على طاولة رئيس لقاء “سيدة الجبل” فارس سعيد، وضوحٌ في مضمون الأوراق المعبّرة عن طبيعة الحالة السياسية التي يشهدها #لبنان.
تؤشّر حركته التنظيمية في فلفشة دفاتر المرحلة وتنظيمها، إلى غياب الجدوى من محاولة إعادة ترتيب أيّ ورقة سرديّة لتلاوة فعل اعتذار وزير أو استقالته أو لقراءة تعبير تجميليّ في توصيف علاقات لبنان العربية. وفيما يصنّف المقرّبون من الخطّ اللبناني – العربيّ أنّ أفعال السنين الماضية على صعيد الأكثرية الحاكمة ضمن مشهديّة حرق “مكتبة” من الماضي الجميل الذي يربط بيروت بدول الخليج، فإنّ “الفعل الفعّال” الذي يتبنّاه سعيد يكمن في ضرورة إعادة بناء جبهة لبنانية وطنية تحترم “مكتبة” النصوص المرجعية ووثيقة الوفاق الوطني. “الأزمة طويلة مع الخليج العربي… وستأخذ الأمور منحى يتّجه إلى مزيد من الخطورة والتردّي”، بهذه العبارة يختصر سعيد واقع الاشتباك الديبلوماسي المستجدّ، مشيراً إلى أنّ “ما يحصل ليس بجديدٍ مرتبطٍ بتصريح وزير الاعلام جورج قرداحي بل بتراكمات وبخيار سياسي، إذ لمس السعوديون أنّ غالبية القوى السياسية اللبنانية تدعم التوجّه الذي تقوده الرئاسات الثلاث باتجاه وضع لبنان في المحور الايراني”.
ويرجّح في حديث لـ”النهار” أن “يكون الحلّ اللبناني جزءاً من الحلّ الإقليمي، بمعنى أنّه لا بدّ أن يتحضّر اللبنانيون إلى طاولة حوار أو إلى مؤتمر من أجل لبنان بمشاركة قوى إقليمية جديدة في المنطقة تجلس على الطاولة وتتقاسم النفوذ لبنانيّاً وفق النظام الجديد. لو كان في لبنان امتلاء سياسي، لما فرض أحد إمكان حصول طاولة حوار اقليمية. سيكون الترتيب اللبناني جزءاً من ترتيب المنطقة. دخلنا هذه المرحلة التي قد تستغرق أشهراً أو سنوات. النظام العربي القديم الذي انهار مع بداية الربيع العربي عرضة لأن تتقاسمه ثلاث قوى اقليمية غير عربية (اسرائيل وتركيا وإيران). مصلحتنا كلبنانيين إعادة إنتاج نظام مصلحة عربية يحافظ على هوية المنطقة وعلى نظام المصلحة الاقتصادي والمالي والثقافي لها. إذا استمرّ الوضع على ما هو سيتحوّل هذا الجزء من العالم العربي إلى ضاحية اقتصادية وثقافية وسياسية لعواصم غير عربيّة، وهذا ما نرفضه كلبنانيين وعرب”.
لم يعد اللبنانيون يملكون ترف الوقت وعليهم الاختيار بين نظام المصلحة العربية أو البقاء في المحور الإيراني، وفق ما ينبثق من مقاربة سعيد، الذي يكشف عن مشروع – فكرة لجهة العمل على تشكيل مجلس وطني استقلالي للبنان ورفع الاحتلال الإيراني عنه.
وتباحث في الموضوع داخلياً مع “سيدة الجبل” والمبادرة الوطنية. ويُرتقب أن تتمثل المرحلة الأولى في إطلاق نواة للمجلس الوطني ثم تفعيل حوار وتعاون وتنسيق مع القوى السياسية التي يعتبرها “صاحبة الأمانة والمصلحة” بعد مرحلة الانتخابات النيابية، وعلى رأسها الأحزاب التي شكّلت صلب 14 آذار، إضافة إلى المجتمع الشبابي الصاعد من الانتفاضات انطلاقاً من 17 تشرين. ويطلق الفكرة على قاعدة احترام الشرعية اللبنانية والعربية والدولية.
وعن القوى التي يمكن أن تضطلع بدور في بناء ركائز المجلس الوطني، يجيب أنّه “لا خلاف في الخيارات السياسية مع وليد جنبلاط الذي نتمايز عنه في بعض المسائل، لكنه يبقى جزءاً من الحالة الوطنية الاستقلالية، وقيادته لمرحلة 14 آذار تاريخية مع تفهّم بعض مواقفه حماية لبيئة يعتبرها أمانة. كما أنّ موقف #سمير جعجع في عين الرمانة محلّ تقدير كبير، لأنه وضع حدّاً لمقولة أنّ هناك من هو قادر على السيطرة على كلّ لبنان باعتبار نفسه أقوى من الجميع. وقرأنا قبل أيام مواقف جريئة صادرة عن #سعد الحريري، تشير إلى أنه قرّر العودة إلى السياسة من الباب الواسع غير المرتبط باستحقاقات نيابية أو حكومية بما يساعد في استكشاف المساحة الممكنة معه”.
وإذ يتخوّف من “إجراء الانتخابات في لبنان بمن حضر من أجل محاولة تكريس الزمن الإيراني عبر نتائج المجلس النيابي، كما تكرّس الزمن السوري بانتخابات بمن حضر عام 1992″، يشير في ما يخصّ تحضيراته وتحالفاته الانتخابيّة الممكنة إلى “أنّني لم أطرق باب أحد ولن أقصد أيّ فريق بموضوع الانتخابات. أنا حاضر في جبيل وأمثل شريحة وازنة من أهل المنطقة. وأتفاعل معها كمجموعة من الأصوات المستقلة خارج إطار الأحزاب. لم أستدعِ انتباه أحد وإذا كان هناك من يريد التعاون معي أهلاً به، على قاعدة أنني لن أكون دَرَجاً لأحد. أصبحت المعركة سياسية بامتياز بعد أحداث عين الرمانة. وسأخوض معركة جبيل – كسروان على قاعدة أن أمنع أن يكون لـ”حزب الله” نائباً في المنطقة، كمقدّمة لأن يكون هناك وضع يد سياسي على هذا المناخ الجبلي اللبناني بين بعبدا وجزين وجبيل”. ويرى أنّ “ما يحضَّر قد يكون تحالفاً بين “التيار الوطني الحرّ” و”حزب الله” في هذه الأقضية بما يساعد على انتخاب ممثلين للتيار، ويعطي إمكانية لحصول “الحزب” على مقعد في هذه الدوائر. سأكون ضمن الفريق الذي يفكّر ببرودة أعصاب وعقل لمنع أن يحظى “الحزب” بمقعد في جبيل. وسأتحالف مع كلّ من يساعدني في هذا الاتجاه”.
ويخلص إلى أنّ “حزب الله يحضّر نفسه للتحوّل من قوّة عسكرية إلى قوّة سياسية تأخذ مكان القوّة التي كانت قائمة وموجودة، ولكن أعتقد أن هذا الحزب لا يقلّ حماقة عن الميليشيات التي سبقته والتي ظنّت في لحظة أنها قادرة وفق موازين القوى المحلية والاقليمية أن تحكم لبنان وتفرض على جميع اللبنانيين وجهة نظرها.
هذا البلد لا يحتمل المشاريع الكبرى. ولم يسبق أن احتمل نظرية كمال جنبلاط وأبو عمار اللذين أرادا أن يكون لبنان نقطة انطلاق للفدائيين. ولم يحتمل نظرية بشير الجميّل الذي قال بوجوب أن يقود لبنان سلاماً منفرداً مع إسرائيل. ولن يحتمل اليوم وجهة نظر السيد حسن نصرالله الذي يريد أن يكون لبنان جزءاً من الفلك والنفوذ الإيراني. هذه مشاريع كبرى طموحة وهناك أحقيّة لكلّ من حملها في مكان، لكن لا يحقّ لأحد فرض وجهة نظره على اللبنانيين. لم يتحمّل لبنان هذه المشاريع الكبرى، ولن يتحمّلها”.
majed.boumoujahed@annahar.com.lb
نقلاً عن « النهار »