كلما اعتقد بعضنا ان الازمة في الكويت على طريق الحل، اذا بها تزداد تعقيدا، اذ لازلنا في اجواء من التحدي المتبادل، والتهديد المتبادل بين المجلس والحكومة، فالنواب يتهمون الحكومة والحكومة ترد على النواب، وفي النهاية يتضح ان الشعب بدفع الثمن على مراحل واقساط. مشكلة الكويت لا هي في المجلس ولا هي في الحكومة بل في الاثنين وربما في النخبة السياسية برمتها. فهناك تدهور وسير بطيئ باتجاه جمود ومخاسر لا تحمد نتائجها و وباتجاه مستقبل يزداد غموضا. إن استمرار التدهور الراهن سوف يترجم الى ضياع شامل للبلاد، وهذا لن يتحول لمزيد من المكاسب الديمقراطية، فهناك تناقض كبير بين الفوضى والديمقراطية. أن الوضع الراهن بحاجة لوقفة جادة ولرؤية مسؤولة ولحديث مباشر يتميز بالصدق والشفافية بين جميع النخب والقادة السياسين اكانوا في السلطة التنفيذية ام التشريعية وذلك للوصول لصيغة تقي الكويت التدهور المستمر.
هناك فرضيات تتحكم بالصراع الراهن ينطلق منها عدد من اعضاء مجلس الامة. فهناك فرضية ان كل مسؤول حكومي وكل عقد اقتصادي حكومي هو مشروع للفساد. وهناك فرضية تعتبر ان كل استجواب و تساؤل سوف يصب حتما في تعميق الديمقراطية في الكويت. كلا التصورين خاطئين. فالعمل الحكومي لا يمكن ان ينجح في اطار الاتهام الدائم حول كل عقد وكل عمل وكل موقف الا اذا اردنا ان نفقد جميع الفرص ونغلق البلاد على نفسها. هذا سوف يعني عمليا تجميد جميع المشاريع.
من جهة اخرى ان اعتبار الاستجواب سلاح الديمقراطية الوحيد هو الاخر ليس في مكانه. فالاستجواب يتم على قضايا هامة وغير هامة بعضها يبدو ضروري وبعضها غير ضروري. فلماذا هذا الاستعجال في خلق حالة فوضى وجمود؟ ورغم ان الاستجوابات تنطلق من ايمان بأنها ترفع السقف وتؤدي للارتقاء في العمل الديمقراطي في الكويت ، ولكن بعض الاستجوابات يتم هو الاخر لتسجيل النقاط وبناء النجومية، وهذا بطبيعة الحال يتم على حساب مستقبل البلاد.
هناك بالتالي عدم تعامل مع نتائج الازمة في الكويت: فهي تؤدي كل يوم لتعميق الاحباط في المجتمع في ظل الشعور بأن البلاد تغرق في شبر من الماء، وهذا بدوره يؤدي لابتعاد الناس عن السياسة والشأن المحلي وذلك من شدة الملل من تكرار هذا الوضع. هناك الكثير من الطحن ولكن بلا منتوج. فالديمقراطية تتناقض وخلق اجواء شخصانية وتتناقض مع استخدام وسائل تبدو ديمقراطية ولكنها في الجوهر غير ديمقراطية وتؤدي الى صراع نتائجه سلبية. ان السعي لعلاج مريض يجب ان يكون من الدقه بأن لا يؤدي الدواء لقتل المريض المراد انقاذه. هذا الامر يثير مسألة الوسيلة والنتيجة. فهناك تناقض في الواقع السياسي بين النتيجة التي يسعى النواب او بعضهم لتحقيقها وبين الوسيلة المستخدمة.
ان صلاحيات النواب في الاستجواب هي صلاحيات دستورية، لكن هذا لا يشترط ان تستخدم كل صباح ومساء، فهذه الاسلحة الثقيلة يجب ان لا تستخدم الا في ظل رؤية للنتيجة والمستقبل والا تحولت لوبال علينا. حتى الان مرت الكويت بعدد كبير من الاستجوابات والتهديد بالاستجوابات في ظل محدودية النتيجة. يجب ان نعيد النظر ونغير الوسيلة. ان احد مبادئ الديمقراطية هو الوعي بأهمية الاتفاق والمساومة والحلول الوسط والمسؤولية السياسية تجاه المجتمع ومراحل التغير والنتائج.
لهذا فنحن اليوم نعيش مع مأزق لا نعرف كيف نخرج منه. وهذا يحد من المقدرة على التعامل مع القضايا الخارجية والداخلية الاساسية التي لم ننجح في علاجها والتصدي لها حتى الان ومنذ التسعينات.
ان البرنامج الحكومي القادم لن يوقف التدهور، سيظل الوضع متأزما الى ان تصل الاطراف الاساسية الى تصور والى رؤية وهدف للمستقبل. بلا بناء رؤية جديدة تتضمن اتفاق حضاري بين اقطاب السياسة في الكويت ستستمر حالة التدهور نحو المجهول.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت