جعجع حققته وحدةُ اللبنانيين.
هذا هو مفتاحُ الحلولِ في المجتمعاتِ المتنوعة مثلَ المجتمعِ اللبناني، الذي عرفَ القتلَ على الهوية وعرف السياراتِ المفخخة وعرف محاولاتٍ من هنا وهناك من أجل قيامِ مجتمعاتٍ “صافية”، حتى توصّلت الكنيسة في وصفها حالة الموارنة بالقول “لقد جُرِّحَت الكنيسة المارونية في الصميم، فشاهدَت أبناءَها يُقتَلون ويَقتُلون ويتقاتلون”.
وعن خلاصِنا بوحدتِنا الوطنية قالَ المجمعُ البطريركي الماروني عام 2006: “وشكّلت انتفاضةُ الاستقلال إثر استشهادِ الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 لحظةً تاريخية فتحَت البابَ للخلاصِ الوطني بتوحُّدِ الشعبِ اللبناني على نحوٍ غيرِ مسبوق”.
ايها الحكيم الصديق الصدوق
لقد صمدْتَ في وجهِ الإغراءاتِ خارجَ وداخلَ السجن، وما زلت. لقد صمدتَ في أحلَكِ الظروفِ في وجه السجّان، عندما عرضَ عليك مراراً وتكراراً أن تبدّلَ قناعاتِك مقابلَ حريتَك، فرفضت. هذا الصمود جعل منك “الحكيم”، ولم يأتِ موقِعَك منّةً من أحد إنما هو فعلُ إيمانٍ وشجاعة يُحاكيان صخورَ جبالِ لبنان الشامخة.
واليوم، نطالِبُك بإسم هذا الصمود بالتالي:
أولاً – حافظْ على موقعِك الوطني العابر للطوائف، حتى لو أتى من يقول إن أولويات الجماعة تعلو على مصالحِ لبنان.
أنت لست من هذه الطينة، لأنك تؤمنُ بأن الموارنة خُلِقوا من أجل لبنان ولم يُخلق لبنان من أجل الموارنة. ولأنك دفعت الغالي والنفيس من أجل إيقاف الحربِ الأهلية في العام 1990، وتزامنت جهودُك مع جهودِ البطريرك صفير من أجل التأكيدِ على الإلتزام باتفاقِ الطائف.
ثانياً – أُصمُد أمام من يدّعون حمايةَ المسيحيين في الشرق من خلال تحالفِ الأقليات، لأنهم إنما يخيّرون المسيحيينَ بين القتالِ الدائم في وجه المسلمين وبين الهجرةِ الدائمة. فهؤلاء لم يتعلّموا شيئاً من التاريخ، كما أنهم يغلّبون مصالحَهم الشخصية على مصلحةِ الجماعة.
ثالثاً – ناضل من أجل إخراجِ كل الشعوب العربية من سجونها الكبيرة والصغيرة، سجونِها المادية والثقافية. وليكن هذا المجسّم اليوم مصدراً يَسْتَلهِمُ، منه ومنك، كلُ معذّبٍ وكلُ مقهورٍ وكلُ سجينٍ في سوريا وفلسطين وتونس ومصر والعراق.
لا يمكننا أن نربِطَ صورتَنا كمسيحيين مع صورةِ أنظمةٍ قاتلة بحجةِ أن التطرفَ الإسلامي أخطرُ علينا من الديكتاتورية، علينا ان نرفضَ هذين الخيارين معاً.
علينا ان نرفضَ دولةَ الخلافة، “خلافة داعش وأخواتها” المجرمة والقاتلة، والتي جرفت مقابرَ السنّة قبل أن تحرِقَ صلبانَ المسيحيين وتهجّرَهم من منازلهم، وهي التي هدّدت بهدم الكعبة. وعلينا أن نرفضَ قيامَ دولةِ ولاية الفقيه التي لا تتناسبُ مع ثقافتِنا ونظرتِنا للحياة وخياراتِنا العربية. نحن نناضلُ من أجل كرامةِ الإنسان وحريةِ الإنسان في دولةِ العيشِ المشترك، ونناضلُ من أجل الدولةِ المدنية الديموقراطية الواحدة السيّدة المستقلة.
فالدولةُ تبقى هي الضامنةَ الوحيدة للناس، خاصةً للجماعات التي لا تتقنُ بناءَ ضماناتٍ رديفة، وعند انهيارِ الدولةِ – الضامنة يدفعُ الناس ثمنَ هذا الإنهيار.
ما يجري اليومَ في العراق من تشريدٍ وتهجيرٍ وتنكيل بالشعب العراقي وبمسيحيي الموصلِ على وجهِ الخصوص هو نتيجةَ انهيارِ الدولة، وتجدرُ الإشارة إلى أن المسيحيين العراقيين ليسوا بعشائر وليس لديهم أيةَ ضمانة رديفة لضمانةِ القانون والنظام والدولة. إن ما حدثَ ويحدثُ في العراق هو بمثابةِ إشارةٍ واضحة لنا كي نحافظَ على ضمانتِنا المتمثّلة باستكمالِ بناءِ الدولةِ والعناية بها، لأن هذا هو الخيار الذي اتخذناه منذ العام 1920، عندما غلبّنا خيارَ لبنانَ الكبير على خيارِ التقوقعِ والإنعزال.
أيها الأصدقاء، يا رفاقي في 14 آذار،
لا تسمحوا لتجّار المناصبِ النيابية والوزارية والرئاسية بأن يعطّلوا عقولَ أفرقاءٍ بيننا. إن انتخابَ رئيسٍ الجمهورية هو الأولويةُ المطلقة، ولا انتخباتٍ قبل انتخابِ الرئيس.
لا تسمحوا لمأساةِ الموصل بأن تعطّلَ عقلَ فريقٍ من 14 آذار، إن التضامنَ مع قضيةِ مسيحيي العراق يمرُ بمزيدٍ من التفاهمِ مع الإعتدالِ الإسلامي اللبناني والعربي.
ولا تسمحوا لمأساةِ غزّة بأن تعطّلَ عقلَ فريقٍ آخر من 14 آذار، إن التضامنَ مع قضيةِ فلسطين يمرُّ عبرَ دعمِ الشرعية الفلسطينية.
* كلمة الدكتور فارس سعيد في معراب – 25-7-2014
الحياد هو الحل
الشيعة والسنة وجهان لعملة واحدة، وبالتالي فان افضل موقف يتخذه اي شخص عاقل، بشان صراعهما المرير الذي لا نهاية له، هو التزام الحياد. نامل من القادة المسيحيين اللبنانيين ان يحتكموا للعقل والعقلانية، وان ياخذوا درسا من احداث العراق: فلا السنة اهتموا بماساة المسيحيين، ولا الحكومة الشيعية فعلت شيئا للتخفيف من معاناتهم.