إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
” الاستثمارات الضخمة للدول النفطية في الأنشطة الثقافية والسياحية والرياضية لا ترتبط فقط باستراتيجية التنويع الاقتصادي، كما يشرح أستاذ العلوم السياسية” ألكسندر كازيروني” في مقابلة مع جريدة “لوموند” الفرنسية.
أجرت المقابلة “برونا باسيني”().
بِمَ تتميز القوة الناعمة لدول الخليج؟
مفهوم القوة الناعمة، الذي ابتكره “جوزيف ناي” لوصف انتصار أيديولوجي دون قَسرٍ مادي ودون توزيع أموال، أصبح مفهومًا شاملًا يُدرج الناس تحته ما هبَ ودب. لكن المشاريع الفنية والرياضية والتعليمية التي تندرج تحت هذا المسمى من قبل دل الخليج ليست كذلك. فالواقع أن تلك المشاريع هي منصات لتوزيع الأموال أنشأتها العائلات الحاكمة لصالح مقدمي خدمات ينتمون في الغالب إلى ثلاث دول: فرنسا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة. إن القوة الناعمة لدول الخليج هي في الواقع “قوة صلبة” اقتصادية قائمة على علاقات زبائنية.
لماذا هذه الدول الثلاث؟
أولاً لأسباب دفاعية. تتشارك الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا في القدرة العسكرية، والقنبلة الذرية، وعضوية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. منذ خمسينيات القرن الماضي، كان المحيط المباشر للدول الخليجية محكومًا بانقلابات عسكرية في مصر والعراق، من دون أن تختار تلك الدول الخليجية تطوير قواتها المسلحة الخاصة. فقد فضّلت تفويض دفاعها إلى هذه القوى الأجنبية الثلاث، خاصة بعد حرب الخليج عام 1991، حيث سمح لها تحالفها بطرد القوات العراقية من الكويت. منذ ذلك الحين، تضاعفت مشتريات الأسلحة وتعددت القواعد العسكرية للبلدان الثلاثة على الضفة الجنوبية للخليج. الزبائنية الحالية تتقاطع مع هذا النوع من الإرتزاق العسكري.
هل هذه الديناميكية هي نفسها في قطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية؟
تتميز المملكة العربية السعودية عن جيرانها بمساحتها ووزنها السكاني. وقد أنشأت منذ وقت طويل قوة ناعمة حقيقية تستند إلى رؤيتها للإسلام: أي “السلفية”. هذا التيار الديني تم ترويجه من قبل العائلة الحاكمة السعودية في جميع أنحاء العالم منذ الخمسينيات. وتظهر قوته اليوم من خلال ممارسات شعبية مثل اللباس أو الطعام. العباءة والنقاب هما بالنسبة لهذه القوة الناعمة ما تمثله الأحذية الرياضية (“الباسكيت”) و”الكاسكيت” للقوة الناعمة الأمريكية.
ألم تؤسس قطر هي الأخرى قوة ناعمة حينما نصبت نفسها مدافعةً عن جماعة الإخوان المسلمين؟
كانت “قناة الجزيرة” الفضائية في قطر منبراً إعلاميًا أساسيًا لجماعة الإخوان المسلمين. لكن قوتها لم تكن بنفس مستوى القوة التي اكتسبتها المملكة العربية السعودية من خلال تصدير “السلفية”. فلكي تفهم “قناة الجزيرة”، يجب أن تكون ناطقاً بالعربية. أما قناتها باللغة الإنجليزية، التي أُطلقت في 2006، فلا تنقل نفس المحتوى. فهي تستهدف في الغالب جمهورًا دوليًا، له رؤية للعالم مناهضة للاستعمار كما تُمارس في الجامعات الأمريكية.
هل هذه المبادرات تشكل حقًا استراتيجية لتنويع الاقتصاد؟
تلك هي السريد الرسمية لقادة شبه الجزيرة العربية ولأبرز زبائنهم في فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وهي صحيحة جزئيًا، خاصة في المملكة العربية السعودية، حيث يسعى الحاكمون إلى خلق فرص عمل لمواجهة الانفجار السكاني. لكن هناك ديناميكيات أخرى مؤثرة بالصلة مع جميع هذه المشاريع. فهي مثلاً تسمح للحكام بتجاوز جدار “السُلطوية”. إن متحف اللوفر أو جامعة السوربون في أبوظبي، والجامعات الأمريكية في الدوحة، وكأس العالم في قطر، والمعرض الدولي في الإمارات العربية المتحدة هي لحظات وأماكن أتاحت تلاقي القِيَم بين “الأنظمة السُلطوية” في الخليج العربي والأنظمة الديمقراطية في شمال الأطلسي.
برونا باسيني
Ecole normale supérieure ألكسندر كازيروني، أستاذ محاضر فيEcole ، نشر “مرآة الشيوخ: المتاحف والسياسة في إمارات الخليج الفارسي” (PUF، 2017).
Le Miroir des cheikhs. Musée et politique dans les principautés du golfe persique (PUF, 2017).