لا يبدو ان حال النظام السوري سيكون افضل مما آل اليه النظام العراقي “الصدامي” والنظام الليبي “القذافي”. الثلاثة تنتمي الى مدرسة بالانقلاب. هذا ما قام به صدام حسين ونظام البعث العراقي وما قام به القذافي ونظام حافظ الاسد البعثي في سورية. مكمن التشابه ايضا في ان هؤلاء القادة الثلاثة اصيبوا بلوثة التنافس على وضع آلاف الانصبة والصور العملاقة في كل الاماكن العامة والى شعار قائدنا الى الابد يشتركون في مزاوجة البلاد مع ذواتهم الفردية: سورية الاسد وعراق صدام وليبيا معمر. فقد اعتقد هؤلاء ان الحكم هو مسألة عائلية يتناقلها الابن عن الاب، فورث الحكم الرئيس بشار الاسد عن والده، ولم يكن اعلان سيف الاسلام وريثا لوالده امرا منتظرا، بل كان بمثابة ولي عهد زعامة القذافي، وكذلك كان نجلا صدام حسين عدّي وقصّي.
على ان ما يربط بين هذه الانظمة الثلاثة ذات السمة الاشتراكية والقومية العربية، الكاذبة، انها من اكثر الانظمة التي سحقت اي مظهر معارض لها في الداخل او اي تنوع سياسي. البعث العراقي سحق المختلفين معه من قوميين واسلاميين واعدم وقتل الى حد اعتبر مؤسس حزب الدعوة (الحاكم) الراحل السيد محمد باقر الصدر ان حزب البعث هو حزب كافر. وفي سورية لم يكن الحال افضل. فما يشبه الابادة مارسها النظام ضد خصومه وطالت اسلاميين وليبراليين بل اصرت سورية على رفض الحوار بل وحتى الاعتراف بوجود الاخوان المسلمين كتيار سياسي في سورية.
هذه الانظمة الثلاثة التي اخذت شرعية السلطة بالانقلاب العسكري وباسم الحرية والاشتراكية وتحرير فلسطين، لم تحقق لشعوبها الا المزيد من التقهقر السياسي وتدهور الحريات العامة والتخلف اقتصاديا، والاهم تحكم مافيات عائلية في سورية وليبيا بموارد الدولة، او حزبية كما في عراق صدام. يقول الفنان السوري جمال سليمان (برنامج “بالعربي” على “العربية”) الخميس المنصرم، انه قطع الامل بامكان قيام الرئيس الاسد بتنفيذ الاصلاح في سورية عام 2004، عندما زجّ بالسجن بالنائب رياض سيف بعد رفع الحصانة عنه بسبب مطالبة سيف بالتحقيق في عقود تلزيم الهاتف الخلوي في سورية.
يتابع سليمان القول: في تلك اللحظة ادركت ان نظاما لا يسمح بفتح تحقيق في ملف اقتصادي، فكيف يمكن ان يصلح في القضاء والسلطات الدستورية والسياسية وفي تثبيت الديمقراطية؟
في العراق وليبيا لم يسقط النظامان بقوة التدخل الخارجي فحسب، السقوط كان قد حصل قبل ذلك. فقد سقط المشروع حين فشل النظام بتحقيق كل ما رفعه على صعيد التنمية من رفاهية المجتمع والحريات والحياة السياسية وغيرها من شعارات وبرامج طالما كانت عنوانا من عناوين تبرير استمرار الحزب القائد في السلطة. هذا فضلا عن “القضية القومية” التي لم تشهد اي تحول ايجابي سواء على صعيد التحرير او انجاز التسوية بما يضمن حقوق الفلسطينيين.. الذي يسقط في سورية اليوم هو نفسه ما سقط في عراق صدام وما سقط في ليبيا القذافي، لكن النظام السوري يبدو حتى الآن يتهاوى من دون ان نشهد فعليا تدخلا خارجيا كما حصل في النموذجين الليبي والعراقي، رغم الدعم الاستثنائي الايراني والروسي له وهما لم يتوفرا للقذافي. اما احالة هذا الانهيار الى المؤامرة فما هو إلا اصرار على التعامي عن الحقيقة.
في سورية اليوم شعب يتلمس فرصة الخلاص من سلطة منعت على قواه الحية حق الوجود خارج السجون وحق التعبير الطبيعي عن تطلعاتها من دون ان تتعرض للتخوين والطرد.
لا يبدو المشهد جديدا. الفصل السوري déja vu في ليبيا والعراق. ما بعد الأسد كذلك. الفوارق طفيفة وقد لا تكون ملحوظة بين الرسمات الثلاث أعلاه.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
“البلد”