من يتابع مسار الخط البياني التعطيلي الذي يرخي بظله الثقيل على المشهد السياسي اللبناني، يجد أنه متجذر في الحياة السياسية وليس وليد اللحظة أو البارحة. هو خط طويل ومتعرّج، بدأ بشكل فعلي وواضح وأخذ منحىً تصاعدياً، خصوصاً على المستوى الرسمي، منذ أن وطأت قدما إميل لحود قصر بعبدا، وتزامن مع انتهاء مفاعيل الإتفاق الأميركي – السوري الذي أبرم غداة تحرير الكويت، والذي أطلقت بموجبه واشنطن يد دمشق في لبنان مقابل تسهيل الأخيرة عملية الغزو الأميركي لإخراج صدام من الكويت. ويشير الخط وبوضوح إلى الجهة المعطلة والفريق المعطل وهما واحد، وإن تبدلت وجوه المعطّلين وتغيّرت من وقتٍ لآخر.
التعطيل هو المطلوب، والإبتزاز هو الهدف، والمقايضة والمساومة هو ما يتوخّاه المعطّلون، وإبقاء لبنان ساحة مستباحة وساحة صراع مفتوحة وصندوقاً للبريد السريع يتمّ من خلاله إرسال رسائل سريعة إلى جميع أنحاء العالم هو بيت القصيد في موضوع التعطيل. فالشروط التعجيزية التي تضعها المعارضة في موضوع تأليف الحكومة، ليست إلا ستاراً لما هو أكبر بكثير مما هو ظاهر. فالذي يملك حق الڤيتو في الشارع ويستطيع السيطرة على الأرض ساعة يشاء وذلك بالإستناد إلى القوة العسكرية الهائلة لحزب الله، يريد أن يملك في الوقت نفسه هذا الحق في مجلس الوزراء أيضاً. وما المطالبة بالثلث الضامن إلا تأكيداً على المطالبة بضمانة التعطيل. فالڤيتو التعطيلي الذي مارسه إميل لحود طيلة فترة تولي الرئيس الحريري رئاسة الوزراء وأدّى إلى شل عمل الدولة ومؤسساتها بوجود سلطة الوصاية، عاد حلفاء دمشق ومارسوه بعد اغتيال الرئيس الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان. وذلك من خلال إلغاء مفاعيل إنتخابات العام 2005 أولاً، ومن ثم التملّص من تنفيذ مقرارات طاولة الحوار الإجماعية، وصولاً إلى عرقلة إقرار المحكمة في مجلس الوزراء عبر المقاطعة الشهيرة لجلساته ومن ثم عبر الإستقالة من المجلس نفسه وإقفال المجلس النيابي والإعتصام في وسط البلد وتعطيل مقررات باريس – 3 وإنتخابات رئاسة الجمهورية وصولاً إلى السابع من أيار الشهير وإتفاق الدوحة.
فالمعارضة في لبنان لا تشبه نظيراتها في أي بلد من بلدان العالم، خصوصاً تلك التي تعتمد النظام البرلماني ويكون فيها الشعب مصدراً للسلطات.
فإذا استعرضنا تشكيلات المعارضة وحجمها وبرنامجها وتحالفاتها فإننا نقف على مشهد مثير للجدل، خصوصاً عندما نرى أنها ضمت في صفوفها رئيس الجمهورية (إميل لحود في وقت سابق) ورئيس المجلس النيابي ووزراء ونواباً، وتمتلك عبر حزب الله الذي يشكّل عمودها الفقري منظومة صواريخ ضخمة وجيشاً مدرباً، وأجهزة أمنية تعمل في مختلف مناطق العالم إنطلاقاً من لبنان، ومربعات أمنية ومناطق نفوذ مغلقة، ومؤسسات إعلامية عديدة منها محطات تلفزيونية وصحف ومجلات ومؤسسات إقتصادية ومالية. بالإضافة إلى هيمنتها على مؤسسات رسمية أمنية وخدماتية، تشكّل جميعها مجتمعاً قائماً بحد ذاته ودولة ضمن الدولة وأكبر منها. وتمتلك عبر الحروب التي خاضها حزب الله قرار السلم والحرب وتقيم تحالفات دولية خصوصاً مع إيران التي يشكّل الحزب نفسه عصاها الغليظة وذراعها القوية في المنطقة.
والمفارقة أن المعارضة في لبنان تشارك في السلطة بكافة مؤسساتها وخصوصاً التنفيذية منها وتشارك في صياغة بيانها الوزاري وفي كل قراراتها ويبقى إسمها معارضة. لكن المشهد الأكثر غرابة ودلالة على تعبيري السلطة والمعارضة هو في فترة الإغتيالات عندما كان فريق السلطة أو الموالاة عرضة لأبشع أنواع الإغتيالات التي خسر فيها رموزاً كبيرة من رموزه، واتخذ إجراءات أمنية إستثنائية، كان فريق المعارضة ينعم بالأمن والأمان وكان مسؤولوه يتجولون في الطرقات دون خوف أو أية احتياطات أمنية.
أداء المعارضة اليوم، بدفعها ميشال عون ووضعه في مقدمة الصفوف واستعماله واجهة ووضعه شروطاً تعجيزية، يشكل ليس فقط تعطيلاً لمسيرة الحكم والدولة في لبنان، بل انقلاباً موصوفاً وبكل المقاييس لكن مع وقف التنفيذ. ففيما يحرص اللبنانيون على «عيون جبران» وسلامته تشخص عيونهم خوفاً وقلقاً على مستقبل مجهول يتسبب فيه الجنرال كرمى لعيني صهره المدلل. فإلغاء مفاعيل الإنتخابات الأخيرة عبر منع الأكثرية النيابية من أن تحكم هي تعطيل للدستور التي تجهد المعارضة دائماً في تفسير المفسّر منه. وهو تراجع صارخ عمّا طالب به الجندي في ولاية الفقيه الإيرانية، السيد حسن نصرالله، في أكثر من مناسبة سابقة وهي الإنتخابات المبكرة واحترام نتائجها والفائز فيها فليحكم و«صحتين عقلبو»!!!
إن حرص المعارضة بكل تشعباتها وارتباطاتها، وعلى رأسها حزب الله، على حُسن سير الخط البياني التعطيلي تحت عناوين برّاقة، تمارس المعارضة عكسها وهي “الشراكة”، يعكس تباينآ عميقاً حول كل القضايا، ويتعدى مسألة توزير شخص أو المطالبة بحقيبة وزارية. فالخلاف يبدأ من النظرة للبنان كوطن وكدولة، وموقعه في الصراع العربي – الإسرائيلي وعلاقاته الدولية، ونظرته إلى العالمين العربي والدولي. فحزب الله، الذي قال عبر أمينه العام أنه يستطيع أن يحكم بلداً أكبر من لبنان بمئة مرة، يحمّل لبنان واللبنانيين ما لا قدرة لهم عليه مئة مرة. فشعار «الموت لأمريكا» لا يستقيم مع «لبنان أولاً». وولاية الفقيه (بمعانيها السياسية) لا تستقيم مع الدستور اللبناني. و«يا قدس.. إننا قادمون» لا تستقيم مع «إتفاقية الهدنة» التي نصّ عليها الطائف. و«الأكثرية الشعبية» التي أعلنت المعارضة أنها ربحتها في الإنتخابات الأخيرة لا تنسجم مع الطائف أيضاً الذي أوقف تعداد الولادات بين المسلمين والمسيحيين، وجعل كل شيء بينهما مناصفة. ومطلب الحوار الذي تردده المعارضة كخبز يومي لا يستقيم بين طرفين أحدهما أكثرية لا تملك السلاح وأقلية مسلّحة حتى أسنانها. والعلاقة مع سوريا لا تستقيم بين سفير وسفارة ومجلس أعلى، وممثل المندوب السامي الخاص وئام وهّاب، السفير الممتاز فوق العادة لسوريا في لبنان، الذي يملي على رئيس الجمهورية ويهدد ويتوعّد.
إن إلغاء الخط البياني التعطيلي من خارطة الحياة السياسية اللبنانية يبدو أمراً صعباً، اليوم وغداً، نظراً لتداخل هذا الخط بخطوط الطول والعرض السياسية المتشعبة، العربية منها والدولية. فإلغاء هذا الخط يجب أن يبدأ أولاً بإلغاء مفاعيل إتفاق القاهرة الذي فُرِض على لبنان عام 1969 وشرّع العمل المسلح فيه، ودق المسمار الأول في نعش الدولة اللبنانية وحوّل لبنان منذ ذلك الوقت ساحة مفتوحة وورقة مساومة وإبتزاز. وقد ساعد في ذلك، آنذاك، تغليبُ الأحزاب اللبنانية العاملَ الفلسطيني على العامل اللبناني، كما قال أمين عام الحركة الوطنية ومنظمة العمل الشيوعي سابقاً محسن إبراهيم في ذكرى أربعين جورج حاوي، في مراجعة نقدية جريئة لتلك المرحلة.
إن استعادة الدولة لحقوقها المسلوبة منذ أكثر من أربعين عاماً لا تستقيم إلا عبر استعادتها لكامل حقوقها وعلى رأسها حق حصرية السلاح، واستعادتها واحتكارها حصراً قراري السلم والحرب والعلاقات الخارجية. ولا يستقيم عملها أيضاً إلا بانتظام عمل المؤسسات والتزام مبدأ فصل السلطات وفقاً للقانون والدستور اللذين يعتبران مرجعاً وناظماً لعلاقاتها الداخلية والخارجية. ولا يستقيم أيضاً إلا بإزالة حقوق الفيتو التي تحاصر عمل الدولة في الشارع وفي المؤسسات من الداخل والخارج، وباقتناع حزب الله بأن من يحميه ويحمي الوطن لبنان، وقبل السلاح، هو تفاهم أبنائه ووحدتهم وترتيب بيتهم الداخلي وصيانته. وغير ذلك فإن نقص المناعة التي يعاني منها الجسم اللبناني، يجعله بحاجة إلى مضادات حيوية باستمرار من عيار دوحة 1 و2 و3 وربما أكثر. والخشية أن تراكم الندوب والتشوهات التي أصابت هذا الجسم جرّاء الحالة المرضية التي تعانيها حياته السياسية سيجعله، مستقبلاً، عصياً على تقبل أي دواء.
زهير هاشم
4 تعليقات
الشروط التعجيزية: “إنقلاب” مع وقف التنفيذ..
كنت أتمنى لوان الرد على مقال الأستاذ زهير جاء على لسان أحد أفراد حزب الله وليس شيوعياً.. وأود أن أسأل armando ما هي المعطيات التاريخية والوقائع التي استند اليها ليقدم هذا التعليق وما وراء هذه اللغة الخشبية التي باسمها تمّ اغتيال مئات المناضلين الشرفاء وعلى رأسهم مقاومين من الحزب الشيوعي.. وأسأله متى سنعي أن اختلاف الآراء ووجهات النظر ليست سبباً للاختلاف لا سيما وأننا لا نتوقف عن التغني بنظامنا الديقراطي وبحرية التعبير، فكيف تصبع مقاربة علمية لوقائع تاريخية دليل تخوين وعمالة أم أننا نطلق التهم “لأنو الحكي ما عليه جمرك”؟؟؟؟؟؟…
كما واسأل القارىء الذي احترم رأيه، لماذا لبنان هو ساحة الصراع المفتوحة دائماً فيما بعض الدول التي تدعي الممانعة تجري مفاوضات مع العدو الاسرائيلي ولماذا جبهة الجولان لا تزال ساكنة منذ 40 عاماً؟ فهل كتب للبنان أن يكون بلد الحروب الدائمة؟
الشروط التعجيزية: “إنقلاب” مع وقف التنفيذ..
سلام الى الكاتب وشكرا لك لانك دكرت البعض باتفاق القاهرة اما بالنسبة للسيد armando يا اخي شو قصة الشيوعيين علمانيين والاهيين بنفس الوقت ما بتنفع
الشروط التعجيزية: “إنقلاب” مع وقف التنفيذ..
يطالعنا الكاتب الجهبذ وهو حر في مطالعته ورايه بمجموعة هائلة من المغالطات لم تعد تنطلي على احد من منفتحي العقل والمتابعون للسياسة اللبنانية…ولكن اكثر ما يلفت الانتباه هو تركيزه على سلاح المقاومة والمقاومين مع ما يحاول ان يضيفه من امور مجها الناس واصبحت وراء ظهورهم..في البداية اريد ان الفت نظر القراء انني يساري وشيوعي حتى العظم ولا علاقة تربطني بحزب الله لا عقائديا ولا مسلكيا..ايها الكاتب صاحب النظريات الشبيهة بالمعلقات في الادب الجاهلي… انت تعلم جيدا ان لبنان لا يحكم براس واحد لا الحريري لوحده يستطيع الحكم مهما حاول ان يشتري اقلاما معروضة للايجار او مقالات صفراء لا يشتم منها الا رائحة الخيانة والعمالة والحقد وتجاوز لادنى لياقات الكتابة والتعبير ولا برميه دولارات اضافية لشراء من بقي مختفيا ولم يقبض في المرات السابقة من المال السعودي الطاهر لاذكاء الحرب الاهلية وتفرقة الطوائف اللبنانية الخ..الخ… ولا المعارضة بكل اطيافها تستطيع الحكم لوحدها لان المعارضة لا تحمل الفكر الالغائي الذي يحمله ربيب القصور والغلمان وطويلي العمر الذين يحاولون تصدير ديمقراطيتهم التي اتحفت العالم الى لبنان..حضرة الكاتب المحترم..من العيب ان نتطاول على رمز كبير كالسيد حسن نصرالله وهو الذي يهابه عدوه قبل الصديق ونتكلم عن نموذج قدمه سابقا وتكلم عنه في الحكم وعن ان المقاومة لو ارادت لحكمت بلدا اكبر من لبنان بمائة مرة وهل عند احد شك بذلك؟ ان كنت لا تدري فتلك مصيبة او كنت تدري فالمصيبة اعظم ..مئات الالاف من الشباب المقاوم بين طبيب ومهندس وعالم واختصاصي وفي الوقت عينه هم مقاومون ام ان نموذج الحكم عندك ايها العزيز لايقوم الا على ذائعي الصيت كمروان حماده بطل تعقب اتصالات المقاومين وتدمير الضاحية او احمد فتفت صاحب نظرية قتال العدو بالشاي في مرجعيون ام باقي الخصيان في زمرة حريري الزمان.. كفانا مزايدات يا صديقي وتعال نقرن الدليل بالدليل وليس بالكلام المليء برائحة الحقد البعيد عن الواقع والصادر عنه روائح الريالات السعودية اللامباركة..كنت اتمنى على الكاتب ان يمر مرور الكرام بالذكرى السنوية ال27 لمجازر صبرا وشاتيلا ورائحة الدم الذي لم يجف حتى الان ام ان ابطال المجزرة اصبحوا حلفاء لرئيس تيار المستقبل..وبالتالي عفا الله عما مضى ..واصبح الهم مشتركا لدى تيار المستقبل والقوات اللبنانية وهو سلاح المقاومة فكل منهما ينام على زند الاخر كيف لا والمصير مشترك والهم واحد … ان من يعطل تشكيل الحكومة يا صديقي ليست المعارضة ابدا .. انما تمنيات السفير السعودي والاميركي وطبعا السيد الاكبر الاسرائيلي من ورائهم فاسرائيل تتحفنا كل يوم بسيل من التصريحات تصب بنفس مقالة الكاتب العزيز..من المؤسف ان تتحول ايها العزيز الى وكيل للشيطان تقول ما يقول وهو يفعل ما يريد وانت تمتدحه وللاسف انها مؤمرة كبيرة على البلد ..تذكر ايها العزيز ان سلاح حزب الله لا يهزمه ولا ينزعه الا الله ان كنت تؤمن به وتذكر كلام السيد المسيح لا تعبدوا ربين الله والمال ..اتمنى كقارىء ان اطالع مقالات عقلانية لا متطرفة تفوح منها رائحة التبعية للخارج وتقدم خدمة جلية للعدو الصهيوني الذي اصبح صديقا عزيزا جدا عند البعض واصبح العدو هو السوري والايراني والمقاومة..المال السعودي لن يدوم ولبنان لن يحكمه الا الشرفاء مهما طال الزمان لا افكار العربان الاتين من مجاهل الصحراء لتعليمنا كيف تكون الديمقراطية والحكم وتشكيل الحكومات ..على شاكلة الامير متعب بن نسوان.. لكن سنصل الى زمن يشير به الشعب اللبناني الى شخصين بالاصابع ويقول هذا مقاوم وذاك عميل ….. كفىتامر ارجوكم على لبنان واهله………
الشروط التعجيزية: “إنقلاب” مع وقف التنفيذ..
البعث نظام علماني عروبي، هذا هو المعلن من هويته فيما المضمر، هو طائفي علوي مغطاة.يلف الجميع عباءة ضخمة من الحديث الغزير عن العروبة والمقاومة والوطنية. إيران، من قبل الخميني اشتغلت على الموضوع الطائفي المليشي التعطيل المنهجي المستمر من قبل الحزب الإلهي الأصفر وغزوات الاعتصام والخيام واجتياح بيروت لحزب الله الطائفي الخميني وتابعه حركة أمل, ان الخاسر في هذا الضجيج الطائفي كله، هو الصوت المدني ومنطق الدولة الحديثة.