أزمة “حديقة جزي” انتقلت اليوم إلى مدن أميركا وإلى عواصم أوروبا، حيث تظاهر الأتراك ضد حكومات إردوغان في لندن وبروكسيل وصوفيا ومدن أوروبية وأميركية عدة. وتدعو الصور التي تناقلتها التلفزيونات للشابات والشبان الأتراك المتظاهرين أو المعتصمين أو حتى الجالسين في “حديقة جزي” وبأيديهم مشروبات (كحولية؟) للتساؤل عما إذا كانت هنالك ملامح من “أيار ١٩٦٨ الفرنسي” في ثورة شباب استانبول ومدن تركيا الأخرى! (في الصورة أعلاه، يد تركية خطّت على باب قنصلية فرنسا القريبة من “ساحة تقسيم” كلمات “الشعر في الشارع”، المستوحاة من أيار/مايو ١٩٦٨ الفرنسي).
خصوصاً مع وجود أوجه شبه بين السياسات “الأبوية” و”المتعالية” لكل من ديغول وإردوغان. وفي حالة تركيا، كما في حالة فرنسا ١٩٦٨، كان “الإقتصاد” في أفضل أحواله (استقال ديغول في ذروة “الثلاثين (سنة) المجيدة”!)، ولكن النظام انفصل عن مطالب وحاجات الأجيال الجديدة (أول ردّ فعل لإردوغان ضد المتظاهرين كان من مقر إتحاد “المصدّررين الأتراك” الذين غزت صادراتهم بلدان الشرق الأوسط وأوروبا!). وفي الحالتين، وهذا ما يختلف عن دول “الربيع العربي”، فإن أحداً لا يستطيع أن يشكّك في شرعية إنتخاب ديغول، في حينه، أو في تجديد الثقة مراراً بحزب إردوغان!
وحتى حينما تشبّه صحافة تركيا إردوغان بمبارك والأسد، فالمقصود أسلوب حكمه السلطوي وليس التشكيك بـ”شرعيته الإنتخابية”.
خلف نجاحات حزب إردوغان، الدستورية والإقتصادية والسياسية (خصوصاً على المستوى الإقليمي والدولي)، تكشف احداث “جزي” عن وجود “نقمة” شبابية لم يتوقّعها أحد! النظام الديغولي اهتزّ في ذورة نجاحه، فهل تؤذن أحداث ساحة “تقسيم” ببداية نهاية النموذج الأردوغاني؟
رغم كل شيء، تركيا أقرب إلى “أوروبا” من العالم العربي!
بيار عقل
*
تناول الكتاب والصحافيون الأتراك اليوم الأحد 2 يونيو/ حزيران, الأحداث التي شهدتها مدينة أسطنبول وعدة مدن تركية أخرى خلال اليومين الماضيين، على خلفية الاحتجاجات ضد قيام السلطات البلدية باقتلاع أشجار في حديقة جزي Gezi حي “تقسيم” الاسطنبولي التاريخي، تمهيداً لتأهيل المكان مجدداً من خلال إقامة مشروع عثماني الطابع فيه. وقد شهدت الاحتجاجات رداً عنيفاً من قوى الشرطة ومكافحة الشغب, ما أسفر عن عشرات الإصابات في صفوف المحتجين والشرطة التركية في أكثر من 900 تظاهرة شهدتها 43 منطقة تركية.
الفهم الأعرج للديمقراطية..
الكاتب الشهير حسن جمال (موقع T24) عزا الأحداث المؤسفة التي شهدتها العديد من مدن البلاد إلى الفهم الأعرج للديمقراطية لدى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان,.وهو إذ يسجل أن الأحداث المتعلقة بحديقة جزي ستدخل التاريخ التركي، فإنه ينوه إلى أن الأحداث أثبتت المواقف الخاطئة وغير المسؤولة لحزب العدالة والتنمية الحاكم وزعيمه أردوغان الذي ينتهج سياسات تسلطية في تركيا مستقوياً بأغلبيته البرلمانية وتصويت الناخبين له بكثافة في كل عملية انتخابية. ويرى الكاتب أن انتهاج أردوغان لهذا الفهم السياسي سيؤدي إلى انهيار الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد وفشل العملية السلمية مع حزب العمال الكردستاني، داعياً رئيس الوزراء إلى فهم ألفباء الديمقراطية من المتظاهرين والمحتجين في أحداث جزي.
ثورة الطناجر..
تشير الكاتبة روهات منكي (صحيفة وطن Vatan) بسخرية مُرة إلى تلقيها اتصالاً هاتفياً في الثانية والنصف منّ فجر يوم السبت، أخبرها أحد الأصدقاء خلاله أن نوافذ العديد من المنازل في اسطنبول تفتح ويطل منها مواطنون يقرعون على الطناجر ما يؤدي إلى خروج الناس إلى الشارع واحتشادهم والبدء بالمسير إلى حي تقسيم! وتقول عما حدث لاحقاً إنها “ثورة الطناجر الحزينة”. وتستهجن الكاتبة ما ورد في كلمة رئيس الوزراء أردوغان يوم أمس أمام مجلس المصدرين الأتراك من اتهامه للمعارضة بافتعال الأحداث، حيث قال أردوغان “ليست المشكلة في اقتلاع بضعة أشجار إنما في إيديولوجيا (المعارضة)”! وكانت الكاتبة منكي تأمل في قرار فوري لرئيس الوزراء بسحب الشرطة من ميدان تقسيم بدلاً من مهاجمته المعارضة التركية في ذروة اشتداد قمع المحتجين، وهو الأمر الذي حدث لاحقاً، إذ جرى سحب عناصر الشرطة ومكافحة الشغب من ميدان تقسيم في محاولة للتهدئة.
أردوغان الوجه الآخر لمبارك والأسد..
يعلق الكاتب جنكيز تشاندار (صحيفة راديكال Radikal) على الكلمة التي ألقاها أردوغان أمس أثناء احتدام المواجهات بين المحتجين والشرطة، ويخلص إلى استنتاج أنها شبيهة إلى حد بعيد بكلمة الرئيس المصري حسني مبارك أثناء اعتصام المحتجين المصريين في ميدان التحرير، وأنها شبيهة بكلمة بشار الأسد الأولى بعد اندلاع الثورة في سوريا! لا بل يدعو الكاتب رئيس الوزراء أردوغان إلى قراءة كلمة بشار الأسد تلك و”مراجعة نص كلمته، ومعرفة النقاط المشتركة والتحليلات المتشابهة” بينه وبشار الأسد.
إرهابيون في حديقة جزي !..
يتحدث الكاتب جنيد أوزدمير (صحيفة راديكال Radikal) عن “الإرهابيين” الذي رآهم في حديقة جزي حين توجه إليها بدافع الفضول لمعرفة “من هم هؤلاء المحتجون؟” و”ماذا يريدون؟”، فلم يجد سوى “إرهابيين جدد” هم مجموعات من الشباب والصبايا منتشرون حول فندق ديفان في جو أشبه بنزهة مسائية أو حفل موسيقي، وشباب جامعي يشاركون للمرة الأولى في تظاهرات، إلى درجة إحساس الكاتب وكأنه في مهرجان ريو دي جانيرو! ولم يلاحظ الكاتب في المكان أي وجود لـ”ظلاميي تنظيم أرغنكون” الذين تحدث عن وجودهم بعض الكتاب الأتراك. ويخلص الكاتب أوزدمير إلى أن التصرف الخاطىء لقوى الأمن والشرطة في استخدامها المفرط للقوة أدى إلى تفاقم الأحداث.
تحويل شجر “جزي” إلى أقلام لن يعبر عن الهموم..
يقول اليساري والمغني زولفو ليفانيلي (صحيفة وطن Vatan) إلى أن قطع أشجار حديقة جزي التي أطلقت موجة التظاهرات والاحتجاجات في عموم تركيا وتحويل خشبها إلى أقلام لن يعبر عن الهموم الهائلة لمواطني تركيا، مذكراً ببعضها إذ يجري تجاوزها من الحكومة بلا مبالاة سافرة: تسمية الجسر الثالث الذي سيصل بين شطري اسطنبول والذي وضع حجر أساسه قبل أيام باسم “السلطان سليم” في عدم مراعاة لمشاعر علويي تركيا الذين تؤكد مروياتهم التاريخية أن السلطان سليم قتل منهم أكثر من 50 ألفاً بعد حروبه مع الصفويين! والسياسة الخاطئة والخطرة التي اعتمدتها الحكومة في التعامل مع سوريا التي تشهد حرباً مذهبية قابلة للانتقال إلى تركيا، واحتضان الحكومة لجبهة النصرة المسؤولة عن تفجيرات ريحانلي والمستخدمة للسلاح الكمياوي في سوريا، واستخدام الحكومة للغازات المسيلة للدموع في مناسبات عديدة ضد المتقاعدين والموظفين المطالبين بحقوقهم وتعويضاتهم. وهي جملة أسباب في رأي الكاتب دفعت الناس إلى عدم التحمل ونفاذ الصبر.
قائمة “حريات” أردوغان..
تحصي الكاتبة عائشة أوزيلمازل (صحيفة صباح Sabah) السياسات التي اتبعتها حكومة حزب العدالة والتنمية وزعيمها أردوغان في تركيا خلال الفترة الماضية “لا تفكر، لا تتكلم، لا تعبر عن موقفك، لا تتظاهر، لا تبحث عن حقوقك، لا تمشي، لا تذهب إلى الحديقة، لا تتجرع المشروبات الكحولية، لا تدخن! اشرب مخيض اللبن (لبن “العيران”)، احتشم، اعرف حدك، لا تتدخل، كن عبداً”! وتقول أنهم في تركيا قد أصابهم الملل من هذه المحددات، وتتساءلُ : “منذ متى أصبح عازفو الغيتار وقراء الكتب والمغنون مجموعات مسببة للفوضى؟!”، في إشارة إلى المشاركين في اعتصام حي تقسيم قبل بدء الأحداث.
الحكومة تحل المشكلة الكردية وتعجز عن حل مشكلة حديقة..!
الكاتب محمود أوفور (صحيفة صباح Sabah) يرى أن ” الحكومة المنتخبة يمكن أن تخطىء ويمكن للشعب انتقادها، وهذا أمر طبيعي”، ولكن ما يجري في حديقة جزي بحي تقسيم – برأيه – يختلف كلياً عن ذلك، إذ تحول إلى ساحة حرب بين الحكومة والشعب. ويبدي الكاتب استغرابه من تمكن الحكومة من حل المشكلة الكردية المزمنة في البلاد وعدم تمكنها من حل مشكلة حديقة صغيرة في مدينة اسطنبول.
* كاتب وإعلامي سوري
إقرأ أيضاً:
الإعتداء على “السيدة الحمراء” حوّل احتجاج حديقة “غزي” إلى مظاهرات في عموم تركيا!
“مايو ٦٨” تركي؟: صحف تركيا تشبّه أردوغان بمبارك والأسد!المتظاهرون ضد اردوغان و الذين ذكرنا اصلهم و فصلهم ، كانت صحف العمالة من نوع سفير و اخبار وديار ، تروج لهخ صباح اليوم ومعها تلفزيون ” فقاعة ” ميادين سابقا . لقد انكشف المستور فخرج مؤيديوا هؤلاء المؤيدين لأسرائيل من قبل اسرائيل و من اماكن اخرى . لكن اللافت ان ه كان هناك مظاهرات في سالونيك ، وهي المركز الاساسي ليهود الدونمة و للحركة الماسونية والتي كان يتمركز فيها الجيش الأول سنة 1908 حيث منها جرت الاطاحة بعبد الحميد . من بين الضباط اللذين درسوا في سالونيك الجاسوسان أبو جعفر التمن… قراءة المزيد ..