لم تكن إعادة انتخاب “شي جينبينغ” زعيما للصين لفترة ثالثة مدتها خمس سنوات في ختام أعمال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الحاكم في بكين حدثا مفاجئا، انما جاءت المفاجأة من صعود “لي تشانغ Li Qiang” إلى مرتبة الرجل الثاني في الدولة والحزب.
فالأخير، الذي كان إلى وقت قريب زعيما للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي (من أكتوبر 2017 إلى أكتوبر 2022)، وكان قبله زعيما للحزب في جيانكسو (من يونيو 2016 إلى أكتوبر 2017)، وحاكما لإقليم جيجيانغ الريفي شرق الصين (من ديسمبر 2012 إلى يونيو 2016) سيصبح بهذه الصفة رئيسا للحكومة وساعدا ايمن لزعيم البلاد القوي، بل سيؤهله ذلك لقيادة الصين يوما ما (خصوصا وأنه من مواليد العام 1959 أي أنه في الثالثة والستين)، على نحو ما حصل عدة مرات في الصين منذ رحيل المعلم ماو تسي تونغ سنة 1976.
شكل الحدث مفاجأة لكل المراقبين ووسائل الإعلام في الداخل والخارج لأن الجميع فشل في توقع اسم “لي تشانغ” في موقع الرجل الثاني في قيادة الصين، والشخصية البديلة للرفيق”لي كه تشانغ”، رئيس الوزراء المطاح به مع 3 آخرين في مؤتمر الحزب الأخير من ضمن السبعة الذين يشكلون اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم، إذ كانت التوفعات السائدة هي أن رئيس الوزراء القادم سيكون “وانغ يانغ”، لكن الأخير كان من بين الأربعة الذين تمّ إقصاؤهم لصالح مجموعة جديدة أصغر سنا.
لكن ما هي الأسباب التي أدت إلى صعود “لي تشانغ”؟ أو بعبارة أخرى ما هي العوامل التي ساهمت في اختياره من قبل سيده “شي جينبينغ”؟
الحقيقة أن ولاء الرجل التام لسيده هو أحد هذه العوامل، حيث جرت العادة في الانظمة الشمولية أن يسبق الولاء للقائد اي شيء آخر عند التعيينات العليا. وتشانغ أثبت ولاءه منذ ان كان مساعدا لجينبينغ في إدارة إقليم جيجيانغ وكاتبا لخطبه. غير أن ولاءه هذا تصحبه أيضا مؤهلات علمية وقدرات عملية من تلك التي يحتاجها جينبينغ لتحقيق أحد أحلامه وتطلعاته ذات الصلة بمستقبل الصين والمتمثلة في تحويل البلاد إلى دولة تديرها حكومة رقمية ذكية. فالمعروف على نطاق واسع أن جينبينغ يرى ضرورة أن توكل عملية تحقيق هذا الحلم الى مؤسسات القطاع الخاص بعد أن ثبت لديه بالدليل القاطع ان مثل هذه المهمة لو أعطيت لشركات القطاع العام التابعة للدولة فانها ستقوى نفوذا وسلطة وتزداد فسادا.
وإذا ما أخذنا كل ذلك في الإعتبار، فإن “لي تشانغ” هو الشخص الأنسب والأقدر لتولي المهمة، كونه من المتمرسين في مجال تكنولوجيا الأعمال ومن أشد المؤمنين بأن مستقبل الصين يكمن في الاقتصاد الرقمي، بل يرى أن لا مستقبل للصين إلا بتنمية هذا القطاع وتطويره والانفاق عليه. هذا ناهيك عن أنه صاحب سجل حافل في الابتكار المالي والاقتصادي في منطقة التجارة الحرة بشنغهاي، وكان صوت “جاك ما يون” رجل الأعمال الصيني الناجح ومؤسس “مجموعة علي بابا القابضة” الضخمة العاملة في مجال التجارة الإلكترونية داخل أروقة الحزب الشيوعي الصيني. ومن ناحية أخرى يعتبر الرجل مؤهلا أكاديميا للاضطلاع بمهمته فهو خريج ادارة الاعمال، وحاصل على درجة الماجستير من “جامعة هونغ كونغ بوليتكنيك” التي تعد الجامعة رقم 1 على مستوى آسيا ولا ينافسها إلا المعهد الهندي للتكنولوجيا في بومباي (IITB).
صحيح أن الرجل فشل، بصفته السابقة كزعيم لمدينة شنغهاي، في الحيلولة دون ظهور كوفيد 19 مجددا في هذه المدينة الكبرى، بدليل عودة الوباء اليها فجأة خلال الاشهر القليلة الماضية، ما أحرج القيادة الصينية وأفزع العالم مجددا خصوصا وان بكين كانت على وشك الاحتفال رسميا بانتصارها التام على الوباء (لعل فشله هذا هو ما جعل المراقبين يستبعدون صعوده ولا يتوقعونه).
لكن الصحيح أيضا هو أن تشانغ برهن عمليا أكثر من مرة على قدرات ادارية فذة خلال شغله منصب سكرتير الحزب الشيوعي في شنغهاي لاسيما لجهة جذب الاستثمارات الخارجية، فمثلا، بالرغم من ظروف الصين الوبائية الحرجة في أوج جائحة كورونا عام 2021، نجح في زيادة الاستثمارات الأجنبية بنسبة 32 بالمائة، وكان قبل ذلك استطاع أن يقنع الملياردير الأمريكي ألون ماسك صاحب شركة تسلا للمركبات الكهربائية بالقدوم إلى الصين والاستثمار فيها. ليس هذا فقط بل قام تشانغ بجهود جبارة كي يثبت لماسك أنه استثمر أمواله في المكان الصحيح. ففي خلال عشرة أشهر من توقيع عقد المشروع المشترك مع ماسك لتصنيع الآلاف من السيارات الكهربائية سنويا، كانت استثماراته الصينية قد انتقلت بصورة مدهشة من مرحلة الانشاء إلى مرحلة التشغيل والتفريخ.
ونخالة القول، أن كل المؤشرات تفيد بأن جينبينغ قد وجد ضالته في معاونه القديم تشانغ ليرافقه في تحقيق كل او بعض ما جاء في تقريره الأخير أمام المؤتمر العشرين للحزب الحاكم، وهو تقرير ركز فيه الزعيم الصيني على الابتكار التكنولوجي وتطوير المواهب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، من اجل جعل الصين اقتصادا متفوقا بحلول عام 2035، الأمر الذي يستوجب تحقيق معدلات نمو سنوية تتراوح ما بين 4 إلى 5%.
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي