منذ ما قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، و«التيار الوطني الحر» محكومٌ بمواجهةٍ داخلية بين رئيسه النائب جبران باسيل وعددٍ من نواب «التيار» الذين لا يتوافقون معه. لكن رئاسة عون بقيتْ الرادع الأساسي الذي يمنع المعترضين على أداء باسيل من إبداء معارضتهم جهاراً.
وما أن خَرَجَ عون من القصر، حتى ظهرتْ بعض مَلامح الانقسام الحاد علانية. وليست قضية فصل النائب السابق زياد أسود وما تبعها من ردات فعل، بعد خسارة «التيار الوطني» مقاعده النيابية الثلاثة في جزين، سوى إحدى علامات الصراع الحاد، الذي اضطر معه عون إلى مرافقة باسيل إلى جزين قبل نحو شهر لتوجيه رسائل واضحة للتيار ضدّ أسود الذي ردّ بدوره على باسيل منتقداً إياه بشدة.
كشفت الانتخابات النيابية الأخيرة كثيراً من المشكلات الداخلية، كما حصل مع النائب إلياس أبو صعب الذي أدار معركته منفرداً، بعدما تيقّن من أن باسيل يصبّ الأصوات التفضيلية لمصلحة المرشح ادي معلوف الذي خسر مقعده. واستمر الخلاف بين بو صعب وباسيل حتى قبل ترشّح الأول لنيابة رئاسة المجلس النيابي، وتردّد حينها أن باسيل كان معترضاً على تسويةٍ قام بها بو صعب مع رئيس البرلمان نبيه بري لانتخابه نائباً لرئيس المجلس، قبل أن يُضطرّ رئيس «التيار» إلى السير بالتسوية.
منذ سبعة أشهر، تاريخ انتهاء عهد عون، سعى باسيل إلى إبقاء حماية «الجنرال» له حاضرة عند كل استحقاق، سواء في الحوار مع «حزب الله» أو في الموقف من انعقاد جلسات حكومة تصريف الأعمال، عدا عن حل الخلافات الداخلية في صورة غير ملتبسة لمصلحته.
لكن قضية انتخاب رئيس للجمهورية أخذت بعداً استثنائياً في علاقة نواب «التيار الوطني الحر» المعترضين على إدارة باسيل للملف، وكشفت عمقَ الخلافات التي ظلت نائمةً بفعل حضور عون وتأثيره السياسي والمعنوي.
اعتقد النواب المعترضون منذ البدء أن باسيل كان يناور منذ اللحظة الأولى من أجل إبقاء اسمه على لائحة المرشحين، قبل أن يعلن «حزب الله» والرئيس بري أن مرشحهما هو رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. ويأخذ هؤلاء على باسيل ان الإصرار على وضْع اسمه في لائحة المرشحين والتلويح مراراً بأنه سيعلن ترشيحه، والعمل مع إحدى الدول على تسوية أوضاعه ورفع العقوبات الأميركية عنه، عوامل ساهمت في تأخير حضور «التيار» في الملف الرئاسي ولا سيما في العلاقة مع «حزب الله» الناخب الأكبر في هذه العملية. ويأخذ عليه هؤلاء كذلك أنه يتفرّد في إدارة الملف الرئاسي ولا سيما في الأسابيع الأخيرة حيث بدأ مفاوضات مع حزب «الكتائب» وعبْره مع حزب «القوات اللبنانية» وحَصَرَ قنوات الحوار بدائرة صغرى من القريبين منه، بعدما حُدد الإطار الحواري بين النائب جورج عطالله عن «التيار» وفادي كرم عن «القوات».
ظلت الخلافات محصورةً بطابع داخلي، إلى أن بدأت المفاوضات الجدية تقترب من تبنّي ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور. اسمُ الأخير أحدثَ ردات فعل لدى نواب معترضين عليه، ربْطاً باعتقادهم انه كان من فريق الرئيس فؤاد السنيورة، إضافة إلى دوره في وزارة المال، ولم يكن سهلاً على هؤلاء الذين يفاخرون بما يُعرف بـ «الإبراء المستحيل» (اسم كتاب)، الإنقلابَ 180 درجة على عملية تفنيدِ مرحلة السنيورة ومَن يعتبرونه ربيبته.
وبدأت الخلافات تظهر إلى العلن، مع اعتراض مجموعة من النواب في شكل صريح على إدارة باسيل واتجاهه إلى التوافق مع المعارضة على إسم أزعور.
وحاول رئيس «التيار» بدايةً احتواء المشكلة داخلياً، وتجاهل اعتراض نحو ستة إلى سبعة نواب على تسمية أزعور، فسرّع من وتيرة اتصالاته مع المعارضة التي كانت تطالبه بحسْم موقفه إما سلباً أو إيجاباً.
زاد ضغطُ «القوات اللبنانية» على «التيار الوطني» لإعلان موقف واضح وصريح، فطرح باسيل تسمية مرشحيْن اثنين بدلاً من واحد، وتَوافَقَ مع حزب «الكتائب» على ذلك، لكن «القوات» رفضتْ وأصرت على الاتفاق على اسم واحد لأنه بذلك يمكن خوض معركة صلبة وليس تشتيت الجهود الأمر الذي يربك النواب المعارضين لتسمية «الثنائي الشيعي» لفرنجية. ومع اقتراب حسْم باسيل لتسمية أزعور، خرجت أصوات كتلة نيابية من «التيار» لتعترض علانية، تزامناً مع كلام حول وضع اسم النائب إبراهيم كنعان، على لائحة بكركي، وهو المرشّح الوحيد من «التيار» الذي تبنّى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إسمه.
لم يكن اجتماع التكتل الأخير بحضور الرئيس عون، الأوّل الذي شهد مواجهةً بين باسيل والنواب المعترضين، إذ سبقه أكثر من لقاءِ مكاشَفة ومصارَحة حاول خلالها باسيل وضع الجميع أمام مسؤولية التوافق على إسم أزعور كخيار نهائي. لكنه اصطدم برفْض هذه المجموعة الموافقة عليه، وإبلاغه برفض التصويت له. فكان الحل، تحت الضغط الذي تمارسه المعارضة على باسيل لحسم موقفه، اللجوء إلى خيار الإستعانة بعون وبكلامه المباشر مع النواب المعترضين علّ بذلك يمكن أن يسحبوا إعتراضهم.
وجهة نظر باسيل ان «التيار» لا يمكن أن يخوض معركة الرئاسة تاركاً المجال للإتيان بفرنجية. اعتراضُه على موقف «حزب الله» يقابله اعتراضه على موقف النواب الذين يجارون في أدائهم الحزب في التضييق عليه والسماح بوصول رئيس «المردة». وعليه كان حاسماً في موقفه من المعترضين، ولا سيما بعد ورود اسم كنعان في اللائحة البطريركية، وبعد ما اعتبره «تمرداً من النواب الذين لم يصبحوا نواباً إلا باختيارهم وبأصوات التيار وليس بجهودهم الإفرادية» وهو كلام ردده عون لاحقاً في الاجتماع الأخير.
واقع ما جرى ان المواجهة وإن بصوت هادىء أفضت إلى نتيجة سلبية. لم يستطع عون إقناعَ المعترضين بخيار أزعور، ولا هم تمكّنوا من تغيير رأي قيادة «التيار» في التوافق مع المعارضة على خيارها. لكن الطرفين حصلا على ما يريدان. باسيل حصل على غطاء عون ومباركته للاتفاق مع المعارضة، لكنه حصل كذلك على عذر الانسحاب المبكّر من أي اتفاق مع قوى المعارضة بحجة وجود اعتراضٍ داخلي، والفريق المعترض حصل على مشروعية تحوّله فريقاً معارضاً وبحضور عون، وتسجيل اعتراضه من دون مواربة.
لكن النتيجة العملية تبقى في صندوق الإقتراع، هل سيقبل النواب المعترضون بوضع اسم أزعور التزاماً بقرار القيادة، كما صرح النائب سليم عون – أشدّ المعترضين قسوةً على اسم ازعور ولكن مع الالتزام بقرار القيادة – أم لا، كما هي حال النواب المعترضون الآخَرون.
وإذا كان باسيل لم يخرج منتصراً من المواجهة داخل «بيته الحزبي»، فإن المعترضين أيضاً لم يتمكنوا من فرض إيقاعهم وخصوصاً أن تسرّب الأصوات تحت هالة عون صعْب أن يحصل. وما زال للرئيس السابق معارك تستوجب حضوره أكثر بعد حسْم تسمية أزعور… والطريق بين باسيل والمعترضين طويلة.
الرأي الكويتية