لم يكن ينقص المواطن السوري المشرد في أصقاع الدنيا الا القانون رقم عشرة الذي أصدره بشار الأسد قبل شهر ونيف، والقاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، وذلك بمرسوم بناء على اقتراح وزير الإدارة المحلية والبيئة وتعديل بعض مواد المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012.
يستوجب هذا القانون ان يتقدم المالكون في المناطق التنظيمية المستحدثة بوثائق تثبت ملكياتهم، والا فلا حول ولا قوة. الحجة التي يقدمها المقربون من النظام الاسدي تؤكد ان القرار لا يصادر املاك أيٍّ كان، بل يعيد تنظيم المدن السورية التي اجتاحتها عشوائيات تم بناؤها على اراضي الدولة وهي مخالفة للنظام الدستوري والاجتماعي والخدمي في البلاد وقد انتشرت بشكل كبير في العقدين الماضيين.
هذه الحجة تضرب عصفورين بحجر واحد: الأول يقضي بوضع الدول التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين في “خانة اليك”، فترغمهم على التطبيع مع النظام بصرف النظر عما إذا كان هذا التطبيع سيؤدي الى عودة ام لا. وتحديداً لأن اللاجئين المحدودي العدد في الدول الأوروبية لديهم أمل بالحصول على جنسية الدولة التي يقيمون فيها. اما في دول الجوار فالمسائل لها أوجه أخرى.
لبنان يبقى أول من يصوب عليه هذا القانون، ولا سيما مع عودة ودائع النظام السوري الى الندوة البرلمانية والوزارية ربما، والمرحلة المقبلة ستذيب الثلج عن مسألة التطبيع هذه وتكشف المرج الذي قد يفرض التطبيع ويعجز عن الحاق الفرض بعودة السوريين.
اما العصفور الثاني الذي يصوب عليه النظام ضمن خطة متكاملة، فهو تنظيم اللاعودة لهؤلاء اللاجئين. فهو يريد التخلص منهم بغية إتمام التغيير الديموغرافي الساعي اليه في إطار سوريا المفيدة المطلوب تأسيسها خدمة لمحور الممانعة.
لا ضرر لدى هذا النظام ومحوره بتحويل اللاجئين قنابل فتنة موقوتة يحركها القهر والظلم والذل في الآتي من المراحل المقبلة.
وفي حين يستفيض المقربون في القول ان العشوائيات في كل دول العالم تكون دائما بؤرة للمهربين او المتسولين وفي العقد الاخير لاصحاب الفكر المتطرف، لنا ان نقتنع ان سوريين يستطيعون بناء عشوائيات خلال العقدين الماضيين تحت حكم إرهابي منذ قيامه يقمع حتى الانفاس ويتحكم بالبشر والحجر ويزج في السجون بمئات الآلاف من المواطنين الذين يتلفتون حولهم خوفاً، حتى لو كانوا في غرف نومهم.
هذا القانون الذي يدّعي انه يسعى للقضاء على الإرهاب، يستكمل عملية التنظيف الجارية منذ اندلاع الحرب السورية والقاضية بترحيل أهالي مناطق بكاملها تمهيداً لتغيير هويتها وإحكام قبضة النظام على من فيها.
وفي حين يصف المعارضون غير المقاتلين تطبيق هذا القرار بأنه “مهمة انتحارية”، لا يغفل من عايش هذا النظام الإشارة الى انه يهدف الى التدقيق في هوية العائدين وتصنيفهم ومن ثم تصفية غير المرغوب فيهم. كما يشرعن توطين المؤيدين له في اغنياء مؤيدين وطارئين تمّ تجنيسهم. والأخطر انه سيكرس تهجير الفقراء الى غير رجعة ويسمح للاغنياء من الموالين للنظام بوضع اليد عبر تشريعات غبّ الطلب على مناطق بأمّها وأبيها، إضافة الى حرمان المعارضين من أصولهم.
يعني ضربة معلم، ولا سيما اذا أفادت الأرقام ان أكثر من 11 مليون سوري هُجِّروا من وطنهم. وتشير الإحصاءات التقريبية الى ان 17% منهم فقط يملكون وثائق تثبت ملكيتهم. اما عن النازحين الى مناطق في الداخل السوري، فأرقام الأمم المتحدة تشير الى ان 9% منهم فقط يملكون وثائق تثبت ملكيتهم.
يذكّرنا هذا القرار وما سوف يستتبعه من تغيير للتركيبة السكانية والمدنية السورية، بتهجير الفلسطينيين، الذين عملت الوكالة الصهيونية على استبدالهم بمهاجرين يهود في اربعينات القرن الماضي وخمسيناته.
لكن المقيت في طرح الموضوع يبرز عندما يشرح ابعادَ القانون وببراءة مقرزة كلُّ من يدور في فلك النظام الاسدي ابتداءً من رأس الهرم وليس انتهاءً بأيّ محلل او منظّر لهذا النظام.
فالهدوء والثقة والبرودة واللامبالاة مزايا تدمغ كلامهم وسلوكهم. وكأن لا شيء يحصل على أرضهم. وكأن كل هذين الموت والهرب اللذين أفضيا الى تفريغ سوريا من نصف سكانها، لا يهمّان. المهم إزالة العشوانيات وإعادة الاعمار وفق رؤية جديدة فرضتها استراتيجيات محور الممانعة القاضية بإحداث أوسع وأوسخ تغيير ديموغرافي في مطلع القرن الحادي والعشرين.
ويعجبون إن اعترض من يستضيف اللاجئين على توقيت هذا الإصدار. او هم يسخّفون الخوف لدى الدول واللاجئين على حد سؤال من ان يؤدي هذا القانون الى اقتلاع نهائي لمن نزح بحيث لا يعود او حتى يحلم بالعودة. على أي حال، معروف ان النظام الاسدي يراقب الاحلام ويحاسب ويعاقب عليها. ويستحق عن جدارة علامة 10%10 في امتحان الجريمة الموصوفة، ابتداءً من التعفيش وليس انتهاءً باستخدام الأسلحة الكيميائية.
sanaa.aljack@gmail.com
النهار