استفاق اللبنانيون يوم امس على هول جريمة قتل فيها أب وزوجته واولاده ما عدا كبيرهم ابن الرابعة عشرة عاما الذي لم تتضح بعد كيفية نجاته.
ما يثير “الريبة” في الجريمة المروعة هو جملة تناقضات رافقت ملابساتها بدءا من وضع يد جهاز امن “حزب الله” يده على مسرح الجريمة لساعات عدة قبل ان يسمح لقوى الامن اللبناني بمعاينة مسرح الجريمة ومكان وقوع الجريمة في ما يعرف بـ”المربع الامني” في بناية أُنجز بناؤها حديثا في محلة بئر العبد، فضلا عن التناقضات التي اعلن عنها في سلاح الجريمة. وكذلك ما قيلَ عن الوضع النفسي لرب الاسرة، او عن “ضائقة مالية” كان يمر بها وافضت الى إقدام الاب على قتل زوجته وأطفاله ثم الانتحار تبعا لما أشاعة وسائل الاعلام المقربة من حزب الله (صحيفة “السفير” وجريدة “الاخبار”).
في التفاصيل ان الجريمة وقعت قرابة الظهر واكتشف شقيق القاتل ما حصل في منزل شقيقه قرابة الرابعة بعد الظهر، وأعلن النبأ عند الثامنة ليلا، وسمح لقوى الامن الداخلي اللبناني بمعاينة مسرح الجريمة، بعد أن فكّ جهاز أمن حزب الله الطوق الذي فرضه على مسرح الجريمة!
شهادات الجيران كما نقلتها الصحف لا تشير الى أي أزمة نفسية كان يعاني منها القتيل وأن زوجه كما عرفها الجيران أظهرت توازنا نفسيا وإستقامة وهدوءا ودماثة خلق بما لا يشي بأن العائلة تعاني أزمات.
وطبقا لما قال شقيقه، فهو لم يذكر ان القتيل كان يعاني من أزمة مالية أو ضائقة تكون نتيجتها الاقدام على قتل عائلته خصوصا أنه إنتقل قبل عشرة أيام الى منزل جديد وكان قبض خلال شهر آذار 2009 مستحقاته من الصندوق المركزي لوزارة المهجرين كبدل عن تعوضات حرب تموز.
والى ما سبق لم تشر التحقيقات الى نوعية عمل القتيل، وما اذا كان يعمل او عاطلا عن العمل، فضلا عن سكنه في المربع الامني الامر الذي يعطي إنطباعاً بشأن هوية إنتمائه السياسي.
وفي إنتظار ان تكشف التحقيقات خلال الايام المقبلة لا بد من الإجابة على هذه التساؤلات لتبيان الخيط الابيض من الخيط الاسود في هذه الجريمة المأساوية.
*
لقتل العارم…!
علي الأمين
فيما تعود التهدئة لتستقر الى حين، يبقى المشهد السياسي بما ينطوي عليه من تجاذبات واستقطابات مستمر، ولا ما يشير الى ان الازمات المتفاقمة اجتماعيا واقتصاديا ستشكل عنوانا ملحا في برنامج الحكومة او السلطة. بل يبدو ان التربص سيبقى حرفة السياسيين، بانتظار مناسبة الانقضاض على خصم هنا وصديق هناك… ورغم نجاح هذا المسار المدمر لاسس الدولة والقانون، والمهدد للاجتماع السياسي اللبناني، عبر كفاءته في استثارة العصب المذهبي والطائفي واستقطاباتهما، تاتي بعض الظواهر الاجتماعية، لتلفت الانتباه الى حجم المأساة التي يعيشها المواطنون، والمدى الذي وصل اليه الاحتقان وانفعالاتهم وردود افعالهم الى حد يتطلب النظر والتمحيص بكل تلك الادبيات السياسية اليومية التي تستنزف المواطن وتحوله الى كائن معلق في الفراغ، او عرضة لتداعيات اقتصادية واجتماعية، تتحكم بها ردود الفعل الى حد الانفجار.
هذا ما يشي به اكثر من مشهد او جريمة يشهدها البلد يصعب على المرء لما تنطوي عليه من صدمات، ان يفصلها عن المشهد العام في البلد الذي بات يشهد انفلات الغرائز السياسية والاجتماعية الى حدود مقلقة يصعب توقع نتائجها. وان كان يمكن تقدير مساراتها المصدعة للمجتمع، ولمنظومة القيم الانسانية والوطنية فضلا عن الدينية.
وجريمة بئر العبد التي وقعت امس الاول، لا يمكن الا التوقف عندها والتبصر باحوالنا كلبنانيين، فان يقدم غسان دلال على قتل 4 أفراد من عائلته والانتحار في منزله في الضاحية الجنوبية من دون ان تتضح الاسباب بعد، لامر يثير الى جانب الاستنكار الخوف، والقلق، مما يمكن ان يصل اليه المواطن. ودلال كان يعيش مع زوجته وأولاده الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و15 سنة، قتلهم جميعا بينما نجا ابنه الرابع بمحض الصدفة.
الجريمة اكتشفت بعد ساعات من وقوعها، وقيض لي بمحض الصدفة ان اكون على مقربة من موقع الجريمة بعد اكتشافها، ورأيت كيف ان المواطنين من ابناء المنطقة التي نكبت ودمرت في حرب تموز2006، وتعمل “وعد” على اعادتها اجمل مما كانت، يتدفقون بالمئات الى المكان، وكيف قام حزب الله باتخاذ اجراءات تنظيمية تحول دون هذا التدفق وتمنع دخول وسائل الاعلام الى مكان الجريمة الذي يقع في محيط ما يعرف بالشورى، اي حيث كان مقر قيادة الحزب وعشرات المؤسسات التابعة له.
وهذه الجريمة التي يصعب فهمها، او الاطمئنان الى اي تفسير نهائي لها، وقعت كالصاعقة التي سقطت فوق رؤوس من يعرفون هذا الرجل الذي نسب اليه انه القاتل قبل ان يقتل نفسه. فغسان دلال كما يروي احد اصدقائه المفجوع بما جرى، انه لم يكن يعاني من اعراض نفسية، او كان ممن يتجنبه الناس، بل كان صاحب صفات حميدة واخلاق جيدة واتزام ديني. كما انه وهو في مقتبل العقد الخامس، كان من الملتزمين في اطار العمل الحزبي ومن الذين شاركوا في مواجهات مع الاحتلال الاسرائيلي، وكان تعرض لاصابة طفيفة لم تمنعه استكمال نشاطه الحزبي.
لا يمكن الخوض كثيرا في حيرة يعيشها بعض من عرفوه، حيرة تقض مضاجعهم وتثقل على قدرتهم في رصد الاسباب التي ادت الى هذه الكارثة. لكن شيئا يبقى يستدرجني وسواي، ممن يثقل عليهم ان يشهدوا مثل هذه الجريمة او سواها، هو المدى الذي بات فيه الناس قادرون على استيعاب حجم هذا القلق الذي يتسرب باشكال ووجوه شتى الى سلوكيات اجتماعية، تبدو في كثير من الاحيان انعكاس لهذا المشهد الوطني العام. واذا كانت هذه الجريمة لا تعكس خصوصية منطقة دون اخرى، فان ذلك لا يمنع القول ان في بعض احياء الضاحية الجنوبية، ما يشهد على مظاهر من انفلات زائد نسبيا، انفلات عبر عن نفسه في اكثر من جريمة ادت الى سقوط قتيل هنا او هناك، ولأكثر من ذلك ما يتصل بغياب متواطىء عليه لاجهزة الدولة، ومحاولة اظهار ان الضاحية مكان يمكن ان يلوذ اليه كل شاذ وأفّاق.
لا يعني ذلك ان حزب الله يهمل هذا المشهد، بل يفرد له مساحة اهتمام، لما ينطوي عليه من نتائج سلبية، لذا عمد في وقت من الاوقات الى اطلاق حملة النظام من الايمان، وهي ان حققت بعض اهدافها، الا انها تبدو انكفأت لا لتراجع في الاهتمام، بل لادراك ان ذلك من شأن الدولة ومؤسساتها الغائبة او المغيبة.
هويوم اخر من ايام القتل العادي في لبنان. فاستسهال القتل لا يتوقف عند حدود الجريمة السياسية بل يتسرب الى المواطنين، وان في لا وعيهم. فكرة القتل باتت سهلة، حتى قتل النفس اي الانتحار. واللافت في الاشهر الاخيرة ان الاباء والامهات باتوا يقتلون اطفالهم. ثمة قتل عارم يستشري في لبنان.
“صدى البلد”
*
الجريمة كما روتها صحيفتا “السفير” و”الاخبار”
مأساة عائلية في بئر العبد: الوالد يقتل زوجته وأولاده الثلاثة؟
جعفر العطار
وقعت جريمة قتل مأساوية في منطقة بئر العبد، ظهر أمس، أودت بحياة عائلة مؤلفة من خمسة أفراد، من ضمنهم الأب والأم وثلاثة أطفال، في صورة غامضة تعددت الروايات حولها، بين فرضية أن يكون ربّ العائلة غسّان محمد دلال (مواليد 1965 ـ من بلدة الطيري) هو الذي أقدم على قتل زوجته وأطفاله الثلاثة، ثم انتحر،
وبين احتمال وقوع الجريمة بدافع السرقة من قبل مجهولين تسللوا إلى المنزل.
وأشارت مصادر أمنية لـ«السفير» إلى أن التحقيقات الأولية تفيد بأن دلال أقدم على قتل أفراد عائلته نتيجة ضائقة مالية، فيما نجا ابنه البكر محمد (17 عاماً) بسبب تواجده في المدرسة، لافتةً إلى أن دلال «ترك رسالة انتحار في المنزل، تشرح ظروف إقدامه على الجريمة، بعد أن اتصل بشقيقه ليخبره بأنه سيقتل زوجته وأولاده نتيجة ظروفه المالية القاهرة».
وأفادت المصادر الأمنية أن العائلة، المؤلفة من زوجة دلاّل نسرين عودة (مواليد 1977) وأولاده مهدي (12 عاماً) ورضوان (10 أعوام) وباقر (4 أعوام)، انتقلت إلى السكن في الشقة الواقعة في بناية «الإنماء»، والتي سُلّمت حديثاً من قبل «جهاد البناء»، منذ عشرة أيام، ولم يسكن في المبنى سوى عائلة دلال، لافتة إلى أن «الرجل أطلق النار على عائلته من رشاش «كلاشنكوف»، فيما أطلق النار على نفسه من مسدس حربي».
وقعت الجريمة قرابة الرابعة بعد الظهر، لكن الخبر عنها شاع قرابة العاشرة مساء، فتجمهر أهالي الحي في محيط مسرح الجريمة، في مشهد مربك، دلّ على صدمة كبيرة اجتاحت الأهالي، قبل وصول أقارب العائلة الذين فُجعوا بالخبر، وانتحبوا بالبكاء قرب المنزل،
الذي ضربت حوله القوى الأمنية وأفراد من «حزب الله» طوقاً أمنياً، فيما عملت سيارات اسعاف تابعة لـ«الهيئة الصحية الإسلامية» على نقل الجثث.
وتعددت روايات أبناء المنطقة، بين فرضية القتل والانتحار وبين احتمال «إقدام مجهولين على قتل العائلة، لأسباب غامضة، خصوصاً وأنهم يقطنون في مبنى مقفر» على حد قول محمود طهماز، وهو شاب مقرّب من العائلة، مستغرباً «الأحاديث التي تقول بأن غسّان يعاني من اضطرابات نفسية، أو أنه قرر قتل عائلته نتيجة ظروفه المادية».
وبدا واضحاً استغراب سكان الحي لفرضية أن يكون الأب هو القاتل، على الرغم من قلّة معرفتهم بدلال، بسبب مكوثه حديثاً في المبنى المجاور لهم، غير أن «احتكاكنا بالرجل خلال هذه المدة القصيرة رسم عندنا صورة مغايرة، خصوصاً من جهة تصرّفات زوجته الرصينة، والتي لا توحي بأنها تعيش مع زوج يعاني من اضطرابات نفسية» وفقاً لرأي فاتن منصور.
وتقول فاطمة كنعان أن شقيقها، وهو صديق دلال، اتصل بها مستهجناً الأقاويل التي تتردد، خصوصاً «خبر الرسالة النصية التي أرسلها دلال لشقيقته، والتي تفيد، كما يقول البعض، بأنه شرح فيها حيثيات الجريمة، قبل أن يردي نفسه»،
مؤكدة أن «العائلة تعاني من ضغوط مادية، لكن أن يقدم غسّان على قتل أولاده، فإنه خبر من الصعب تصديقه، بانتظار نتائج التحقيقات الرسمية».
*
قتل زوجته وأولاده الثلاثة… وانتحر
رضوان مرتضى
عشرات الأشخاص يتجمهرون قرب أحد المباني في حارة حريك. تقترب لتسأل عن السبب فيأتيك الجواب: هناك والد قتل أطفاله الثلاثة وزوجته ثم أطلق النار على رأسه منتحراً. الخبر المذكور كانت تتناقله ألسنة المتجمهرين. خلف هؤلاء، تقف أربع سيارات لإسعاف الهيئة الصحية متتالية أمام مدخل أحد المباني. تقترب أكثر من المجمّع المُشيّد حديثاً عقب حرب تموز، فترى سيّدة خمسينية لا تكاد تقوى على الوقوف، تنتحب متمتمة بكلمات فُهم منها أنها تلوم فيها نفسها لعدم زيارة أحدهم منذ مدّة. تسأل عنها فتعلم أنها شقيقة الوالد القتيل ــــ المشتبه فيه بتنفيذ الجريمة. الإجراءات الأمنية كانت مشددة، لم يُسمح لأحد بالاقتراب من مدخل المبنى الذي وقعت فيه الجريمة. وُضع شريطٌ أصفر ووقف أمامه رجال انضباط من حزب الله. تجول ببصرك في المبنى المذكور فتلحظ أنه لا يزال غير مأهولٍ بالسكان ما عدا الطبقة الخامسة منه. هناك تتمدد خمس جثث مضرّجة بدمائها. ينتشر بالقرب منها عناصر القوى الأمنية والأدلة الجنائية لتحديد ملابسات الجريمة. أما في الأسفل، فجموع المحتشدين تتناقل روايات كثيرة عن حيثيات الجريمة ووضعيات الجثث في الشقة. يذكر أحد أقارب الضحايا لـ«الأخبار» أن رب العائلة، غسان دلال، بعث برسالة هاتفية لشقيقه حسين يُخبره فيها أنه سيقتل أفراد عائلته قبل أن يقتل نفسه. لم يكترث الشقيق في البداية ظنّاً منه أنها مزاجية شقيقه المعتادة. لكنه ارتاب في الأمر، فقرر أن يقصد منزل شقيقه. وصل حسين ليجد أحد أبناء شقيقه البالغ من العمر 14 عاماً أسفل المبنى. سأله عن والده فأجابه بأنه لا يعرف مكانه لكنه أخبره أن الأخير كان قد اتّصل به في المدرسة طالباً إليه الحضور عند الساعة الواحدة
شاهد أبناء شقيقه قتلى غارقين بدمائهم ورأى شقيقه غسان مرمياً على ظهره
بقي من العائلة فتى في الرابعة عشرة من عمره كان في المدرسة عند وقوع الجريمة
والنصف. كانت الساعة تقارب الرابعة من بعد الظهر. سأله لماذا لست في المنزل، فأخبره بأنه طرق الباب كثيراً، لكن لم يفتح أحد له. زاد ارتياب الشقيق حسين، فصعد ليحاول دخول منزل شقيقه من دون جدوى، عندها حطم باب المنزل فصُدم لهول ما رأى. يذكر القريب أن حسين شاهد أبناء شقيقه قتلى غارقين بدمائهم، ورأى شقيقه غسان مرمياً على ظهره والدماء تغطي وجهه. تمالك حسين نفسه قبل أن يتّصل بأقاربه وبالشرطة. الروايات المسوقة كثيرة. يذكر أحد الذين كانوا ينتظرون أسفل المبنى أن غسان ارتكب جريمته بمسدس حربي عيار 5.5 ملم. ويُشير الشاب المذكور إلى أن غسان أطلق رصاصة على رأس زوجته فيما زرع أربع رصاصات في رأس طفله الصغير. أما الطفل والطفلة الآخران فقد قُتل كل منهما برصاصتين.
أجواء الحديث عن دوافع الجريمة كانت تسيطر على المكان، لكن خروج أحد العسكريين من المبنى حاملاً كيساً من الورق قطع الحديث المتداول عن أن رب العائلة كان مصاباً بمرض عصبي، ويتناول أدوية مهدئة دائماً، إذ تبيّن أن ما كان يُخفيه ذلك الكيس هو بندقية حربية كانت في المنزل الذي وقعت فيه الجريمة. تمرّ لحظات فينقطع التيّار الكهربائي. إنها الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل.
مرّ نحو عشر ساعات على حصول الجريمة، لكن الجثث كانت لا تزال في الشقة. انتشر عناصر الانضباط ليطلبوا من الجميع المغادرة، فاستجاب المواطنون. نزل رجل دين من المبنى. كان يمسح وجهه بكمّه ويسحب قدميه على الأرض بصعوبة. تسأل، فتعرف أنه شقيق الزوجة القتيلة نسرين عودة.