التاريخ السويسري لـ”القانون الدولي الإنساني”

2
إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...

باستثناء “الشفّاف”، لم يُسجِّل أي موقع عربي أن خطف الرهائن، سواءً المدنيين أو حتى العسكريين خارج الخدمة، مخالفٌ للقانون الدولي الإنساني! الموقف العربي “أعور”، إذ اقتصرَ على إدانة الوحشية الإسرائيلية المُدانة طبعاً، وخصوصاً قصف المستشفيات والمدارس وغيرها. وكانت حرب غزة الراهنة مناسبة لـ”إبداعٍ لا إنساني” تميَّز به القائد الحماسي “موسى أبو مرزوق” الذي أعلن أن “الأنفاق في غزة بنيت لحماية مقاتلي حماس وليس المدنيين. حماية المدنيين في غزة هي مسؤولية الأمم المتحدة وإسرائيل”! ومثله (حفيد يوسف ستالين) رئيس تحرير جريدة إيرانية التمويل تصدر في بيروت، أعلن في مقابلة تلفزيونية أن في غزة “5000 إمرأة حامل” في معرض تعليقه على سقوط 5000 قتيل فلسطيني في غزة!

لِحُسن حظ البشرية أن السويسريين “عقلهم زغير”، ويهتمون بمصير الأسرى والجنود المصابين والمدنيين منذ منتصف القرن 19. تحية لهم، ولمدينة  “جنيف” العظيمة. وهذه مناسبة لتوجيه التحية للمحامي أنور البُنّي الذي اعتاد “الشفاف” أن يستشيره في كل ما يتعلق بقوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني”.

*

 

أحيت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949،  الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتوقيعها، يوم أمس الاثنين. بهذه المناسبة، تسلّط سويس إنفو الضوء على ست شخصيات سويسرية نشطت في مجال القانون الدولي الإنساني بين 1864 و2024.

 

تشكّل اتفاقيات جنيف الأربع، الموقّعة في المدينة السويسرية في 12 أغسطس 1949، أساس القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضًا باسم قانون الحرب، الذي يهدف إلى الحفاظ على الإنسانية، حتى في أسوأ لحظات الحرب.

وتحمي هذه الاتفاقيات الأطراف غير المشاركة في الحرب، والهيئات الطبية،  والجرحى، وضحايا الأسر. وقد صادقت عليها دول العالم جميعها. وتعدّ سويسرا هي الدولة المودعة لها.

 

قد تبدو الالتزامات الناجمة عن اتفاقيات جنيف مثيرة للاستخفاف، لتواتر تجاهلها، من أوكرانيا، إلى ميانمار، مروراً بغزة، وسوريا. ولكن تشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر  إلى إنقاذها ملايين الأرواح، وتسهيلها عودة السلام، من خلال التخفيف من معاناة الحرب.

وقد عملت العديد من الشخصيات السويسرية البارزة، على تطوير اتفاقيات جنيف والدفاع عنها، على مرّ السنين. وفي ما يلي نبذة عن ستّ منها.

 

الأبوان المؤسّسان: هنري دونان (1828-1910) وغوستاف موينييه (1826-1910)

في 17 فبراير 1863، قام خمسة من سكان جنيف (غوستاف موينييه، لويس أبيا، غيوم هنري دوفور، هنري دونان، وتيودور مونوار) بتشكيل لجنة، أصبحت فيما بعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
في 17 فبراير 1863، قام خمسة من سكان جنيف (غوستاف موينييه، لويس أبيا، غيوم هنري دوفور، هنري دونان، وتيودور مونوار) بتشكيل لجنة، أصبحت فيما بعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر. 

 

ينحدر هنري دونان رجل الأعمال من جنيف، من عائلة متديّنة. وقد شهد خلال رحلة عمل إلى شمال إيطاليا، أهوال معركة سولفرينو، في 24 يونيو 1859. فتطوّع للمساعدة، في مواجهة معاناة حوالي 40,000 جندي جريح، وتنظيم جهود الإغاثة مع السكان المحليين.

ونشر دونان بعد ثلاث سنوات من عودته إلى جنيف،  كتاب “تذكار سولفرينو”، الذي دعا فيه إلى إبرام اتفاقية دولية، تضمن حماية ضحايا النزاعات. كما دعا إلى إنشاء جمعيات مساعدة متبادلة، مستعدة لتوفير الرعاية لجرحى الحرب. ومثّلت هاتان الفكرتان ثورة في ذلك الوقت. وقد أدت الأولى إلى ظهور اتفاقيات جنيف، فيما أدّت الثانية إلى نشأة حركة الصليب الأحمر.

ورغم عودة الفكرة الأصليّة إلى هنري دونان، فإنّها ما كانت لتتحقّق عمليا، لولا مساهمة شخص آخر من جنيف، هو المحامي غوستاف موانييه، الذي تكرّست اتفاقية جنيف لعام 1864، بفضل موهبته القانونيّة وروحه العمليّة، بعد عام واحد من ولادة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الرائدة.

وقد توجّه هو بذاته، إلى المحاكم الأوروبية قبل التوقيع على هذه المعاهدة الأولى، التي تضع الحدود، والقواعد الواجب احترامها في حال الحرب. وقد شملت حماية الهيئات الطبية، ومعاملة الجرحى بكرامة.

ثمّ أصبح غوستاف موانييه أول رئيس للجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، بينما تقاعد هنري دونان الذي أفلست تجارته، في قرية صغيرة بكانتون أبنزل.

 

ماكس بيتيبيير (1899-1994): مستشار فدرالي ملتزم بالمساعدات الإنسانية

المستشار الفدرالي ماكس بيتيبيير (على اليمين) يعرض على كبير مندوبي الاتحاد السوفيتي، الجنرال نيكولاي سلاوين (في الوسط)، مكان توقيع اتفاقيات جنيف، في 12 أغسطس 1949.
المستشار الفدرالي ماكس بيتيبيير (على اليمين) يعرض على كبير مندوبي الاتحاد السوفيتي، الجنرال نيكولاي سلاوين (في الوسط)، مكان توقيع اتفاقيات جنيف، في 12 أغسطس 1949. 

 

أصبح ماكس بيتيبيير، أستاذ القانون، والمحامي من نوشاتيل، مستشارًا فدراليًا للشؤون الخارجية عام 1945، قبل أشهر قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد توضّحت في أعقاب الصراع، ضرورة تحديث القانون الدولي، وتعزيزه لتجنب تكرار أهوال تلك الحرب.

ودعا ماكس بيتيبيير  بعد أربع سنوات، إلى عقد مؤتمر دولي في جنيف، وترأسه. فكانت اتفاقيّات جنيف الأربع لعام 1949، الحامية لحقوق الأطراف غير المشاركة في الحرب على وجه الخصوص.

وقضى 16 عاماً في الحكومة السويسرية. وقد عُرف بتأثيره في تطوير سياسة الحياد النشط، التي أفادت العالم، وجعلت جنيف “عاصمة السلام”.

جان بيكتيت (1914-2002): أبو القانون الإنساني المعاصر

جان بيكتيه (الثاني من اليمين) محاطاً بممثلين.ات عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة والاتحاد السويسري في 12 أغسطس 1999، في الذكرى الخمسين لاتفاقيات جنيف.
جان بيكتيه (الثاني من اليمين) محاطاً بممثلين.ات عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة والاتحاد السويسري في 12 أغسطس 1999، في الذكرى الخمسين لاتفاقيات جنيف. 

 

لعب جان سيمون بيكتيت، بصفته الساعد الأيمن لماكس هوبر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، دوراً رئيسياً في تطوير القانون الدولي الإنساني وتجديده، وقد تضرّرت سمعته كثيرا آنذاك. واضطلع المحامي أصيل جنيف في فترة ما بعد الحرب، بالأعمال التحضيرية المؤدّية إلى اعتماد اتفاقيات جنيف لعام 1949.

كما انخرط جان بيكتيت، بالإضافة إلى مشاركته في صياغة هذه النصوص التاريخية، في التفاوض على البروتوكولات الإضافية التي اعتمدت عام 1977. وقد أكسبته جهوده، ومساهمته في المبادئ الأساسية للصليب الأحمر؛ من إنسانية، ونزاهة، وحياد، واستقلال، لقب “أبو القانون الدولي الإنساني المعاصر”.

وشغل جان بيكتيت خلال مسيرته المهنية الطويلة مع اللجنة الدولية، منصبَيْ المدير العام، ونائب رئيس اللجنة.

إليزابيث ديكري وارنر (1953- ): مؤسِّسة نداء جنيف

رشحت جمعية "1000 امرأة لجائزة نوبل للسلام لعام 2005" خمس نساء سويسريات، من بينهن إليزابيث ديكري وارنر (على اليمين) في حدث أقيم في برن عام 2005.
رشحت جمعية “1000 امرأة لجائزة نوبل للسلام لعام 2005” خمس نساء سويسريات، من بينهن إليزابيث ديكري وارنر (على اليمين) في حدث أقيم في برن عام 2005. 

 

تدربت إليزابيث ديكري وارنر، عضوة مجلس الكانتون في جنيف، كأخصائيّة علاج طبيعي، وناضلت لسنوات من أجل فرض حظر على الألغام المضادة للأفراد. ولكنّها أدركت عند توقيع معاهدة دولية لحظرها في أوتاوا، عام 1977، أن لا فائدة ترجى من المعاهدة، حين تزرع الجماعات المسلّحة هذا النوع من الأجهزة، لا الدول.

فقررت ديكري وارنر تأسيس منظمة “نداء جنيف”، المنظّمة غير الحكوميّة التي تتواصل منذ عام 2000، مع الجماعات المسلّحة لتوعيتها، وتعليمها قوانين الحرب، في مهمة مكمّلة لمهمة اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وقد جابت إليزابيث ديكري وارنر، على مدى أكثر من خمسة عشر عامًا على رأس هذه المنظمة، العالم من كولومبيا إلى سوريا، محاولة إقناع الجماعات المتمرّدة التي تصفها العديد من الدول بالإرهابية، بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني.

وقد صرّحت السويسرية لصحيفة لوتونرابط خارجي عام 2016، قائلة: “لن يتغيّر العالم إن اكتفينا بالتواصل مع الأخيار، فلن يغيره  ذلك”. وقد حصلت ديكري وارنر على جوائز عدّة، منها وسام جوقة الشرف عام 2023، وجائزة مؤسسة من أجل جنيف عام 2016.

 

ميريانا سبولياريتش إيغر (1972- ): أول امرأة تتولى رئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر

ميريانا سبولياريتش إيجر في مؤتمر صحفي، في جنيف عام 2023.
ميريانا سبولياريتش إيجر في مؤتمر صحفي، في جنيف عام 2023. Keystone / Salvatore Di Nolfi

 

تعدّ ميريانا سبولياريتش إيغر، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ أكتوبر من عام 2022، أول امرأة تتولىّ هذا المنصب، في منظمة يبلغ عمرها 160 عامًا.

لم يكن الأمر هيّنا على سبولياريتش إيغر، خلال العامين الأوّلين من رئاستها للجنة الدوليّة للصليب الأحمر، الفترة التي تميّزت  بالحروب في أوكرانيا، والسودان، وغزّة. فقد كان عليها أن تدافع عن حيادية هذه اللجنة، ودورها الذي يساء فهمه باستمرار، في مواجهة الانتقادات، لا سيما من الحكومتين الأوكرانية والإسرائيلية. وقد اضطرّت الرئيسة العام الماضي، إلى تقليص حجم المنظمة التي تواجه أزمة ماليّة غير مسبوقة، بعد سنوات من التوسّع.

تحرير: إيموجين فولكس

ترجمة: أمل المكي

تدقيق لغوي: لمياء الواد

 

إقرأ أيضاً:

ما هي؟: “جرائم الحرب”، أو صعوبة تنظيم النزاعات المسلحة

معركتنا القانونية في ميزان محكمة العدل الدولية

ما هي؟: “جرائم الحرب”، أو صعوبة تنظيم النزاعات المسلحة

 

اترك رد

2 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
سامي البحيري
سامي البحيري
1 شهر

كثير من العرب رقصوا عندما علموا بسقوط مباني مركز التجارة العالمي في نيويورك
ومعظمهم رقصوا يوم ٧ اكتوبر ولم يهمهم خطف ام تحمل رضيع عمرك اشهر وفتاه عمرها ٤ سنوات مع أمها

الوحيد الذي يماثل حماس وما على شاكلتها هو نيتنياهو وفرقته الاجرامية

منصور هايل
منصور هايل
1 شهر

مساء الانوار، لشفّاف السبق ولشفَاف ينبغي أن تُرفع القبعات، فهو شفاف بحق وجدارة

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading