(الصورة: رئيس إيران (بالتزوير) إبراهيم رئيسي خلال اجتماع مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان في طهران يوم الاثنين)
قد لا تشير التطورات الأخيرة، المتمثلة باللقاءات الدبلوماسية والفنية، إلى بدء ذوبان جليد العلاقات بين السعودية وإيران، أو إلى اقتراب العلاقات الثنائية بين البلدين من التطبيع. وإنما قد تشير إلى دخول طرفي المواجهة في مرحلة جديدة من الصراع الليّن، كل لصالحه، من أجل حلحلة بعض الملفات.
كان آخر هذه اللقاءات ما شهدته العاصمة الأردنية عمّان من جلسة حوار غير رسمية قبل يومين، شارك فيها خبراء من السعودية وإيـران وتناولت قضايا أمنية بينها الملف النووي الإيراني بمشاركة سفراء ودبلوماسيين وأكاديميين من الطرفين شاركوا بصفتهم الشخصية.
وشهد العام الجاري أربعة اجتماعات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين في بغداد، فيما عُقد لقاء خامس على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ورغم أن حدوث الاجتماعات هو بحد ذاته أمر إيجابي، إلا أن الملفات التي زعزعت العلاقات بين البلدين وساهمت في قطعها أعقد من أن تساهم الاجتماعات في معالجتها. خاصة ما يتعلق بالمشهد اليمني والدور العسكري السعودي فيه، والذي يحتاج الحل فيه إلى تغيّر دراماتيكي على الأرض، وهو ما قد يؤثر في طبيعة العلاقات الراهنة بين البلدين. إضافة إلى أن أزمات سوريا ولبنان والعراق، والتي تشترك أطراف دولية عدة فيها (لا الرياض وطهران فحسب) يجعل أي مباحثات ثنائية حولها بمثابة تطور يُبنى عليه لتحقيق مكاسب غير واضحة المعالم.
وحسب « سانام فاكيل » – نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمركز “تشاتام هاوس” في لندن – فإن إيران راغبة أكثر في تحسين علاقاتها مع السعودية، موضحة أن “إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سترسل رسالة إلى المنطقة بأسرها مفادها أن طهران قوة إقليمية يجب (على بلدان المنطقة) التعامل معها”.
وأكدت فاكيل أن السعودية أيضا أعطت أولوية لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية من خلال قبولها الولوج في هذه الاجتماعات. وأشارت بأنه “لا يمكن إنهاء الحرب في اليمن وتحقيق رؤية 2030 وجذب استثمارات جادة إلى السعودية دون وجود تهدئة مع إيران”.
ويبدو أن دافع إيران لتعامل دول المنطقة معها، أو، بعبارة أخرى، لتغيير المعادلة السياسية الإقليمية، هو الضغط على الموقف الأمريكي والغربي بشكل عام فيما يتعلق بالنزاع النووي معها. وهو موقف تسعى طهران من خلاله لإيصال رسالة تقول من خلالها إن الضغوط الغربية المتعلقة بالملف النووي لا يجب أن تؤثر على علاقات طهران بدول المنطقة، ويجب على الغرب أن يبتعد عن التدخل في شؤون دولها، وأن مشاكل هذه الدول مع إيران هي شأن إقليمي.
لكن لا يمكن فك أي عقدة في العلاقات السعودية الإيرانية من دون وجود تحرك جدّي لصالح حلحلة النزاع في اليمن على وجه الخصوص. وجولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الخليجية الأخيرة أثبتت بأن الرياض، بل وعواصم خليجية، لا تسعى لمواجهة عسكرية مع طهران، لكنها تشعر بالقلق من أنه حتى لو اتفقت القوى الغربية على اتفاق نووي مع طهران، فإن دعم إيران العسكري للحوثيين وللفصائل المسلحة في جميع أنحاء المنطقة ونشرها للطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية سيستمر في تعريض أمنها للخطر.
لذلك، لابد من تغيير هذه السياسات، أو بعبارة أخرى، يجب أن تثبت طهران بالوقائع التزامها بضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويُعتقد بأن وجود الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي في الحكم، سيسهّل أي عملية انفراجة سعودية ايرانية، كون القرار السياسي الإيراني لن يبقى رهينة الصراع الداخلي بين المحافظين والاصلاحيين رغم الكلمة الأخيرة في هذا الإطار والتي هي عادة للمرشد الأعلى. غير أن الجانب السعودي يعي بأن ليونة الصراع مع إيران لا يكمن فحسب في هيمنة المحافظين في الداخل، بل يكمن أساسا في خططهم الساعية إلى الهيمنة الخارجية على المنطقة في ظل وسائل عديدة يتبنونها لتحقيق ذلك، كالملف النووي.
وفي القمة الخليجية التي عقدت الثلاثاء، شدد القادة، بما يتوافق مع السياسة السعودية، على مسألة “التلاحم الخليجي” في مواجهة العديد من التحديات.
ولعل أبرز تلك التحديات هي العلاقات مع إيران وما يتعلق بسياساتها في المنطقة. وأبرز ما جاء في هذا الإطار أن أي هجوم عسكري يستهدف أي دولة خليجية سيُعتبر هجوما على جميع دول مجلس التعاون، في إشارة واضحة إلى النزاع اليمني والهجوم الصاروخي الحوثي على السعودية والدور الإيراني الداعم للحوثيين.