أدى أحدث تقرير لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بشأن برنامج إيران النووي الذي صدر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر إلى توارد فيض من التقارير الإخبارية والمقالات الافتتاحية المتفائلة. ووفقاً لـ«الوكالة»، لم تقم طهران بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي المركّبة في المنشآت المعلن عنها كما لم تقم بتشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، فضلاً عن أن مخزونها من سداسي فلوريد اليورانيوم المخصب حتى 20 في المائة يظل دون الخط الأحمر الحرج. وفي غضون ذلك، يمضي العمل ببطء في مفاعل أراك، الذي سيكون قادراً على إنتاج البلوتونيوم، وهو مادة نووية انفجارية بديلة. وقبل ثلاثة أيام من نشر التقرير، أعلنت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن إيران وافقت على إطلاع «الوكالة» على معلومات حول بعض الجوانب من برنامجها النووي التي كانت محجوبة سابقاً.
والأمر الذي لم يركز عليه التقرير كثيراً ولم يلق الكثير من التغطية هو شكوك «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» المستمر بشأن دوافع إيران الحقيقية، والذي ورد تفصيله تحت عنوان “الأبعاد العسكرية المحتملة”. وقد جاء في الصفحة العاشرة من التقرير البالغ عدد صفحاته ثلاث عشرة صفحة، “منذ عام 2002، أصبحت «الوكالة» أكثر قلقاً بشأن وجود منظمات مرتبطة بالأسلحة النووية غير معلن عنها في إيران، بما في ذلك الأنشطة المرتبطة بتطوير حمولة متفجرات لصاروخ“. كما تلقت «الوكالة» معلومات تشير إلى أن إيران نفذت أنشطة “ذات صلة بتطوير جهاز انفجاري نووي”. وقد اعتبر التقرير أن هذه المعلومات “موثوقة”، وذكر أنه منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011 حصلت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» على معلومات إضافية “تعزز” تحليلها.
وبالإضافة إلى ذلك، يذكر التقرير أن إيران “رفضت مخاوف «الوكالة»” و”تراها قائمة على مزاعم لا أساس لها من الصحة”. وبناءً على ذلك، تستمر طهران في عدم ردها على الأسئلة التفصيلية لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أو إتاحتها الوصول إلى موقع بارشين خارج العاصمة مباشرة، حيث يحتمل أن تكون لديها هناك منشأة قادرة على اختبار المتفجرات التقليدية لاحتمالية استخدامها في قنبلة ذرية داخلية الانفجار.
ومن الناحية النظرية، يمكن للمرء أن يقول إن عناد طهران يتماشى مع روايتها بأن البرنامج النووي الإيراني كان ولا يزال لأغراض سلمية فقط. لقد تم توضيح وجهة نظر الحكومة باستفاضة على موقع إلكتروني جديد، يبدو رسمياً، يؤكد على نية إيران في إتقان جميع جوانب الدورة النووية والحفاظ على برنامج نووي سلمي واسع النطاق لتوليد الطاقة. لكن حتى بعيداً عن الأدلة الدامغة حول “الأبعاد العسكرية المحتملة”، فإن هذا النهج لتطوير الطاقة يبدو غريباً لدولة تملك رابع أكبر احتياطي من النفط وثاني أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالم، لكنها تمتلك موارد يورانيوم محدودة جداً.
وعلى المدى الطويل، فإن الهدف الواضح للدبلوماسية الحالية هو التيقن من أن الأنشطة النووية الإيرانية خاضعة لنظام ضمانات صارم. إلا أن أي نظام من هذا القبيل يتطلب الوضوح بشأن ما فعلته إيران وربما تواصل حالياً فعله سراً، وليس فقط السماح بالتطبيق النهائي لأي اتفاق يتم التوصل إليه، وإنما الحد كذلك من مخاوف الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة الذين يراودهم القلق بشأن تقديم تنازلات لإيران.
وفي الماضي، لم تكن طهران منفتحة بشكل كامل بشأن تلك الأنشطة. على سبيل المثال، فإن إقرارها وفقاً لاتفاق 2003 مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا أغفل ذكر برنامج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وغيرها من الأنشطة الرئيسية. كما أن هناك أدلة مقنعة كذلك بأن إيران كانت تعمل على تصميم وتجهيز محطة فوردو للتخصيب الواقعة تحت الأرض في أوائل عام 2005، بالتوازي مع المفاوضات. لذلك، لا يمكن تطبيق اتفاق مرحلي جديد ما لم تعلن طهران عن جميع مواقعها الحالية والماضية للتخصيب، وجميع أجهزة الطرد المركزي التي قامت بتصنيعها وتركيبها، وجميع ما بحوزتها من المواد النووية، بما في ذلك الكعك الأصفر. كما يجب عليها تقديم معلومات بشأن تصنيع المكونات المتبقية لمفاعل المياه الثقيلة في أراك.
ومع استمرار المحادثات في جنيف هذا الأسبوع، ينبغي على المفاوضين أن يركزوا على هذه القضايا ومسائل الإفصاح الأخرى من أجل تحقيق أقصى قدر من الثقة الدولية في المسار الدبلوماسي وتجنب تقديم تنازلات سابقة لأوانها لطهران قد يصعب التراجع عنها لاحقاً. وعند النظر إلى الصورة الأكبر سنرى أن مصداقية نظام حظر الانتشار العالمي هي على المحك، وهو الأمر حول سلطة مجلس الأمن الدولي لإنفاذ قراراته.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. أولي هاينونن هو زميل أقدم في مركز بيلفر في كلية كندي في جامعة هارفارد ونائب المدير العام السابق للضمانات في «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».