هل فعلا تغريدة الوزيرة غدير أسيري قبل ٨ سنوات والمتعلقة برفضها دخول “قوات در ع الجزيرة” إلى البحرين، هي التي أججت الإسلاميين ضد توزيرها، أم التغريدة هي مجرد “شمّاعة” ومبرّر لتحقيق أمر آخر؟
يبدو بيان التجمع السلفي المعارض لتوزير أسير، هو الأوضح حتى الآن في كشف ملابسات رفض الإسلاميين لوجودها على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية والتي تُعتبر وزارة حساسة بالنسبة إلى مصالحهم. فغالبية معارضي توزيرها، من نواب إسلاميين وغيرهم، ركّزوا على تغريدة البحرين واعتبروا بأنها تكفي لإزاحتها من المنصب الجديد، لكنهم شاهدوا كيف كان موقفهم ساذجا ومتناقصا وغير مقنع ودالًّا على ضيق أفق في التعامل مع حراكات الشعوب.
“التجمع السلفي” كان واضحا وصريحا في طرح أسباب معارضته لتوزيرها. فقد أشار في بيانه إلى ثلاثة مواضيع رئيسية تكشف حقيقة رفض وجودها على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية.
الموضوع الأول هو حملة وزارة الأوقاف لدعم حجاب المرأة من خلال عمل إعلاني في الشوارع وفي الصحف، والتي كانت الوزيرة قد انتقدت الدور الحزبي، أو دور جمعية الإصلاح وجماعة الإخوان، فيها، لكنها لم تنتقد “الشعيرة” أو ذات الحجاب. ويبدو أن التجمع، أو الإسلاميين كافة، متحسّسون إلى حد كبير من أي إشارة ناقدة لموضوع الحجاب، حتى لو كانت هذه الإشارة فكرية ثقافية، أو كانت تخص الأسلوب المتّبع في الإعلان، خاصة وأن هناك موجة احتجاج ثقافية في المجتمع، ليست كبيرة ولا هي بصغيرة، تدعو لنزع الحجاب، أو تنتقد الفهم الديني الداعي إلى الالتزام به بصورة تاريخية غير قابلة للنقاش، وبالذات الفهم المطالب بالتقيد بالحجاب باعتباره “مسلّمة” خاضعة لنمط خاص من الفهم، وتسقيط كل من يعارض هذا الفهم. فنصل إلى نتيجة “مروّعة” للعقلية الدينية الساعية إلى السيطرة والهيمنة، مفادها أن الحجاب أصبح مهددا في المجتمع بصورة علنية وجريئة، وأن الوزيرة غدير هي أحد المشاركين في هذا التهديد في ظل تبنيها لأفكار تحررية.
الموضوع الثاني هو دور الأسرة في المجتمع، حيث يتبنى التجمع السلفي الرؤية الدينية السلفية المناهضة لأي انفتاح أو تحرّر للأسرة. ويجب الإشارة هنا إلى أن المجتمع الكويتي لا تسيطر عليه صورة نمطية واحدة للأسرة وهي الصورة الدينية، وبالذات السلفية، بل تختلف وتتنوع هذه الصور باختلاف توجهاتها وبتنوع سلائقها، من دينية سلفية، ودينية غير سلفية، ودينية محافظة، ودينية شيعية، ومنفتحة، وعلمانية، وليبرالية، وغيرها من الصور. فالنماذج الأسرية المختلفة، تتنوع بتنوع التوجهات والمذاهب والأفكار والثقافات. ومسؤولية الوزيرة تكمن في احترام هذا التنوع الاجتماعي الأسرى، وفي رفض مساعي العمل إنطلاقا من الالتزام بنموذج ونمط خاص، سواء كان هذا النموذج إسلاميا بناء على رغبة التجمع السلفي أو غيره من الأصوات الإسلامية، أو كان هذا النموذج ليبراليا منفتحا، أو كان محافظا.
أما الموضوع الثالث، والأكثر حساسية والذي قد يخلق صداما مع الوزيرة، فيتعلق بالعمل الخيري والإشراف عليه. وهو في تصوري مربط فرس العديد ممن عارضوا التوزير، وخاصة ممن يساهمون بشكل فعال في هذا النشاط. فلا تزال العديد من المخالفات تسجل حول العمل الخيري. وهناك سابقة تتعلق بقيام الولايات المتحدة بتجميد أصول جمعية إحياء التراث، التي ينتمي إليها أعضاء التجمع السلفي، حيث جمدت وزارة الخزانة الأمريكية أموال الجمعية قبل سنوات للاشتباه في تمويلها ما سمته أنشطة إرهابية. فهل يخشى التجمع من تشديد الوزيرة للرقابة على هذه الأنشطة، ومن عدم القدرة على التفاهم معها حول وجود مخالفات؟ هل يريد التجمع من الحكومة أن تعيّن وزيرا للشؤون يستطيع أن “يمرّر” المخالفات؟ بل، لماذا لم تسجل اللجان الخيرية التابعة للجمعية إنجازاتها في مؤشر الأمم المتحدة؟
إن العمل الخيري الكويتي، رغم سمعته الطيبة الواسعة حول العالم، إلا أن بعض ثغراته خطيرة وقد تُعرض الكويت لمخاطر وهزات. ويبدو، كما تشير بعض الدلائل والتوقعات، أن حكومة الشيخ صباح الخالد أمام تحدٍ لمعالجة بعض المفاسد، وإلا فإن مصيرها لن يكون بعيدا عن مصير حكومة الشيخ جابر المبارك.