في 27 أيلول/سبتمبر تباحثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مع نظيرها السوري وليد المعلم على هامش اجتماع للأمم المتحدة في نيويورك. وقبل ذلك بأسبوعين، اجتمع مبعوث السلام الأمريكي جورج ميتشل مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. ويبدو أن الهدف من هذه الموجة الأخيرة من النشاط الدبلوماسي هو إقناع سوريا بالامتناع عن لعب دور المفسد في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المستأنفة حديثاً. ولتقوية موقفها، تطرح واشنطن إمكانية التوصل إلى “سلام شامل” بقيادة الولايات المتحدة يشمل سوريا ولبنان، بشرط قيام الأسد بتقييد عمليات جماعات الرفض الفلسطينية التي تتخذ من سوريا مقراً لها.
وفي الحقيقة، ربما تكون إسرائيل على استعداد لاستئناف مسار السلام مع سوريا برعاية الولايات المتحدة في المستقبل القريب، إذا استطاعت دمشق إبعاد «حماس» وغيرها عن التدخل في المحادثات الفلسطينية الجديدة. إن قيام سوريا بلعب مثل هذا الدور الايجابي سيُكسبها القليل من التأييد بين حلفائها في إيران ولبنان. غير أن الاحتمال الذي يلوح في الأفق حول قيام تحقيق من قبل “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وتداعيات المحاكمة الجارية حول قضية اغتيال الحريري ربما تحث الأسد على الترحيب بفكرة بأن يصبح “شريكاً في السلام”.
الأرض مقابل العلاقات مع إيران و«حزب الله»
كانت سوريا وإسرائيل قد عقدتا محادثات سلام غير مباشرة في عامي 2007-2008 تحت رعاية تركية. وفي ذلك الوقت، قيل إن دمشق قد طلبت من إسرائيل توضيح ست نقاط حول خط 4 حزيران/يونيو 1967، بينما طلبت إسرائيل تفاصيل عن علاقة سوريا مع «حزب الله» وإيران. وقد تركت سوريا المحادثات بعد أن شنت إسرائيل عملياتها العسكرية ضد «حماس» في قطاع غزة في كانون الأول/ديسمبر 2008.
واليوم، تقول دمشق إنها ستكون مستعدة للعودة إلى محادثات غير مباشرة تحت رعاية تركية إذا ما التزمت إسرائيل بالانسحاب إلى خطوط حزيران/يونيو 1967 كأساس لمحادثات مباشرة نهائية. بينما أشارت إسرائيل بأنها تفضل إجراء محادثات مباشرة بوساطة أمريكية — بسبب علاقاتها المتدهورة مع تركيا — تركز فيها ليس فقط على الأرض ولكن أيضاً على تقاطع إيران-«حزب الله». وقد منع هذا الخلاف استئناف المفاوضات حتى الآن.
وفي حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2009، زار ميتشل دمشق لمناقشة احتمالات التوصل إلى سلام إقليمي شامل، بما في ذلك توقيع معاهدة بين إسرائيل وسوريا. وبعد ذلك بوقت قصير، أطلقت واشنطن ودمشق مبادرة حول “التقييم الفني لمراكز الحدود العراقية” في محاولة لوقف تدفق المتمردين من سوريا إلى العراق. لكن تم إحباط تلك المبادرة بسبب تفجيرات 19 آب/أغسطس 2009 في بغداد، التي ألقت فيها الحكومة العراقية اللوم على دمشق. وقد أدت حرب الكلمات التي نتجت عنها إلى قيام كلا البلدين بسحب سفيريهما اللذين لم يعودا إلى مناصبهما حتى وقت سابق من هذا الشهر.
وفي خريف عام 2009، ومع ضعف احتمالات التقدم على المسار السوري، بدأت إدارة أوباما بالضغط من أجل انسحاب إسرائيلي من قرية “الغجر” المتنازع عليها، الواقعة بين لبنان ومرتفعات الجولان. لكن، انتهت تلك الآمال بعد استيلاء إسرائيل على سفينة “فرانكوب” في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، تلك الباخرة التي كانت تهرب ستاً وثلاثين حاوية تحمل صواريخ إيرانية كانت متجهة نحو ميناء اللاذقية السوري، ومن المرجح إلى «حزب الله».
وفي ربيع عام 2010، أصبحت حكومة نتنياهو أقل ميلاً لاستئناف المحادثات مع دمشق بعد ورود تقارير بأن سوريا قد نقلت قذائف وصواريخ طويلة المدى (بما في ذلك صواريخ سكود) إلى «حزب الله». وقد شجعت تلك التقارير على قيام المزيد من الزيارات الأمريكية لدمشق من قبل المبعوث ميتشل، ووكيل وزارة الخارجية الأمريكية ويليام بيرنز، وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور جون كيري. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت تلك الزيارات قد حلت المشكلة أم لا. ومنذ ذلك الحين ظهرت تقارير تفيد بأن إيران قامت بنقل أنظمة رادار إلى سوريا، وهي أنظمة بإمكانها تسهيل العمليات التي يقوم بها «حزب الله» ضد الطائرات الإسرائيلية. وبالإضافة إلى ذلك، أُفيد بأن روسيا ستقوم ببيع “صاروخ P-800 مضاد للسفن” إلى دمشق، وهو نظام متطور يعتقد محللون عسكريون بأنه بالإمكان استخدامه أيضاً ضد أهداف أرضية.
مزايا متبادلة في المحادثات
على الرغم من التوترات المتصاعدة أو ربما بسببها، لدى إسرائيل وسوريا العديد من الأسباب لاستئناف المحادثات، سواءًً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سراً أو علناً. ومن الناحية التكتيكية، ربما يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن محادثات من هذا القبيل هي مسار تكميلي للعملية الفلسطينية، يتم بواسطته التحايل على مساعي المفسدين التقليديين مثل «حماس» أو حركة «الجهاد الإسلامي الفلسطيني». وبدلاً من ذلك، بإمكان نتنياهو اتباع النموذج الذي استخدمته إسرائيل في التسعينات من القرن الماضي بالاستفادة من سوريا كمسار منافس من أجل الضغط على الفلسطينيين للاستمرار في المفاوضات بحسن نية صادقة.
ومن جانبها، تواجه سوريا لحظة الحقيقة مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حول عرقلة التحقيق في أنشطتها النووية. ومن الناحية التاريخية، تدرك دمشق جيداً بأن أفضل طريقة لتفادي أو تأجيل الضغوط الأمريكية والدولية هي فتح محادثات سلام مع إسرائيل.
ولدى كلا الدولتين أسباب استراتيجية للعودة أيضاً إلى طاولة المفاوضات. فوسط التآكل البطيء لنفوذ «تحالف 14 آذار» في لبنان، يرى أعضاء في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية بشكل متزايد، أن [توقيع] معاهدة سلام مع سوريا هو وسيلة لاحتواء توسع نفوذ «حزب الله» في لبنان. ورغم أن تفاصيل هذه الاستراتيجية غير معروفة، ترى الحكمة التقليدية في إسرائيل أن معاهدة [سلام] من شأنها أن تجبر سوريا على إنهاء عمليات نقل الأسلحة التي تقوم بها إلى الجماعة. وبالنسبة لدمشق، يتطلع النظام إلى تعزيز نفوذه في لبنان وإضفاء الشرعية عليه. وبإمكان معاهدة سلام أن تسهل هذا الهدف، لا سيما إذا كانت تنص على قيام دور سوري تجاه «حزب الله».
وفي الوقت نفسه، لا يزال دور الوسيط في حالة تغير مستمر. فمع حدوث تراجع في العلاقات بين إسرائيل وتركيا بدأت واشنطن — بقيادة مساعد ميتشل الذي يعمل منسقاً للشؤون الإقليمية “فريدريك هوف” — بالقيام بدور الوساطة الذي لا تستطيع تركيا فجأة القيام به. وتتطلع فرنسا أيضاً إلى لعب دور قيادي محتمل حيث عيّنت مؤخراً السفير السابق في دمشق “جان كلود كوسران” كمبعوثها للسلام في الشرق الأوسط.
هل حان الوقت لقيام الأسد باتخاذ قرار؟
في 16 أيلول/سبتمبر، وفي أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها ميتشل إلى دمشق، قال مسؤول أمريكي رسمي لصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»: “إذا نجحت «حماس» [في إحباط المحادثات الفلسطينية] فإن احتمالات إجراء محادثات بين إسرائيل وسوريا في النهاية هي صفر”. وبناءً على ذلك، تركز واشنطن حالياً على كيفية قيام دمشق بموازنة علاقاتها مع «حماس» و«حزب الله» من أجل اختبار نوايا الأسد.
وفي حين قابلت «حماس» استئناف عملية السلام بشن هجمات على مدنيين إسرائيليين وإطلاق القذائف، تَمثّل رد الفعل السوري الرسمي على المحادثات حتى الآن بالصمت. ومع ذلك، استضافت دمشق في نهاية الأسبوع الماضي محادثات مصالحة بين «فتح» و«حماس»، حثّ بعدها زعيم المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل الرئيس محمود عباس على الابتعاد عن الطاولة بعد انتهاء فترة تعليق بناء المستوطنات الإسرائيلية الذي صادف يوم الأحد المنصرم. ويشير هذا الأسلوب إلى أن دمشق قد عادت إلى استراتيجيتها القديمة بدعمها جانبي السور الدبلوماسي حول مسائل الحرب والسلام.
ومع ذلك، إذا استمر عباس في المفاوضات، فإن ذلك قد يغري دمشق لاتخاذ خيارات مختلفة. وسيكون أحد الاختبارات الرئيسية في الأشهر المقبلة، حول ما إذا كانت سوريا ستستمر في تقديم أسلحة متطورة وتوفر التدريب لـ«حزب الله» أم لا. وهناك اختبار آخر يتعلق بـ «المحكمة الخاصة للبنان». فقد تزايدت التوترات في لبنان حول الجهد الواضح الذي يقوم به «حزب الله» لإسقاط حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري إذا لم ينهِ هذا الأخير المشاركة اللبنانية في «المحكمة الخاصة للبنان»، والتي يُتوقع على نطاق واسع بأنها ستوجه الاتهام إلى أعضاء من «حزب الله» فيما يتعلق باغتيال رفيق الحريري. فهل ستسمح دمشق للمحكمة بالتقدم [في التحقيقات] أم تتخذ جهة «حزب الله»؟
وسوف تُتخذ خيارات الأسد حول «حماس» و«حزب الله» على خلفية القضية النووية الإيرانية. وتأمل الولايات المتحدة أن يؤدي التقدم بين إسرائيل وسوريا إلى زيادة عزلة إيران، غير أن حسابات الأسد لم يتم الكشف عنها بعد.
الخاتمة
في مقابلة ظهرت في صحيفة “وول ستريت جورنال” اليوم قلل وزير خارجية سوريا وليد المعلم من أهمية فرص استئناف المحادثات مع إسرائيل وعبّر عن معارضته للعديد من مبادرات واشنطن الإقليمية. وقد أظهرت سوريا سابقاً علامات تدل على تغيير موقفها بعد عام من التقدم البطيء [في التعاطي] مع إدارة أوباما. فعلى سبيل المثال، خلال محادثات ميتشل في دمشق قام النظام السوري باستبعاد السفير عماد مصطفى الذي ألقي عليه اللوم بحدوث أخطاء دبلوماسية سابقة وميله إلى إعطاء تصريحات النصر غير المفيدة. ومع ذلك، يبدو أن تصريحات المعلم هي عقبة أمام حدوث تقدم.
ولكونه قلقاً من سلوك النظام السوري ومتحيراً من نبرته، يستمر الكونغرس الأمريكي في تأجيل التصديق على تعيين السفير الأمريكي روبرت فورد في سوريا. وتشير هذه التطورات وغيرها إلى أن الحركة على المسار السوري ستستمر في بطئها ومشقتها، بغض النظر عن الارتفاع الجديد في عدد الزيارات الرسمية وغيرها من الأنشطة الدبلوماسية.
أندرو جيه. تابلر هو زميل الجيل القادم في برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن
جلب دمشق إلى الطاولة: هل تستطيع واشنطن إحياء محادثات السلام بين إسرائيل وسوريا؟
shafic — bariloche119@hotmail.com
ما بدنا سفير أميركي بقا
جلب دمشق إلى الطاولة: هل تستطيع واشنطن إحياء محادثات السلام بين إسرائيل وسوريا؟
الحل للهروب من العدالة الدينياوية لمحاكمة قتلت الرئيس الحريري .النظام السوري المخابراتي الارهابي صفى غازي كنعان وغيرهم من لهم علاقة لانه انتهى دورهم وعلى ميليشيا حزب الله الطائفي الارهابي تصفيتهم أو إخفائهم حتى لا تُحاكم القيادة التنفيذية في الجريمة