نيويورك: كارلوتا غال وديفيد رودي*
فقدت وكالة الاستخبارات الباكستانية السيطرة على بعض شبكات المتطرفين في باكستان ممن رعتهم منذ سنوات الثمانينات. وتعاني الآن من آثار العنف الناجمة عن تلك السياسة، وفقا لما يقوله مسؤولان استخباراتيان كبيران سابقان ومسؤولون آخرون مقربون من الوكالة.
وقال المسؤولون انه عندما تحرك الجيش ضد المتطرفين انقلبوا على سادتهم السابقين، وراحوا يقاتلون قوات الأمن الباكستانية ويساعدون المتطرفين على تنفيذ هجمات انتحارية ضد وحدات الجيش والاستخبارات وشخصيات سياسية بارزة.
وكشف مسؤولون كبار سابقون في المخابرات الباكستانية، في مقابلات اجريت الشهر الماضي، عن معلومات تؤكد بعض أسوأ المخاوف والشكوك لدى المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين والغربيين.
وقد اعترف مسؤول استخباراتي باكستاني رفيع سابق، بأن الاستخبارات بذلت جهدها للتلاعب في الانتخابات السابقة في باكستان عام 2002، عبر عرضها التخلي عن قضايا فساد موجهة ضد مرشحين معينين يمكن أن يدعموا مشرف. اما اليوم، فقد قال شخص مقرب من الوكالة ان مشرف امر رجال الاستخبارات ألا يتدخلوا في الانتخابات ويضمنوا ان تكون انتخابات حرة وعادلة، الا ان الاعتراف بالاستغلال السابق سيغذي بالتأكيد مخاوف المعارضة من تدخل جديد.
كما اعترف مسؤولان كبيران سابقان في الاستخبارات بأنه خلال الفترة التي اعقبت الحادي عشر من سبتمبر 2001، لم تتمكن ادارة الاستخبارات من اقناع المسلحين الذين غذتهم طوال عقود بمساعدتها على ممارسة ضغوط على الهند وأفغانستان، وذلك بعد أن وعد مشرف بوش بالانضمام اليه بحملته على الارهاب. وقال المسؤولان انه بعد أن أعطت وكالة الاستخبارات المتطرفين مساحة لممارسة أفكارهم المتشددة، كافحت كي تمنع ايديولوجياتهم من الانتشار.وقال مسؤول استخباراتي رفيع سابق آخر ان العشرات من ضباط الوكالة ممن دربوا المتطرفين كانوا يشعرون بتعاطف مع قضيتهم وكان ينبغي ابعادهم عن الوكالة، وقال ان ثلاث عمليات تطهير جرت منذ أواخر الثمانينات بينها ابعاد ثلاثة من مديري الوكالة بتهمة التعاطف مع المتطرفين.
ولم يوافق أي من ضباط الاستخبارات السابقين ممن تحدثوا الى «نيويورك تايمز» على الكشف عن هوياتهم عند حديثهم عن الوكالة التي تتمتع بسمعة مخيفة في التدخل في كل ناحية تقريبا من نواحي الحياة الباكستانية، ولكن اثنين من المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين السابقين اتفقا مع الكثير مما قيل حول علاقة الوكالة مع المتطرفين. كما اقرت ذلك مصادر اخرى قريبة من الاستخبارات الباكستانية، واعترفت هذه المصادر بأن الوكالة ايدت ودعمت جماعات متطرفة في افغانستان وكشمير، وأنها فعلت ذلك باوامر من قيادات سياسية. تجدر الاشارة الى أن المقابلات أجريت قبل اغتيال بي نظير بوتو، وقد أكد الذين تمت مقابلتهم أن وكالة الاستخبارات ما زالت غير قادرة على السيطرة على المتطرفين الذين عملت على تغذيتهم. وحذر هؤلاء المسؤولون السابقون في الاستخبارات من ان باكستان لن تتمكن من السيطرة على تهديدات المتطرفين، وقال أحدهم: «لم نتمكن من السيطرة عليهم. لقد لقناهم وأقنعناهم أنهم سيذهبون الى الجنة، وهذه قناعة يصعب تغييرها فجأة».
ويمثل الزعيم المتطرف مولانا مسعود ازهر مثالا لفقدان وكالة الاستخبارات السيطرة على المتطرفين الذين غذتهم وأمنت لهم تدريباتهم انقلبوا ضد الحكومة وانضموا الى جماعات متطرفة اخرى لخلق شبكات قوية جديدة لمواجهة الحكومة.
ففي عام 2000 تلقى ازهر دعما من الاستخبارات الباكستانية لتشكيل «جيش محمد»، وهي جماعة متطرفة تقاتل القوات الهندية في كشمير، وذلك بحسب ما قال لروبرت غرنير الذي خدم كرئيس لوكالة الاستخبارات المركزية في اسلام اباد في الفترة الممتدة بين عامي 1999 و 2000. وقدمت الاستخبارات الباكستانية التدريب والتنسيق الميداني الى تلك الجماعات ولكنها عانت، على حد قوله، في السيطرة عليها.
وقد حظـر مشرف نشاط «جيش محمد» واعتقل ازهر بعدما نفذ المتطرفون عملية على البرلمان الهندي في ديسمبر (كانون الاول) 2000. واتهم مسؤولون هنديون «جيش محمد» وغيره من الجماعات المتطرفة الباكستانية بتنظيم وتنفيذ الهجوم.
وقال مشرف انذاك: «سنتخذ اجراءات مشددة ضد أي باكستاني يشارك في اعمال ارهابية في داخل البلاد او خارجها». وبعدها بأسبوعين اختطف عضو في «جيش محمد» مولودا في بريطانيا يدعى احمد عمر شيخ، محررا في صحيفة وول ستريت جورنال دانييل بيرل واعدمه. وقد سلم شيخ نفسه للاستخبارات وحكم عليه بالموت لاختطافه الصحافي.
وبعد قتل بيرل، القت السلطات الباكستانية القبض على اكثر من 2000 شخص، ولكن خلال عام تم الافراج عن ازهر ومعظـم المعتقلين.
وبتشجيع من الولايات المتحدة ركزت باكستان جهودها على القبض على كبار اعضاء القاعدة، وهو ما نفذته بنجاح في الفترة ما بين عامي 2002 و 2005. ومنذ ذلك الوقت انخفضت عمليات القبض على المتطرفين، بعدما اصبحت القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرفة محاصرة في المناطق القبلية. وقد رد مسؤول كبير في الاستخبارات الباكستانية في عام 2006 عن سؤال حول عدم تحرك الحكومة ضد القائد الطالباني جلال الدين حقاني (حسب معلومات “الشفّاف”، فقد توفّي جلال الدين حقّاني في دولة الإمارات!) وابنه سراج الدين اللذين يعيشان في منطقة القبائل ومعروف ارتباطهما بالقاعدة منذ زمن بعيد، وقال ان ذلك يرجع أن باكستان تريد الحفاظ على بعض مصادرها. وقال مسؤولون غربيون إنه قبل استقالة مشرف من قيادة الجيش في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، عين أحد الاوفياء له رئيسا للاستخبارات وبدا مصرا على قيادة وكالة الاستخبارات حتى كرئيس مدني. ووصف دبلوماسي غربي وكالة الاستخبارات الباكستانية بـ«سلة الجيش القذرة المليئة بالخدع».
ومنذ اغتيال بي نظير بوتو اتهم اعضاء حزبها المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم بعض اعضاء الاستخبارات السابقين، بأن لهم يدا خفية في الهجوم او يعرفون بالمؤامرة ولم يبلغوا بي نظير. وقلل خبراء اميركيون من فرص تآمر الحكومة ضد بوتو، كما قالوا ايضا انه من غير المرجح ان ضباطا صغارا ومتقاعدين يعملون وحدهم او مع المتطرفين نفذوا العملية.
وقال خبراء باكستانيون واميركيون ان عدم الثقة تشير الى الحاجة الملحة لإصلاح جهاز المخابرات القوي الذي استخدمته السلطة لعدة عقود لضرب المعارضة السياسية والتحكم في الانتخابات ودعم الجماعات المتطرفة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
(نقلاً عن “الشرق الأوسط”)