سواء بقي في البيت الأبيض أم أن « جو بايدن » سيخلفه بعد انتخابات الثالث من نوفمبر– تشرين الثاني المقبل، سيظل « ترامب » رئيساً استثنائياً، و سوف يذكره التاريخ الأمريكي كشخصية عظيمة. فقد كانت له الجرأة في فتح ملفات قوية لم يجرؤ أحد على فتحها منذ رئاسة أيزنهاور!
ملفات تمس حياة الأمريكان و أمنهم القومي كانوا ينتقدونها ويكتبون عنها بامتعاض طوال العشرين سنة الماضية، ولا يُشير إليها الإعلام الأمريكي الآن بل يقف بشراسة ضد دونالد ترامب ويرّكز على شخصيته و« تويتاته » لتهميش إنجازاته في الأربع سنوات الماضية. بالمقابل، لا يرّكزون على شخصية بايدن الباهتة جداً بل على أجندة الحزب الديمقراطي… وتَحوّلَ 90% من الإعلام الأمريكي إلى منابر سياسية داخلية لصالح الحزب الديمقراطي واليسار المتطرف والتجمعات الفوضوية. والسباق الانتخابي الحالي ليس بين بايدن وترامب بل في الحقيقة بين مؤيدو ترامب وأعداء ترامب، وهذا هو الواقع. نحن لا نقيم الرئيس بعيوبه الشخصية، ولا يهمني إن كان قديساً أو هجومياً في خطاباته، بل تهمني إنجازاته.
ما هي الملفات التي تَصُب لصالح ترامب ولا يُشير إليها الأعلام الديمقراطي المنحاز؟
- الأداء الاقتصادي المذهل لإدارة ترامب قبل كورونا: معدل البطالة كان الأقل في الستين سنة الماضية، ارتفاع مستوى النمو ونشاط البورصات والمستوى المعيشي للسود.
- ملف التجارة العادلة: أعاد التوازن لملف التجارة الدولية مع أمريكا بإعادة الملكية الفكرية والتصنيع إلى الولايات المتحدة.
- ملف الحفاظ على القيم الأمريكية التقليدية الكلاسيكية من مناداة بالمساواة بين المواطنين وتعزيز الخير العام وتأمين حرية التعبير ونشر الحقيقة السياسية وحرية العبادة وضمان عدم إساءة استخدام السلطات الممنوحة للحكومة. وهذه نقطة هامة لمن يعرف تاريخ أمريكا و« الآباء المؤسسين » الذين قادوا حرب التحرير من بريطانيا العظمى وبنوا إطاراً حكومياً للولايات المتحدة الأمريكية الجديدة العظيمة، والذي يحاول الاتجاه اليساري والليبرالي الفوضوي، وتحت شعار الحُريات، هدم هذه القيم. وقف ضد مبدأ ارضاء ذات المواطن، مبدأ اللذة المفرطة التي دمرت أوروبا وأمريكا، هذا المبدأ الذي جعل الانسان يعيش بعيداً عن الالتزامات المهنية والاخلاقية، لا يريد تحمل المسؤولية، يحب الكسب السريع السهل. تحت مسميات الحريات الشخصية يتنصل من التزاماته الاخلاقية والانسانية والاجتماعية والاسرية والوطنية (تذكر حركات هاري كرشنا و« الهيبيز » في الـ70 من القرن الماضي، علّمت الشباب كيفية التخلي عن واجباتهم الوطنية والاجتماعية وكانت بوابة لانتشار الادمان، الحشيش والمخدرات، و« ال اس دي » الذي انتشر في جميع انحاء العالم). مبدأ ارضاء الشارع دمر الغرب وجعله بيئة خصبة للإسلام المتشدد الاصولي الذي سيطر على أحشاء أوروبا وأمريكا.
وتعَيينَه لكثير من القضاة المحافظين على القيم الأمريكية في المحاكم الفدرالية والمحكمة العليا كان ضمن هذا الملف.
4- الملف الرابع الهام هو انهاك الارهاب الاسلامي بشقيه السني والشيعي… أجبر السعودية على أن تُغّير سلوكها 180 درجة من داعم وممول رئيسي للإرهاب إلى مقاوم للإرهاب… وايضاً ضرب الإرهاب الشيعي والمليشيات الموالية لإيران ضربات موجعة لم تحدث في تاريخها منذ مجيئ الخُميـني، وقضى على أشرس إرهابيي العالم، وهم قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وأبو بكر البغدادي.
- الملف الخامس مواجهة تغول الصين…. الصين منافس غير شريف لا يلتزم بقواعد المنافسة في الدول الرأسمالية ولا بقوانين التجارة العالمية، ومن السهولة والخطورة أن تتحول من منافس الى عدو. فهي دولة شمولية قمعية يحكمها أكبر حزب شيوعي في العالم، ليست لديها قيم الدول الأوروبية ولا حضارة بجودة وروعة الحضارة الغربية… وفي الشرق الاوسط والمنطقة العربية تعدت الطموحات الصينية لتشمل تعاوناً في مجال الدبلوماسية والدفاع من خلال تسويقها نموذجاً تنموياً يقوم على دمج الديكتاتوريات مع النمو الاقتصادي، وهو ما يروق لكثير من الكيانات الاستبدادية في المنطقة، على عكس التركيز الغربي والأمريكي التقليدي بالضغط على تلك الدول لتحقيق المعايير الليبرالية والديموقراطية. الإدارات الامريكية السابقة منذ عهد بوش الأب كانت على دراية كاملة لتجاوزات الصين التجارية. فقد أوضح مدير وكالة الأمن القومي الأمريكي ميكل روجرز Michael Rogers بأن الصين تسرق من أمريكا بشكل منتظم ومنهجي ومدروس حقوق الملكية الفكرية التكنولوجية, وتُقَدر بـ 250 الى 600 مليار دولار أمريكي سنوياً ويصفها بأكبر عملية نقل ثروة في التاريخ الإنساني! ٦٠٠مليار دولار هي أكبر من حجم واردات أمريكا من الصين، ولكن الإدارات الامريكية السابقة كانت تخشى مجابهة الصين أو حتى الاقتراب منها…. دونالد ترامب واجهها بشجاعة، وغَيّرَ معادلات اقتصادية وفرض عليها غرامات على شكل رسوم جمركية بمئات المليارات من الدولار، وقلص كثيراً من هجمات القرصنة الإلكترونية التي تُديرها الصين لسرقة اسرار وبيانات و ارقام شركات أمريكية وأوروبية وكورية جنوبية.
- ملف الهجرة والحدود مع المكسيك المثير للجدل في أمريكا لأكثر من ثلاث عقود لم يتناوله أي رئيس سابق. اهتم به الرئيس ترامب بشكل غير مسبوق بضبط الهجرة واستقبال الكفاءات فقط وصَرّحَ بأن أمريكا تشبعت بالمهاجرين غير الشرعيين.
- ملف إسرائيل والعرب… تعامل بواقعية مع « الصراع العربي الإسرائيلي المفتعل » وحَوّل القضية الفلسطينية من قضية إقليمية مزمنة إلى قضية داخلية محلية كقضية إقليم الباسك وكتالونيا وقضية كشمير والأكراد وناغروني كاراباخ! وبهذا العمل الجبار وضع حداً لهذه القضية المصطنعة التي انهكت كاهل العرب لأكثر من 70 عاماً، واستنزفت الارواح والطاقات والوقت والاموال الخليجية. كما جَذَبَ الدول العربية نحو معاهدات سلام مع إسرائيل, وجاءت الإمارات والبحرين لتكون من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقية السلام والسودان والمغرب في الطريق…. هذا الملف يُحسَب لترامب ولم يقم به أي رئيس سابق.
- تَحييد كوريا الشمالية، وعلى الاقل تبريد العداء الملتهب بينهما وجعل الجلوس على طاولة واحدة والتفاوض معها أمراً ممكنا.
- مواجهة الفساد السياسي والإعلامي والبيروقراطي وجماعات الضغط… المتمثلة في الشركات الأمريكية العملاقة (غوغيل، فيس بوك، مايكروسوفت، أمازون، أبل ) التي كانت تفرض هيمنتها وترسم سياسة أمريكا الداخلية والخارجية وتحدد كل شيء حتى اصبح السياسيون اسرى بيد هذه الشركات الضخمة… ترامب خاطبها بأن مصلحة الحكومة الفيدرالية التي تُحدد مصالح وأهداف أمريكا العليا فوق مصالحكم الاقتصادية مع الصين، وأن الهدف أكبر بكثير من هواوي وسامسونغ، بل من يُدير مستقبل النظام العالمي بمبادئه وأفكاره.
- ملف حروب أمريكا المجانية دون ان يتحمل احد تكاليفها، وتحمّل العبء الاكبر في ميزانية حلف الناتو (ما يقرب من 70 في المئة من مجمل النفقات).
وبهذه الملفات العشرو يكون ترامب قد أوفى بمعظم وعوده الانتخابية، وهذا بحد ذاته ظاهرة نادرة في تاريخ الرئاسة الأمريكية. وهذه الملفات والمشاكل التي أثارها ترامب في أمريكا تعاني منها معظم دول العالم، المتحضر منها والمتخلف بدرجات متفاوتة.
مقال واقعي وعقلاني لا أحد منا يريد أوباما جديد في البيت الأبيض