هل يكفي خبر المفاوضات السرّية التي تجريها دولة قطر مع شركة “توتال” النفطية الفرنسية حول استغلال النفط الذي يمكن العثور عليه في منطقة “الساحل” الإفريقية لتفسير دور قطر “المشبوه” في تمويل وتسليح جماعات “الطوارق” المسلّحة والجماعات الجهادية في “مالي” وجوارها؟ علماً بأن هذا الدور القطري يثير إستياءً شديداً لدى الجزائريين الذين يخشون من “العدوى” في صفوق “الطوارق” الجزائريين، ولدى الفرنسيين الذين تعرّض الحركات الجهادية والإنفصالية مصالحهم الإفريقية للخطر!
وحسب جريدة “الكنار أنشينيه” الفرنسية التي كشفت خبر مفاوضات قطر مع “توتال” في عددها الصادر اليوم، فإن
” وزير الدفاع الفرنسي الجديد، “جان إيف لو دريان”، لا يجهل الوضع السيء في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما أنه مطلع على تورّط “صديقنا القطري”، كما يسمّيه أحد كبار ضباط الأركان الفرنسيين، في “استيلاء” حركات جهادية على شمال مالي. وسبق لـ”الكنار أنشينيه” أن كشفت، في عدد ٢٦ مارس، عن الإتهامات التي توجّهها أجهزة الإستخبارات الفرنسية لإمارة قطر ودورها في نشوء “ملاذ جديد للإرهاب”.”
تمويل وأسلحة قطر للثوار في مالي وتونس ومصر وليبيا
وتضيف جريدة “الكنار أنشينيه” الأسبوعية الفرنسية أن هذا التطوّر ينبغي ألا يثير الدهشة. فمنذ ٣ سنوات، انتبه عدد من السياسيين والعسكريين إلى الخطر. وفي ٢٦ أغسطس ٢٠٠٩، أعان الرئيس ساركوزي أمام سفراء فرنسا في مقر الخارجية بـ”الكاي دورسيه” أن “فرنسا لن تسمح لـ”القاعدة” بإقامة ملاذ آمن على مقربة منا، في إفريقيا”. وفي ٢٦ يناير ٢٠٠١، تحدّث “برنار باجوليه”، الذي عيّنه ساركوزي في منصب “المنسّق الوطني للإستخبارات” أمام أعضاء “لجنة القوات المسلحة” بالبرلمان عن “خطر تحوّل منطقة “الساحل” إلى أرض “جهاد” جديدة”.
وفي مطلع السنة الحالية، رفع جهاز الإستخبارات الخارجية الفرنسي (“دي جي إس أو”) عدة مذكرات لقصر “الإليزيه” للتحذير من “النشاطات الدولية” لإمارة قطر، ومن جهة أخرى، أكّد ضباط في جهاز “الإستخبارات العسكرية” (“دي إر إم”) أن سخاء قطر لا يُضاهي وأن قطر لم تكتفِ بالدعم المالي بل قامت، في حالات معينة، بتوفير السلاح للثائرين في تونس ومصر وليبيا.
دولة “طالبان” صغيرة
ويفيد جهاز “الإستخبارات العسكرية” (“دي إر إم”) الفرنسي أن ثوار “الحركة الوطنية لتحرير الأزواد” و”القاعدة في المغرب الإسلامي”الجهاد في غرب إفريقيا”) حصولا على دعم مالي من قطر. فمن الواضح أن خطف الأجانب، وتهريب المخدرات والسجائر لا يكفي لسدّ حاجات المجموعات الجهادية المبذّرة!
والواقع أن هذه الدولة الطالبانية الصغيرة بدأت تشهد خلافات بين “الطوارق” وأنصار الشريعة. ومن جهة أخرى، فقد نجحت الحركات الجهادية في إقامة مواطئ قدم على حدود النيجر وبوركينا فاسو والجزائر.
وعلاوة على ما سبق كله، فقد لوحظ وجود “سائحين” جدد في شمال مالي: وهم نيجيريون من جماعة “بوكو حرام” (أي “التعليم الغربي حرام”)، ومدرّبون باكستانيون وصلوا لتوّهم من الصومال حيث كانوا يخوضون حرب عصابات.
الإستنجاد بالجزائر
تضيف “الكنار أنشينيه” أن الديبلوماسية الفرنسية تدرك أن دول غرب إفريقيا لا تملك القدرة العسكرية للتدخّل في مالي ولاستعادة مدن وصحاري شمالي البلاد. وأن “دولة مالي”، في الجنوب، “لم تعد موجودة فعلاً، والحرب الأهلية على الأبواب”.
ويتطلع الجميع نحو الجزائر لأن جيشها هو الوحيد القادر على اجتياز حدود شمال مالي، التي يبلغ طولها ١٣٠٠ كيلومتر، وتصفية الجهاديين. ولكن بوتفليقة وجنرالاته يخشون العواقب، وتحديداً عودة الإرهاب إلى الجزائر نفسها.
وتضيف “الكنار أنشينيه” أن الجهاديين مطلعون على “سبات الجزائريين” لأنهم خطفوا ٧ ديبلوماسيين جزائريين في “غاو” وما زالوا يحتفظون بهم. وقبل ذلك، كانوا قد خطفوا ٦ رهائن فرنسيين و٧ من مواطني دول أخرى. وحيث أن قوتهم العسكرية محدودة- فالجهاديون وحلفاؤهم لا يتجاوزون ١٥٠٠ شخص- فإنهم يستخدمون هؤلاء الرهائن كدرع يقيهم أخطار التدخل العسكري الدولي.
خلافات حول تطبيق “الشريعة” بين الطوارق والجهاديين
في هذه الأثناء، ذكرت برقية لـ”وكالة الصحافة الفرنسية أن
الخلافات لا تزال قائمة بين انصار الدين والحركة الوطنية لتحرير ازواد في مالي.
فقد
اعلنت الجبهة الوطنية لتحرير ازواد في بيان يحمل توقيع امينها العام بلال اغ الشريف الثلاثاء ان الاتفاق المبدئي الموقع في غاو شمال شرق مالي لدمج الجبهة مع “حركة انصار الدين” لا يزال قيد الدرس وانه سيتم تشكيل لجنة لمتابعة ذلك بهدف حل الخلافات.
ولم يوضح البيان الذي نشر على موقع الجبهة الالكتروني طبيعة الخلافات لكن المباحثات التي جرت في غاو خلال الايام الماضية تعثرت على خلفية موضوع تطبيق الشريعة.
وقال موسى اغ شريف المسؤول في حركة انصار الدين في تمبكتو، شمال مالي، لفرانس برس ان الوفدين يواصلان المباحثات في غاو حول مسائل متصلة بالشريعة “في حضور بعض العقلاء”.
وشكل توقيع مذكرة تفاهم لدمج حركة أنصار الدين الموالين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وجبهة ازواد مفاجأة في 26 ايار/مايو، سيما انه ينص على تشكيل “المجلس الانتقالي لدولة أزواد الاسلامية”.
وتدعو انصار الدين حليفة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الى تطبيق الشريعة في كل انحاء مالي في حين ان الحركة الوطنية لتحرير ازواد تدافع عن قيام دولة مدنية ضمن حدود منطقة الازواد الطبيعية الممتدة من شمال شرق الى شمال غرب مالي.
وسرعان ما شهدت المباحثات مأزقا بسبب اصرار انصار الدين على تطبيق الشريعة.
ويشهد نفوذ جبهة ازواد تراجعا على الارض منذ اسابيع امام انصار الدين والقاعدة في شمال مالي الذي بات خارج سيطرة الحكم المركزي منذ نهاية اذار/مارس.