إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
لأول مرة في التاريخ، تناقلَ رُواد مواقع التواصل الإجتماعي خطابَ عضوٍ في مجلس الشيوخ الفرنسي، هو السناتور “كلود مالوريه”، وقام بعضهم بتفريغِ نصِّ خطابه بالفرنسية وترجمته إلى الإنكليزية (“الشفاف يترجمه، هنا، إلى العربية) بحيث وصل عدد مشاهدي الخطاب مئات الألوف خلال 3 أيام فقط.
ووسط التداعيات التي أعقبت قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإنقلاب على شراكة استراتيجية استمرت 80 عامًا مع أوروبا للوقوف إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا، برز “كلود مالوريه”، السيناتور الفرنسي من يمين الوسط، والذي كان مجهولًا إلى حد كبير خارج فرنسا، وحتى في فرنسا نفسها، ليقدم خطابًا لاقى صدى واسعًا لدى الجماهير الأوروبية والأمريكية على حد سواء.
وفي جلسة عامة في مجلس الشيوخ الفرنسي، ألقى “مالوريه” مداخلة استمرت ثماني دقائق، كانت مباشرة للغاية بشأن الحرب في أوكرانيا وأمن أوروبا. ومع ذلك، كان خطابه في معظمه بمثابة نقد لإدارة ترامب، حيث وصفه من بين أمور أخرى بـ”الإمبراطور الحارق”. مع أنه جرت العادة أن يتجنب المسؤولون والمشرعون الأجانب التعليق على السياسة الداخلية لدولة أخرى، لا سيما إذا كانت حليفة.
لم يكن خطاب “مالوريه” موجهًا إلى الجمهور الأمريكي، بل كان مخصصًا للفرنسيين، في ظل سعي بعض المشرعين إلى زيادة الإنفاق الدفاعي بسرعة لحماية أوكرانيا وتشكيل قوة دفاع أوروبية مستقلة. لكن بالنسبة للكثيرين عبر المحيط الأطلسي، كان خطابه بمثابة تحليلٍ واضح للسياسة الأمريكية.
ما يلي هو ترجمة كاملة لخطاب السناتور كلود مالوريه
ها هي أوروبا عند نقطة تحوُّل حاسمة في تاريخها. الدرع الأمريكي ينزلق، وأوكرانيا مهددة بالتخلي عنها، وروسيا تزداد قوة.
لقد أصبحت واشنطن بلاط نيرون، إمبراطور يُحَرٍّض على الحريق، وحاشية خاضعة، ومهرّج منتشيً بالـ”كيتامين” مكلق بتطهير الأجهزة الحكومية.
هذه مأساة للعالم الحر، لكنها أولًا وقبل كل شيء مأساة للولايات المتحدة. رسالة ترامب هي أنه لا فائدة من أن تكون حليفه، لأنه لن يدافع عنك، بل سيفرض عليك تعرفات جمركية أعلى من تلك التي يفرضها على أعدائه، وسيهدد بمصادرة أراضيك بينما يدعم الأنظمة الديكتاتورية التي تغزو بلادك.
“ملك الصفقات” يَعرضُ “فن الصفقة” وهو مستلقٍ على بطنه. يظن أنه سيرهب الصين عبر الاستلقاء أمام بوتين، لكن شي جين بينغ، وهو يرى مثل هذا الخضوع، سوف يسرّع، على الأرجح، التحضيرات لغزو تايوان.
لم يسبق في التاريخ أن استسلم رئيس أمريكي للعدو. لم يدعم أي رئيس أمريكي من قبل معتديًا ضد حليف… لم يدُس أي منهم على الدستور الأمريكي، ولم يصدر هذا العدد من الأوامر التنفيذية غير القانونية، ولم يقُم بإقالة القضاة الذين كان بإمكانهم منعه من فعل ذلك، ولم يأمر بإقالة القيادة العسكرية العليا دفعة واحدة، ولم يُضعِف جميع الضوابط والتوازنات، ولم يسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه ليست مجرد انحراف غير ليبرالي، بل هي بداية لمصادرة الديمقراطية. لنتذكر أنه لم يستغرق الأمر سوى شهر واحد وثلاثة أسابيع ويومين للإطاحة بجمهورية فايمار الألمانية ودستورها (في العام 1933)..
لدي إيمان بقوة الديمقراطية الأمريكية، والشعب بدأ بالفعل في الاحتجاج. لكن، خلال شهر واحد فقط، ألحق ترامب بأمريكا ضررًا أكثر مما فعله في أربع سنوات من ولايته السابقة.
كنا نحارب ديكتاتورًا، والآن نحن نحارب ديكتاتورًا يدعَمُهُ خائن.
قبل ثمانية أيام، في اللحظة التي كان فيها ترامب يُربِّت على ظهر “ماكرون” في البيت الأبيض، صوَّتَت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة إلى جانب روسيا وكوريا الشمالية ضد الأوروبيين الذين طالبوا بانسحاب القوات الروسية.
وبعد ذلك بيومين، في المكتب البيضاوي، كان هذا المتهرب من الخدمة العسكرية يعطي بطل الحرب “زيلينسكي” دروسًا في الأخلاق والاستراتيجية قبل أن يصرفهُ كخادم، آمرًا إياه بالاستسلام أو الاستقالة.
الليلة، اتخذ خطوة أخرى نحو العار عبر وقف تسليم الأسلحة التي تم التعهد بها. ما العمل في مواجهة هذه الخيانة؟ الجواب بسيط: مواجهتها.
أولًا، يجب ألا نخطئ: هزيمة أوكرانيا ستكون هزيمة لأوروبا. دول البلطيق، وجورجيا، ومولدوفا مدرجة بالفعل على القائمة. هدف بوتين هو العودة إلى “قمة يالطا” (1943)، حيث تم التنازل عن نصف القارة لستالين.
دول الجنوب تنتظر نتيجة الصراع لتقرر ما إذا كان ينبغي عليها الاستمرار في احترام أوروبا أم أنها أصبحت الآن حرة في دوسها.
ما يريده بوتين هو نهاية النظام الذي وضعته الولايات المتحدة وحلفاؤها قبل 80 عامًا، والذي كان مبدؤه الأول حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
هذه الفكرة هي جوهر الأمم المتحدة، حيث يصوت الأمريكيون اليوم لصالح المعتدي وضد المعتدى عليه، لأن رؤية ترامب تتطابق مع رؤية بوتين: العودة إلى مناطق النفوذ، حيث تملي القوى الكبرى مصير الدول الصغيرة.
“أعطني غرينلاند، وبنما، وكندا. يمكنك الحصول على أوكرانيا، ودول البلطيق، وشرق أوروبا. وهو يمكنه الحصول على تايوان وبحر الصين.”
في عشاءات الأوليغارشيين في “منتجع مار-إيه-لاجو”، يسمون هذا “الواقعية الدبلوماسية”.
لذلك، نحن الآن نقف وحدنا. لكن فكرة أنه لا يمكن مواجهة بوتين هي فكرة خاطئة. على عكس دعاية الكرملين، روسيا في وضع سيئ. في غضون ثلاث سنوات، تمكّن ما يسمى “الجيش الثاني في العالم” من الاستيلاء فقط على فتات من بلد يقل عدد سكانه بثلاث مرات.
أسعار الفائدة عند 25٪، وانهيار احتياطيات النقد الأجنبي والذهب، والانهيار الديموغرافي، كلها تشير إلى أن [روسيا] على حافة الهاوية. المساعدة الأمريكية لبوتين هي أكبر خطأ استراتيجي ارتُكِب في أي حرب.
الصدمة عنيفة، لكنها تحمل فضيلة: الأوروبيون يخرجون من حالة الإنكار. فهموا في يوم واحد في ميونيخ أن بقاء أوكرانيا ومستقبل أوروبا في أيديهم، وأن لديهم ثلاثة التزامات.
أولاً، الإسراع في المساعدات العسكرية لأوكرانيا لتعويض التخلي الأمريكي، حتى تصمد، وبالطبع فرض حضورها وحضور أوروبا في أي مفاوضات.
سيكون ذلك مكلفًا. سيتعين إنهاء “التابو” بشأن استخدام الأصول الروسية المجمدة، والتغلب على المتواطئين مع موسكو داخل أوروبا نفسها من خلال تحالف يضم فقط الدول الراغبة، والتي تشمل، بالطبع، المملكة المتحدة.
ثانيًا، المطالبة بأن يصاحب أي اتفاق إعادة الأطفال المختطفين والأسرى وضمانات أمنية مطلقة. بعد بودابست، وجورجيا، ومينسك، نعرف قيمة الاتفاقات مع بوتين. هذه الضمانات تتطلب قوة عسكرية كافية لمنع غزو جديد.
وأخيرًا، وهو الأمر الأكثر إلحاحًا لأنه سيستغرق أطول وقت، يجب بناء دفاع أوروبي، طالما تم إهماله لصالح المظلة الأمريكية منذ عام 1945 وتم تقويضه منذ سقوط جدار برلين.
إنها مهمة هائلة، ولكن على نجاحها أو فشلها سيتم الحكم على قادة أوروبا الديمقراطية اليوم في كُتب التاريخ.
لقد أعلن (المستشار الألماني) فريدريش ميرتس للتو أن أوروبا بحاجة إلى تحالفها العسكري الخاص. هذه طريقة للاعتراف بأن فرنسا كانت على حق لعقود في الدعوة إلى الاستقلال الاستراتيجي.
وهذا ما ينبغي بناؤه.
سيتعين الاستثمار بشكل هائل، وتعزيز صندوق الدفاع الأوروبي خارج “معايير مديونية ماستريخت”، وتوحيد أنظمة الأسلحة والذخائر، وتسريع دخول أوكرانيا، التي تملك اليوم أقوى جيش في أوروبا، إلى الاتحاد الأوروبي، وإعادة التفكير في مكانة وشروط الردع النووي بناءً على القدرات الفرنسية والبريطانية، وإعادة إطلاق برامج الدفاع الصاروخي والأقمار الصناعية.
الخطة التي أعلنتها “أورسولا فون دير لاين” أمس هي نقطة انطلاق جيدة جدًا. وسيكون هناك حاجة إلى المزيد بكثير.
لن تصبح أوروبا قوة عسكرية مرة أخرى إلا إذا أصبحت قوة صناعية مرة أخرى. بكلمة واحدة، يجب تنفيذ “تقرير دراغي”. وبشكل نهائي.
لكن إعادة تسليح أوروبا الحقيقية هي إعادة تسليحها الأخلاقي.
يجب أن نقنع الرأي العام ضد إرهاق الحرب والخوف، وخاصة في مواجهة المتواطئين مع بوتين، من أقصى اليمين وأقصى اليسار. إنهم يقولون أنهم يريدون السلام. ولكن ما لا يقولونه هم، وما لا يقوله ترامب، هو أنهم يريدون سلام الإستسلام، سلامَ الهزيمة. إنهم يريدون استبدال “ديغول زيلنسكي” بـ”بيتان” أوكراني ينفِّذ أوامر بوتين.إنه سلام “المتواطئين” الذين صوّتوا طوال 3 سنوات ضد تقديم أي عون لأوكرانيا.
هل هذه نهاية التحالف الأطلسي؟ الخطر كبير.
لكن في الأيام الأخيرة، أدت الإهانة العلنية لزيلينسكي وجميع القرارات المجنونة التي تم اتخاذها خلال الشهر الماضي إلى تحرك الأمريكيين أخيرًا.
استطلاعات الرأي تظهر تراجع الترامبيين. يتم استقبال النواب الجمهوريين بحشود غاضبة في دوائرهم الانتخابية. حتى قناة “فوكس نيوز” أصبحت تنتقد.
لم يعد الترامبيون في أوج قوتهم. إنهم يسيطرون على السلطة التنفيذية، والكونغرس، والمحكمة العليا، ووسائل التواصل الاجتماعي.
لكن، في التاريخ الأمريكي، كان المدافعون عن الحرية ينتصرون دائمًا. وقد بدأوا برفع رؤوسهم.
مصير أوكرانيا يُحسم في الخنادق، لكنه يعتمد أيضًا علىالاميركيين الذين يريدون الدفاع عن الديمقراطية، وعلى قدرتنا هنا على توحيد الأوروبيين، وإيجاد وسائل الدفاع المشترك، وجعل أوروبا القوة التي كانت عليها في التاريخ والتي تتردد في أن تصبحها من جديد.
لقد هزم آباؤنا الفاشية والشيوعية بتكلفة باهظة.
مهمة جيلنا هي هزيمة شموليّات القرن الحادي والعشرين.
تحيا أوكرانيا الحرة، تحيا أوروبا الديمقراطية.
For this French senator, Trump is a traitor—and Europe is now alone