يبدو واضحا أنكم لا تدركون معايير الواقع الذي نعيشه ومقومات الحياة الراهنة التي نحياها! كما لا تدركون انتهاء الحقبة التاريخية-الثقافية التي هيمنت خلالها الثقافة الدينية على الحياة والتي تقوم أسسها وسلوكياتها على الجَبر بمعيّة تكميم الأفواه بهدف الهيمنة، الدينية والسياسية والاجتماعية، وبمبرر استقرار عادات وتقاليد وأخلاق ذاك الزمان، أي الحقبة الزمنية التي كان مسموحا خلالها التحكّم في شؤون الناس والوصاية على أمورهم.
أو يبدو أنكم تدركون هذا الشي جيداً، لكن أدبيات العمل الديني تدفعكم إلى عكس ذلك.
لقد أصبحت الحياة اليوم بفضل تطور العلم وتقدم التكنولوجيا، وتوسّع العقل الحديث في إدارة الحياة، تُشابه الموج الذي يكبر ويكبر في كل لحظة حتى يغطي كل صوت لا يعي متطلبات الحياة الجديدة وتغيّراتها وآفاقها الاجتماعية والفلسفية.
في ظل هذه التغيرات تألّقت المفاهيم المتعلقة بالحقوق والحريات بحيث بات أي تفكير وتخطيط للتضييق على حقوق وحريات الناس شيئاً من الماضي، شيئاً مثيراً للشفقة، أو كما يتلفظ أخواننا المصريين “دقة قديمة”، وأشبه بممارسات الحكومات المستبدة.
يجب أن تعوا جيدا، حضراتكم، وكل من يفكر مثلكم ويسير على نهجكم، إننا نعيش في واقع جديد تهيمن عليه الحرية بمختلف عناوينها، وتسيطر على شؤوننا مسائل الحقوق بأدق تفاصيلها.
ومهما سعيتم للتحكم في الواقع وأن تهيمنوا عليه وأن تردّوا الحياة غصبا إلى الوراء وإلى التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي تحت عنوان “المحافظة على الثوابت” و”الدفاع عن القيم الدينية”، لن تنجحوا، ببساطة لأن العلوم الحديثة والمفاهيم الحديثة والعقل الحديث والفلسفة الحديثة استطاعت أن تُغرق كل أفكار التحكّم والهيمنة والوصاية والمنع والتراجع.
صيروا أكثر حكمة في التعامل مع الواقع ومشاكله، وخاصة مع فئة الشباب وقضايا الشباب. تمعّنوا في التجارب اللي تحيط بنا، لعل وعسى تستطيعون أن تحافظوا على ما تبقى من احترام لأفكاركم التي أكل الدهر عليها وشرِب، ولمشاريعكم اللي تجاوزها الزمن منذ فترة طويلة.
إذا كانت الأخلاق هي همّكم، فالمجتمع قادر على أن يصيغ أخلاقه مع الواقع الثقافي الراهن دون تدخل منكم للعودة به إلى الخلف. المجتمع قادر على أن يحافظ على أخلاقه من دون مساعيكم للتحكم فيه وجعله تحت وصايتكم. مع ضرورة الإشارة إلى أن ثقافة الحقوق باتت جزءا لا يتجزأ من أخلاق البشرية اليوم، في حين أن حضراتكم ومن والاكم تعادون ثقافة الحقوق، أو بعبارة أخرى لا تستسيغون الحياة الجديدة، وتريدون للأخلاق المنتمية للنصوص التاريخية وللعادات والتقاليد القديمة أن تكون حاضرة اليوم ولو بالوعيد والتهديد، حتى لو رفضها المجتمع أو فشلت هي في إثبات حضورها.
هذا السعي فاشل، وسيفشل مرارا وتكرارا. فلا تشغلوا وقت وجهد المجتمع باقتراحاتكم وموانعكم المثيرة للشفقة والتي لا تتوافق إلا مع الماضي.
إقرأوا الواقع بصورة علمية لا بصورة تاريخية متزمتة، وكأن الحياة ترفض أن تتغيّر ولا تملك إلا نموذجا واحدا للعيش وهو النموذج التاريخي. فأنتم من خلال تبنّيكم القراءة التاريخية لن تنجحوا في مساعيكم من جهة، ومن جهة ثانية سوف تجعلون صورة الدين جامدة، عالقة في التاريخ، ضد التغيير، ومعارضة لكل تطوّر وتجديد.
*كاتب كويتي