“لا نهتم إذا كان الرئيس مسيحيًا أو مسلمًا أو بوذيًا أو ملحداً ولكن لا نقبل أن يكون فاسدًا”
في صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ ليوم الثلاثاء 26 نوفمبر رابط خارجيالجاري، قدّم كريستيان فايسفلوغ تحليلاً للوضع في لبنان مركّزاً على دور مدينة طرابلس والنساء فيها في الثورة التي تشهدها البلاد، واستهله قائلاً: “كانت مدينة طرابلس الساحلية في لبنان مسرحاً للفقر والإرهاب والصراع الدامي بين المتطرفين من السنيين والعلويين، أمّا الآن فتمثل ثاني أكبر المدن اللبنانية قلب الثورة اللبنانية، وذلك أيضاً بفضل قوّة نساءها”.
وينقل عن “الطالبة والصحفية والناشطة” ميساء ريز قولها: “مدينتنا كانت توازى بالإرهاب.. ولكنها تُعتبر الآن عروس الثورة”، وينطلق بعدها ليلخص قصة “الثورة اللبنانية”، منذ انطلاقها في 17 أكتوبر 2019، مروراً “باستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في 29 من الشهر ذاته، وذلك تحت ضغط الشارع” ووصولاً إلى تراجع الاحتجاجات في بيروت اليوم. وهنا تبرز مدينة طرابلس التي اختار المراسل السويسري التركيز عليها، ففيها “لا تزال المظاهرات مستمرة وخصوصاً في ساحة النور وذلك كلّ مساء”.
فايسفلوغ كان على عين المكان، ويقدم في مقالته الطويلة وصفاً مفصّلاً للأجواء في الساحة وتصميم الناس المتواجدين فيها على الاستمرار إلى أن “يتنحى الرئيس ويُحلّ البرلمان”، كما تقول إحدى اللافتات المعلقة على بناء مهجور يطل عليها. هذه “التجمعات المسائية” تحولت كما يقول الصحفي إلى روتين يومي، يقوم المُسنون والعائلات بالطبخ والشواء وإعداد الخبز وصناعة وشرب القهوة والتدخين وما إلى ذلك، بينما يتجمّع الشباب في المنتصف ويردّدون هتافاتهم ومنها “نحنا الثورة الشعبية وانتو الحرب الاهلية”، ما يصفه فايسفلوغ “بالرفض الواضح للنخبة القديمة، التي تحافظ على سلطتها من خلال إعادة إشعال النزاع بين السنة والشيعة والمسيحيين”.
“النساء هم الثورة”
ريز، الشابة التي يكرر فايسفلوغ اقتباس أقوالها، ركزت على دور النساء في هذه الثورة، اللاتي “تعطي مشاركتهن شعوراً بالأمان، عندما يشاركن بأعداد كبيرة”، وهذا رأي الرجال أيضاً، حيث يبدو أنّ قوات الأمن والميليشيات تخفف من استخدام العنف ضد المتظاهرين في حال شاركت النساء، ما دفع الرجال إلى دعوتهن إلى تقدم المظاهرات، كما حرّف المتظاهرون النشيد الوطني ليشمل النساء أيضاً في كلماته. فايسفلوغ رافق أيضاً كريم شبارو، وهو شاب يعمل في شركة إدارة غير حكومية وتابع آرائه المتناسقة مع آراء ريز، ولكنه يُشدد على مسألة الفقر في المدينة التي لا يهتم السياسيون بمكافحتها، ويقول: “كلما زاد فقر الناس سهل عليهم (السياسيين) شراء أصواتهم”.
في مقالته، يستعيد فايسفلوغ تاريخ مدينة طرابلس ذات الأغلبية السنّية منذ بداية “انحطاطها” أيام ياسر عرفات والحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 في لبنان، حيث ساندت المدينة منظمة التحرير الفلسطينية، التي قادت من داخل لبنان حرب عصابات ضد إسرائيل، ومن ثم دخول الجيش السوري إليها واعتماده على الأقلية العلوية في المدينة والحزب الديمقراطي العربي وميليشياته التي قتلت الكثير من العائلات السنية، وبعد ذلك اغتيال رفيق الحريري وزيادة نفوذ حزب الله في لبنان، ومن ثمّ عودة المجازر في الشوارع في عام 2005 التي استمرت إلى عام 2015، بحسب الصحفي. أما آخر مثال يذكّر به فايسفلوغ – الذي حرص من خلال عرضه التاريخي هذا على توضيح سبب الصورة القاتمة للمدينة – فيتلخّص في “هجومين إرهابيين على مساجد سلفية” في عام 2013، خلفا 47 قتيلاً و800 جريح.
جيل التغيير
بعد الاستشهاد بأقوال عدد من المتواجدين والناشطين في مدينة طرابلس – من بينهم حذيفة سعيد، أحد شيوخ الطائفة السنيّة – يستنتج المراسل بروز جيل جديد يسعى إلى التغيير ويتمتع بالتسامح والانفتاح، وينقل عن سعيد قوله: “في الساحة الجميع سواسية ومتحدون تحت الراية اللبنانية“، فالأجيال الجديدة لا تثق بالسياسيين ومن غير المحتمل أن تتكرر الصراعات القديمة من جديد، “فالجميع يشارك الألم نفسه”.
الجميع متفق على أنّه “لا ينبغي للثورة أن تفشل”، كما تقول مريم باشات، إحدى اللواتي التقى بهم فايسفلوغ، الذي يصل إلى نتيجة مفادها أنه “في كلّ حرب هناك ثلاثة أجيال: الأول يعيش الحرب، والثاني يخشى أن يعود إليها، والجيل الثالث لم يعد خائفًا ويريد التغيير. في لبنان ومنذ عقود، يجب على الرئيس أن يكون مسيحيًا، وعلى رئيس الوزراء أن يكون سنيًا وعلى رئيس البرلمان أن يكون شيعيًا، لكن باشات تقول اليوم: “أحتاج إلى حقوقي، أحتاج إلى الكهرباء، أحتاج إلى المدارس والرعاية الصحية. يموت الناس هنا أمام أبواب المستشفيات لأنه لا تأمين صحي لديهم. نحن لا نهتم إذا كان الرئيس مسيحيًا أو مسلمًا أو بوذيًا أو ملحداً ولكن لا نقبل أن يكون فاسدًا”.