أخذ بعض الأصدقاء على مقالتي “متحاصصون حتى في قتلها” أنني وضعت على السوية ذاتها جميع القوى السياسية في السلطة والمعارضة وفي الثورة أيضاً. هذا صحيح لكن وجه الشبه بينها محدد بنقطة واحدة هو موقفها من الدولة. من مع الدولة ومن ضدها. كل القوى التي عددتها، أحزاب الجبهة اللبنانية وأحزاب الحركة الوطنية وكل الميليشيات طبعاً، المسلحة وغير المسلحة، في خانة الضد، مضافاً إليها من لا يعرف معنى المصطلح.
صدر عن رئاسة الجمهورية بيان يتعلق بملابسات التكليف والتشكيل، كما صدر بيان آخر عن لقاء سيدة الجبل يتناول الأزمة الوطنية وتعقيداتها، وفي البيانين فهم مغلوط للدستور وخلط واضح بين الدستور والقانون. فهل يمكن وضعهما في خانة من لا يعرف معاني المصطلحات الخاصة ببناء الدولة؟
بيان رئاسة الجمهورية هو تأويل أو اجتهاد قد يصدر عن فقيه في القانون أو عن أستاذ جامعي. قد يكون ما في البيان تأويلاً سليماً واجتهاداً مبتكراً وقد لا يكون، فنحن لا نملك كفاءة الحكم عليه، فضلاً عن أن هذا أمر لا يعني المقالة، إلا أن من البديهيات أنه ليس من مهمات الرئاسة شرح القوانين وتأويلها والاجتهاد في تفسيرها، فهذا أمر متروك للهيئات التشريعية وكليات الحقوق وأهل العلم في القوانين ولا سيما في القانون الدستوري. من ناحية أخرى، إذا كان صحيحاً ما تم تداوله في وسائل التواصل عن اقتراح الرئاسة تعيين طائفة الوزير ومذهبه الديني، فلا يحتاج الأمر إلى اختصاصي في القانون ليؤكد أن مثل هذا التوزيع مخالف للدستور، بل انتهاك ناجم عن جهل بمعاني المصطلحات من جانب المستشارين الذين يعدون البيان، فيسيئون إلى الرئاسة وإلى الدستور. فهل يمكن أن تبنى الدولة في ظل الجهل بالبديهيات الدستورية؟
بيان سيدة الجبل مذيل بتوقيع خمسة وثلاثين شخصية من ذوي الشأن في الحقل السياسي، ومن المؤكد أن بينهم كثيرين من أهل الاختصاص. يدعو البيان إلى إخراج لبنان من الأزمة “بتطبيق القرارات الدولية التي تحمل الأرقام، 1701، 1680، 1559 ولا سيما الأخير القاضي باحترام الدستور وحصرية السلاح بيد الدولة”، ويطالب أصحاب المصلحة الوطنية “بالدفاع عن لبنان السيد الحر المستقل والوقوف في وجه الاحتلال الإيراني”، ويسجل “اعتراضه الواضح على بيان رؤساء الحكومة الذي يحصر انتهاك الدستور بسلوك رئيس الجمهورية” ويؤكد على “أن انتهاك الدستور بشكله السافر هو من اختصاص “حزب الله” الذي يملك ترسانات أسلحة”.
هذه المقالة ورفيقاتها التي تندرج كلها تحت عنوان اغتيال الدولة ليست معنية بتحليل الموقف السياسي الوارد في متن البيان، بل إن ما استوقفها فيه هو العبارة الأخيرة التي تؤكد أن “انتهاك الدستور هو من اختصاص “حزب الله”. إن أي قارئ غير متخصص في فقه القانون يعرف أن البيان استخدم هذا المصطلح خلافاً لمعناه الأصلي.
الدستور ينظم العلاقة بين السلطات. أصحاب السلطة هم من يوكل إليهم تطبيق الدستور وهم من يمكن اتهامهم بانتهاكه، أي أن السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية هي المعنية بتطبيقه أو بانتهاكه، لا الأفراد ولا الأحزاب والقوى السياسية التي تخضع علاقتها بالدولة لأحكام القانون لا لأحكام الدستور.
أما الميليشيات المسلحة فهي لا تنتهك القوانين فحسب، بل هي بالتعريف معادية لوجود الدولة.
هل يمكن أن يبني الدولة من يجهل معاني المصطلحات الدستورية؟