إثر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد مراسم تسليم “وسام الاستحقاق العسكري برتبة قائد أعلى” لسمو أمير البلاد، حيث قال ترامب إنه يتوقع انضمام الكويت ونحو سبع دول إلى قافلة الدول التي طبّعت علاقتها مع إسرائيل، مضيفا بأنه التقى “الأمير (الشيخ ناصر صباح الأحمد) والوفد الكويتي، وأظهروا حماسا لتوقيع اتفاقية السلام، وأعتقد أنهم سينضمون إليها سريعا”.. بعد هذا التصريح المفاجئ بالنسبة للمراقبين في الكويت، خاصة وأنه لم يصدر أي تعليق رسمي كويتي ردا عليه، فإن السؤال الذي يمكن أن يثار هو: هل القضية الفلسطينية هي التي يجب أن تحدد المصالح الاستراتيجية للكويت؟
في تصريحات كويتية سابقة، تم التأكيد على أن الكويت “لن تطبع” العلاقات مع إسرائيل. كما تم التأكيد على موقف أقل تشددا، بأنها ستكون “آخر المطبعين العرب”!
ولا أعلم ما العلاقة بين عبارتي “آخر المطبعين” و”لن تطبع”، فالأولى تتعلق بموقف الكويت من الحقوق الفلسطينية وعلاقة ذلك بقرارات الأمم المتحدة، فإذا تمت تلبية هذه الحقوق فإن الكويت ستطبع العلاقات مع إسرائيل. أما العبارة الثانية فإنها تعكس موقفا “مبدئيا ونهائيا” من مفهوم التطبيع، وهذا لا تتبناه الحكومة بل تتبناه العديد من القوى والشخصيات السياسية. لذا من الطبيعي أن يكون هناك موقف ثالث يرتبط بالمصالح الوطنية، بمعنى أنه إذا كان التطبيع يخدم هذه المصالح فعلى الحكومة أن تُقدم عليه، سواء تمت تلبية الحقوق الفلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة أم لم تتم تلبية ذلك.
جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي أكد قبل فترة بأنه لا توجد ضغوطات أمريكية على الكويت لإقامة علاقات مع اسرائيل. بينما ردّت الكويت على تصريحات كوشنر بالقول بأن موقفها الراهن الرافض للتطبيع ينطلق من “مصالحها الوطنية” الثابتة منذ سنين، وبما يحقّق مصالح الشعب الفلسطيني.
إذا كانت مواقف الكويت من القضية الفلسطينية تنطلق من مصالحها الوطنية، فذلك يعني أنها قد تسير مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو قد تسير مع عدم التطبيع، سواء راهنا أو في المستقبل، حيث يعتمد ذلك على مسألة “المصالح الوطنية”. ففي السياسة لا توجد مواقف وطنية ثابتة غير متغيرة، وإنما لابد للمواقف أن تكون مرنة ومرتبطة بالمصالح، وأن تنطلق قدر الإمكان من الأسس الأخلاقية. بمعنى أنه لو انطلق “عدم التطبيع” من أسس أخلاقية بغية الدفاع عن حقوق الفلسطينيين وفق معيار تحقيق المصالح الوطنية الكويتية، فإن “التطبيع” يستطيع أيضا أن ينطلق من أسس أخلاقية بغية الدفاع عن حقوق الفلسطينيين وفق معيار تحقيق المصالح الوطنية الكويتية. والتجارب العالمية شاهد على إمكانية تحقيق الأمر الثاني.
لا التطبيع ولا عدم التطبيع يمكن لأحدهما أن يشكّل موقفا “نهائيا” و”ثابتا” في طريق الدفاع عن حقوق الفلسطينيين. بمعنى أن الآليتين، أي التطبيع أو عدم التطبيع، تخضعان لظروف الواقع، ولعلاقة كل محور بالمصالح الوطنية الكويتية. فإذا لم تحقق آلية من الآليتين أهدافها وفشلت في فرض حلولها وبات الواقع يعارض وجودها وأصبحت المصالح الوطنية تفرض تغييرها، فلا مناص إلا قبول ذلك.
لذلك، لا يجب للموقف الكويتي من القضية الفلسطينية أن ينطلق من اعتبار التطبيع أو اللا تطبيع موقفا ثابتا غير قابل للتغيير، وإنما – وكموقف غالبية دول العالم – يجب أن ينبني على مرونة تحرّكها المصالح الوطنية. فحينما تكون السياسة فن أخذ وعطا ومن خلالها يتم الخوض في المصالح الوطنية، لكننا نستثني آلية “عدم التطبيع” من هذا الشي، فهذه فوضى ونوع من فقدان البوصلة تجاه مصالحنا ويجب معالجة ذلك. فإذا تعارضت مصالحنا الوطنية مع موقفنا التقليدي من القضية الفلسطينية والرافض للتطبيع مع إسرائيل، فيجب التفكير بعقلانية في مصالحنا لا أن يجرفنا تيار القضية ضد مصالحنا.
نعم، هناك قضية متمثلة بحقوق شعب، ويجب العمل على دعمها. لكن ذلك لا يعني أن هناك آلية واحدة ثابتة تحقق ذلك، ولا يعني أن التخلي عن آلية وانتخاب ثانية هو بمعنى أن أصحاب الآلية الثانية باتوا يعادون الفلسطينيين ويتجاهلون حقوقهم.
فالمصالح الوطنية الكويتية هي التي يجب أن تقرر اختيار أحد الآليتين، وقد تكون هذه المصالح ضد التطبيع، لكن ذلك لا يمنع أن تتوافق اليوم أو في وقت من الأوقات مع التطبيع.
*كاتب كويتي