كان اليومان الماضيان استثنائيين بالنسبة للبنانيين، وانا منهم، لجهة انقطاع التيار الكهربائي والبدائل المتوفرة،. الانقطاع زاد عن حدّه حيث اقيم في الضاحية الجنوبية، وكنت آتيا من بلدتي الجنوبية محملا باثقال ازمة الكهرباء التي كادت تؤدي الى حريق في المنزل بسبب ضعف الطاقة، علما انها شبه غائبة في تلك المناطق الطرفية، الا بشكل متقطع وخجول ولساعات لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة.
حالتي ليست استثنائية! وانا في الطريق من الجنوب الى بيروت، فرحت بأن هناك من يقطع الطريق بالاطارات المشتعلة احتجاجا! لم يكن هذه المرة الانتظار مزعجا بالنسبة الي، كنت اشعر مع هؤلاء الذين خرجوا وعبروا عن احتجاجهم بهذه الطريقة او بأي اسلوب آخر. كان السواد الذي يملأ الفضاء هدية لي لم ارَ ما يزعجني بل كنت معجبا بهذا الاحتجاج الاسود الذي ينفث سمومه.
بعد ذلك كتبت على شبكة التواصل الاجتماعي”فيس بوك” : في ادبيات الوحدة الوطنية ان الصواب هو ما اجمع عليه اللبنانيون والخطأ في ما اختلفوا حوله… وسألت “هل يمكن ان تكون طريق استعادة التيار الكهربائي المسلوب طريقاً عملية لبلورة اجماع وطني حول قضية تمس مباشرة كل مواطن لبناني؟ واضفت: “الكهرباء في قناعتي اليوم هي اهم قضية وطنية نواجهها… فهل من يبادر الى اطلاق تيار الكهرباء الوطني في لبنان؟”
التيار الكهربائي مقطوع عن نص “بلد النور” (اذا مش اكتر)، فهل يمكن لسلطة عاجزة عن معالجة هذه الازمة قادرة على ان تعالج اي ازمة؟ ما يثير الدهشة هو اننا كمواطنين نُهان يوميا بهذا التيار المخزي عبر انتهاك حقوق بديهية منها حقنا بالطاقة الكهربائية… والاهانة جماعية من قبل السلطة بكل تشكيلاتها الموالية والمعارضة.. بالمفرد من القوى والجمع كحكومة. وما يزيد من الحنق انك تجد مسؤولا لبنانيا في الحكومة او في السلطة عموما يخاطبنا بكل قضايا العالم ويزبد ويرعد وربما يخجل من ان يتناول ازمة الكهرباء.
التيار الكهربائي اليوم يختصر اكثر من اي قضية اخرى، الكرامة الوطنية، اي كرامة كل مواطن لبناني. هي اولوية تتقدم كل الشعارات التي تساق الناس بها عبر غرائزها الطائفية والمذهبية. لست من المعجبين بوزير الطاقة، ولكنني ارفض ان يحمل المسؤولية وان كان يتحمل حصته منها. انا كمواطن لبناني احمّل كل من يشارك في القرار المسؤولية عن اهانة اللبنانيين يوميا ومستعد لتصديق كل ما يقال عن صراع على سمسرات وعن سرقات تمت، واخرى يتربص بها بعض السياسيين في مشاريع الكهرباء النائمة على الورق، واجزم ان آخرين يراقبون هذه السرقات لابتزاز اصحابها بموقف سياسي هنا او هناك.
الكهرباء اهم من طوائفنا او الشماعة التي يتم عبرها انتهاكنا كمواطنين، التيار الوطني الكهربائي فرصتنا المتاحة، لاثبات ان الشعب اللبناني لا يستهين بكرامته الوطنية.
اعجبني احد الاصدقاء معلقا على ما ورد، “ان البعض منا يقول انني اعيش بلا ماء ولا كهرباء ولا طرقات ولكن ارفض ان اعيش بلا كرامة”… قال صديقي معلقا “هل يبقى بعد سلبنا هذه الحقوق البديهية، من كرامة يمكن ان نعيش من اجلها؟”
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد