عندما نقول أننا تحت الاحتلال، لا نقول ذلك من باب المبالغة وتعظيم الأمور.
ماذا يعني أن تكون محتلّاً؟
يعني أن هناك قوّة مسلّحة تابعة لدولة أجنبيّة تفرض عليك إرادتها، تحت تهديد السلاح. ولا يهمّ إذا كان عناصرهذه القوّة يحملون جنسيّة البلد الذي يحتلّونه، طالما أن الإمرة على هذا السلاح تأتي من الخارج.
وهذا يعني أنك لست حرّاً في أن تحكم نفسك كما تشاء إلا في حدود ضيّقة. أما في المسائل الأساسيّة، فالاحتلال هو الذي يقرّر.
إذا وضعنا جانباً التبجّح والوعود الانتخابيّة الفارغة، هل يعتقد دعاة التغيير حقاً أن الاحتلال ينتظر مقترحاتهم ليلتقطها على الفور ويضعهاموضع التنفيذ؟ او أنه سوف يحزم أمتعته ويتنازل عن السلطة لمجرد أنه خسر بضعة مقاعد في البرلمان؟
عندما أسمع البعض يقولون: “أعطوهم فرصة، لم يمضِ على وصولهم أسبوع”، أقول في نفسي: طوبى لبسطاء العقول، هؤلاء لا يدركون مع من يتعاملون.
لا تخدعنّك الواجهة الديمقراطيّة، فتعتقد أنك تستطيع أن تتغلّب على الاحتلال بالوسائل الدستوريّة. الاحتلال لا يلتزم بالنظام الديمقراطي. وليس مولعاً به. ولا يلعب لعبة الديمقراطية إلا عندما يستفيد منها ليعطي نفسه مظهر الشرعيّة. ولا يعبأ بأكثريّة برلمانية.
خلاصة القول: الاحتلال ليس طفلاً يرتّل في جوقة الكنيسة. وهو لن يرضى بقيام حكومة لا يسيطر عليها او لا يمكنه تعطيلها ساعة يشاء. ولن يسمح بالإتيان برئيس جمهوريّة ليس خاضعاً له. ونعرف أنه، في الشكل، يريد “حكومة وفاق وطني”، للتنصّل من مسؤوليّة الانهيار الكبير الذي يبدأ قريباً، وتحميلها للجميع بالتساوي.
نحن أمام فترة من التعطيل، قد تمتّد طويلاً، اللهم إلا إذا قدّمت القوى المناهضة للاحتلال تنازلات معيبة سوف تجعلها تفقد مصداقيتها. فلا تعلّقوا آمالاً كبيرة على التغيير. ولا تنتظروا حتى معالجةً للأوضاع الاقتصاديّة،
فهذه ليست مسألة تقنيّة يمكن حلّها إذا حُظيت باهتمامٍٍ أكبر من المسؤولين. إنها مسألة لها علاقة بوضعيّة لبنان بين الدول. والعالم أجمع يعرف أن لبنان تحت الهيمنة الإيرانيّة. ولا أحد يريد أن يساعد امبرياليّة فاشلة لا تعرف كيف تدير مستعمراتها وتدفعها الى المجاعة، ولا تعرف حتى كيف تؤمّن الرغيف لشعبها الذي يتضوّر جوعاً.
في هذه الحالة، ماذا يمكننا أن نفعل؟
في الشدائد: التحدّي. بانتظار أيام أفضل.
فالمنطقة التي نعيش فيها غير مستقرّة. وقد تشتعل فيأيّة لحظة.
kamal.yazigi@icloud.com