(صورة المقال: لاحظ الاذرع المضمومة بقوة للصدر وتعنى فى لغة الجسد رفض سماع الاخر أو الحوار معه)
*
لم تبدأ الصدامات العنيفة فى بنغازي يوم السبت الماضى 8 يونيو، بل بدأت يوم صدر قرار المجلس الوطني الانتقالي بتعيين “الحبر الاعظم” مفتيا للديار. وبدأ منذ تسلم منصبه ببث الفتنة بين الليبيين، فعمل علي تقسيمهم وبدأ باعتبار الأمازيغ “خوارج “،وأخرجهم من “أهل السنة والجماعة “– لانهم الطرف الضعيف – ثم قسم بقية الليبيين إلى مسلمين وكفار المسلمون من اتبعوا هواه والكفار من عارضوه أو لم يقبلوا بأفكاره وما يراه.
و”الحبر” شخصية تثير الاعجاب لما يتمتع به بمواهب عديدة يندر أن تجتمع فى شخص واحد فهو مراسل صحافي ناجح غطى أخبار إضراب الطلبة وناقش المضربين وأعجب بمقالاتهم وعاد إلى منزله( فنام قرير العين) برغم أنه كان يستطيع الذهاب إلى الجنوب أو إلى بنغازي لتغطية أحداث أهم. وهو خبير استراتيجي وخبير فى التنظيم والادارة وأستاذ فى الاقتصاد وأستاذ فى الشريعة وفى أوقات الفراغ يمارس هواية الافتاء.
ولا يكتفى بهذا بل يرى أنه ضمير الامة يستشف مطالبها ويعبر عن أحلامها ويدافع عن حقوقها وفى الوقت ذاته أمير الثوار وشيخهم الذى ينصاعون لأمره ويخضعون لمشيئته بمعنى أنه يملك قوة السلاح وقوة المنطق وحب الشعب لشخصه الكريم وها هو الرسول بعث من جديد.
وبناء على ما سبق، أرسل إلى المؤتمر الوطني العام – من باب التناصح – وثيقة من عشرة بنود – نسخة مرفقة – ينبهه فيها إلى أخطاءه ويشرح له ما ينبغي أن يقوم به ويهاجم الحكومة – لانها الطرف الضعيف – وكيف أنها تتجاوز شرعية المؤتمر وتتغول على سلطته وتقوم بتصرفات خفية لا تطلعه عليها ويسمى كل هذا نصحا ولا يسميه فتنة.
وبعد أن يبدأ بشكرهم على قانون العزل الذى (لاقى استحسان جميع الليبيين) ينبههم إلى الأخطاء الجسيمة التي ارتكبوها بتراخيهم فى الدفاع عن الدين والاهمال فى إدارة الدولة ثم يحدد مهامهم ويرسم لهم خارطة الطريق. ويبدأ بتحديد القرارات التي ينبغي على المؤتمر اتخاذها واعتماد القوانين الصارمة التي تعاقب بأشد عقوبة كل من يخالف أوامر الدين ونواهيه فى صورتها الوهابية لان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران ثم يتجاوز التنبيه إلى التهديد بأن الثوار هم القوة الوحيدة على الارض وأنهم لن يضعوا أسلحتهم ألا بعد أن يتأكدوا أن الدولة الليبية دولة دينية صرفة يسود في مدارسها التعليم الشرعي ويكون مركز السلطة فى كل إدارة مستشار شرعي كلمته سيف على رقاب العاملين. ثم ينبههم إلى السرقات والرشوة فى قطاع الجرحى وعقود وزارة الدفاع والفساد المستشري فيها ويعترض على سياسة إرسال الطلبة للدراسة بالخارج. وهاجم القضاة – لانهم طرف ضعيف – وحرض ضدهم ثم تناول قضية وزارة الاوقاف وتساءل وبراءة الاطفال فى عينيه عن سبب بقاء منصب الوزير شاغرا!
ثم يتطرق إلى صلب الموضوع ومكمن الحرج الحقيقي له وهى (ما يسمى بالحرية) ومشكلة الاعلام بالضرورة. ويطالب بعقوبة رادعة لكل من تعدى على العلماء ويتهم الكتاب الذين يكتبون ما لا يروق له بالتعدي على ذات الباري
ويعود ليصب حقده الاكبر على الحكومة ويسوق في حقها اتهامات باطلة يعجز عن إثباتها، ثم يخص وزارة الخارجية باهتمام زائد ويتهمها بالاستعلاء على هيئة النزاهة. ويحتج على تأخرها فى الاعتراف بجمهورية كوسوفو الاسلامية كما يسميها.
والخلاصة أنه هاجم فى بيانه مؤسسات الدولة الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية واختار فى وضوح شديد الاستقواء بحاملي السلاح – الطرف القوى- ولو كانوا خارجين عن سلطة ولى الامر.
إنه يخطئ حين يخاطب المؤتمر الوطني العام باسم الشعب لأن المؤتمر هيئة منتخبة من جماهير الشعب وأعضاءه هم ممثلوه الحقيقيون ولم تكلفه الجماهير لا تصريحا ولا تلميحا التعبير للمؤتمر عن امتنانها لقانون ولا بانتقاد سياسة ولا باتخاذ قرار. ولم يمنحه أحد من الليبيين الحق فى الكلام باسمه بل إن جماهيرا غفيرة تتمنى لو تركها وشأنها وكف عن التدخل فى شؤنها. ولو كلف مكتبا من مكاتب قياس الرأي بقياس شعبيته لفاجأوه بالقول اليقين ولصدمته النتيجة.
والمؤتمر هيئة سياسية هدفها خدمة الشعب الليبي وليس خدمة المسلمين! وهى هيئة مدنية تسعى نحو المصلحة ولا تعمل على نشر المبادئ وتدخله فى شأنه تدخل فيما لا يعنيه والقانون الذى ينظم عمله يحظر عليه التدخل فى شئون السياسة وشئون القضاء. ولو قبل المؤتمر منه التهنئة أو النصح فعليه أن يقبل منه بعد ذلك اللوم والتقريع ولو أعطوه الحق فى توجيه سياسات المؤتمر والتدخل فى اختصاصاته فليس لهم أن يلوموا إلا أنفسهم كلما ازداد توغله فى سلطاتهم لان حقه فى توجيه النصح سيتطور إلى حق فى إصدار الاوامر.
وهو الوحيد فى هذه الدنيا الذى يتوهم أنه يتكلم باسم الشعب وباسم الله فى أن واحد وحين يردد قوله تعالى فى سورة الحجرات ( إن أكرمكم عند ألله اتقاكم ) فإنه يريد القول بما أنى أتقاكم إذا فأنا أكرمكم وحيث أنى أكرمكم لذا يجب علي أن أحكمكم وحيث أنى أكثركم علما بالشريعة فأنا أقدركم على تطبيقها وبالتالي أنا أحق بالحكم من أي شخص أخر. ومن عارضني فهو كافر يعارض شرع ألله. وهذه نظرية ولاية الفقيه الشيعية وهذا ما يصبو إليه ويسعى.
وحرصا على وقت القارئ وعلى الحيز المخصص لى فسأقتصر على تناول نقاط قليلة تكشف ما يعانيه من تخبط واستعداد للمغالطة، تتعلق الاولى بتساؤله البريء عن خلو منصب وزير الاوقاف والاصل أن الوزير المعين هو أستاذ متميز فى الشريعة لم يتمكن من استلام وظيفته لان مجموعة محسوبة على الحبر الاعظم هددته بالقتل لو عبر باب الوزارة لسبب واحد هو أن الوزير عضو فى اتحاد علماء ليبيا الذى لا يخضع لسلطات الحبر الاعظم ويعارض توجهاته ويعارض رغبته فى السيطرة على المساجد والمنابر، والحكومة لا تريد أن تمكن الحبر من ذلك..
ثم يشن هجوما ظالما على وزارة الخارجية ويتهمها بتعمد عدم الاعتراف بدولة كوسوفو المسلمة وهو هنا إما أنه يقدم حقائق مغلوطة يعلم مقدما بكذبها أو أنه يتكلم بغير علم ويفتى بما لا يفهم. وسأقرأ له المادة الاولى فى دستور دولة كوسوفو (تعريف، كوسوفو جمهورية برلمانية ودولة لجميع مواطنيها، وأن جمهورية كوسوفو هي دولة علمانية وحيادية على صعيد المعتقدات الدينية) ويا حبذا لو كان يرغب لنا أن نكون دولة مسلمة على غرار دولة كوسوفو ويا حسرة لو كانت فتاويه تقوم على هذا النهج من التسطيح وعدم المعرفة.
عليك فقط أن تلاحظ أن أتباعه هم الذين حاصروا وزارة الخارجية وعطلوا العمل بها وأنه بارك فعلهم ووصف اعتداءهم على سلطة الدولة أي ولى الامر بأنهم على حق والشيخ وحملة السلاح يجمعهما سبب واحد أهم من كونهم على الحق هو أن التوظف بالخارجية يتيح التعيين بالخارج وقبض مرتب مضاعف بالدولار أو باليورو خاصة بعد أن نعين مستشارا فى الشريعة فى كل سفارة وقنصلية ويا حبذا لو لبس وزير الخارجية الهركة ووضع عمامة وأطلق لحية.
وحين يحث المؤتمر أن يصدر القرارات الرادعة لفرض رأيه على المواطنين بحجة( أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران) فإنه يقول أنى لم أستطع أن أقنع الناس بأفكاري ولم أصمد فى النقاش الحر، لذلك ينبغي على المؤتمر فرضها على الناس بالقوة،
ولأنه لا يملك القدرة على أن يقرع القول بالقول ويواجه الحجة بالحجة فإن هاجسه هو (ما يسمى بالحرية) وعدوه هو الاعلام برغم أن الاعلام يتيح له ساعات وساعات من البث المباشر لكنه لم يحسن استغلالها وخسر المعركة لان الاعلام يتيح للآراء المختلفة فرصا متساوية وهو لا يقوى على المجابهة فيكون الحل السهل هو أن يصدر المؤتمر القرارات واللوائح التي تعطيه وحده حق الكلام وتحظر انتقاده أو الاعتراض على مقولاته وتعتبر من عارضه كافر لانهم أطلقوا ألسنتهم بالسوء على حملة العلم – يقصد نفسه – ويتهمهم بالكفر والتعدي على ذات الباري
وحين يتدخل فى أحداث بنغازي مرتديا عباءة الدين. يصير الحبر أكثر سوادا بعدما تخلى مؤقتا عن صفة ضمير الامة المدافع عن حقوق الملايين ولأنه لن يكون صادقا لو قال أن الليبيين يشكرون الميليشيات المسلحة لانها قتلت منهم العشرات وجرحت المئات فإنه إخطار أن يكون عدوا لهم يقف فى صف من قتلوهم بدم بارد ويدافع عنهم ويختلق لهم الاعذار ويطلب من أولياء الدم التسامح والصفح عن ثاراتهم.
وربما تشعر بالعجب من مواقفه المتعارضة وتعتقد أن الحبر يكيل بمكيالين لكنه يكيل بمكيال واحد هو المصلحة الشخصية والانحياز للجانب الاقوى وهى للأسف واحدة من علامات الشخصية السيكو بآتيه التي تتميز بحبها المفرط للنفس ترى أنها مركز الكون تدور الشمس من أجلها. وصولية تحتمى بالقوى وتدوس على الضعيف ولا يهمها مدى الضرر الذي يصيب الاخرين فما هم إلا أداة لتحقيق غايتها. لكنها من فرط حبها لنفسها تبتعد عن المواجهة وتتخفى وراء شخص قوى وتبتعد عن دائرة الصراع ولذلك تجده إلى جانب الطرف القوى فى كل نزاع. وهو ما يشرح موقفه فى أثناء الثورة حينما فر إلى بلاد الكفار ولم يعد إلا بعد أن ضمن أن جسد القذافي تحلل وضاع فى العدم. كان بإمكانه أن يكون مع الثوار المؤمنين فى بنغازي أو فى مصراته أو فى الزنتان لكنه لجأ إلى تراثه وتمسك بالحكمة القديمة نصلى خلف على ونأكل طعام معاوية ونجلس فوق الرابية فالصلاة خلف على أكثر بركة والطعام عند معاوية أشهى والجلوس على الرابية – بريطانيا – أسلم ثم ننتظر لنصلى خلف الغالب.
إن الحبر الذى ينصح الناس بتجنب الفتنة هو أول من زكاها حين ألب الناس على المؤتمر ووصف الزحف على قاعته والاعتداء على أعضاءه ووضع مئتي تابوت أمام مقره وتهديد أعضاءه بالسلاح بأنه الجهاد المقدس المساهمة فيه فرض كفاية. ثم لم يشارك فيه بل أرسل شقيقه ليشارك بالنيابة عنه.
أما التظاهرات السلمية المؤيدة لقيام الدولة المساندة – لولى الامر- فهي محرمة شرعا لانها تدعو إلى الفتنة برغم أنه يشعل الان نارها حين يأمر باسم الدين أولياء القتلى أن يسامحوا فى دم أبنائهم طالبا منهم الصفح فى الدم فى حين أنه لم يبد علامة تسامح فى قانون العزل ويتناسى أن القانون يطاله كما يطال غيره لأنه كان احد أدوات النظام يظهر فى محطاته ويحضر جلساته ويساهم فى حل مشكلاته وتلميع الابن لتولى السلطة من بعد أبيه.
أنه يسأل أهل القتيل مسامحة القاتل لان القاتل هو الطرف القوى الذى يحمل السلاح ومن أجله يكون انتقائيا فى استخدام آيات القران فيتحدث عن الصفح وينسى (العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص) لماذا لم يقل (ولكم فى القصاص حياة يا أولى الالباب لعلكم تتقون) فربط التقوى بالقصاص. يبدو أنه يعتقد أن هذه الآية ليست موجهة له.
وإن كان صادقا فى دعواه. فلماذا لم ينتقل إلى بنغازي لرأب الصدع ووئد الفتنة فى مهدها والسعي فى الصلح بين المتحاربين. وكالعادة يتناول المشكلة وبينه وبينها ألاف الكيلومترات.
لكنه يصبح اسما على مسمى حين يقول إن الدولة فى مفالخالدة وأظنه بات يعلم أن حملة السلاح خسروا المعركة ولا مستقبل لهم وانسحابهم من المشهد مسالة وقت وقيام الدولة أمر محتوم وهو لذلك حائر متردد يستغرق وقتا طويلا قبل أن يقرر فى أي جانب يكون وأظنه يتأسف لأنه اختار الجانب الخاسر لذلك يخطب ود المؤتمر بالنصيحة و لذك يحاول أن يوهمنا بأننا نواجه الفتنة ويصرخ فينا دعوها فإنها منتنة وما دامت كذلك فلماذا يدس أنفه فيها؟ لماذا لا يدعها ويتنسم عبير الجنة عبر كتب التراث الخالدة؟
الفتنة كلمة لها عشرات المعاني تتراوح بين الكفر والاختبار والزينة فقدت معناها فى اللغة المعاصرة ولا تستخدم إلا لوصف كيد النسوان ونحن لا نواجه فتنة لكننا نواجه مسألة المصير نحن فى معركة تحدد لنا نتيجتها أنسير نحو المستقبل نستثمر فى التعليم والصحة والديمقراطية والحرية ونقبل الحضارة فى خيرها وشرها. ام ننسحب نحو الماضى حيث ينتظرنا حبر الاحبار لينقلنا من ليل إلى ليل فى ظلمات لونها كلون الحبر بعضها فوق بعض . ولا نملك متعة الخسارة بل لا نملك الحق فى الاختيار لأننا ملزمون شئنا أم أبينا أن نلحق بقطار الحضارة السريع ولن تتركنا الحضارة لو تركناها.
وما دام التناصح طريقا يسير فى اتجاهين فليسمح لنا أن نناصحه
قال عبد ألله بن عمرو
بينما نحن حول رسول الله إذ ذكر الفتنة فقال إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وضيعت أماناتهم وكانوا هكذا – وشبك بأصابعه- فقمت إليه وقلت كيف أفعل عند ذلك قال 1- الزم بيتك، 2- املك عليك لسانك، 3- عليك بأمر خاصة نفسك، 4- ودع عنك أمر العامة رواه الحاكم 525 / 4 أبو داود 2/ 438
magedswehli@gmail.com
كاتب ورجل أعمال ليبي