من المقرر أن تعقد مجموعة العشرين G20 (تأسست رسميا في سبتمبر 1999، وتعد منتدى دوليا لمناقشة السياسات المتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي العالمي ومعالجة القضايا الدولية بحضور قادة اوإ ممثلي 19 دولة صناعية + الاتحاد الأوروبي، علما بأن دول المجموعة تمثل مجتمعة حوالي 90% من اجمالي الناتج العالمي، و80% من التجارة الدولية وثلثي سكان العالم وحوالي نصف مساحة اليابسة) قمتها المقبلة في جزيرة بالي الأندونيسية في أكتوبر المقبل.
يرى بعض المراقبين أن هذه القمة سوف تكون تحديا وامتحانا صعبا للدولة المضيفة كونها تأتي في ظل ظروف وتعقيدات عالمية غير مسبوقة ناجمة عن الصراع الحالي بين القوى العالمية الكبرى بعد قيام روسيا الاتحادية، وهي دولة مؤسسة للمجموعة وعضو بارز فيها، بغزو أوكرانيا، خصوصا وأن مصادر دبلوماسية روسية ألمحت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتزم حضور القمة رغم علمه المسبق بأنه سوف يواجه انتقادات ومواقف غير ودية من قبل بعض الأعضاء الكبار. ويرى فريق آخر من المراقبين أن القمة قد لا تنعقد في تاريخها المحدد بسبب مقاطعة محتملة من دول عديدة إذا ما تأكدت مشاركة بوتين في أعمالها. بينما يرى فريق ثالث أن بوتين سيوفر الحرج على نفسه وعلى الدول المضيفة عبر إيجاد مبرر ما لعدم مشاركته شخصيا في قمة بالي، خصوصا وأنه تذرع بجائحة كورونا للغياب عن قمة المجموعة السابقة التي عقدت العام الماضي في العاصمة الإيطالية. هذا ناهيك عن أنه خفض في الأعوام الأخيرة رحلاته إلى الخارج، فلم يزر العام الماضي مثلا سوى سويسرا والهند للإجتماع في الأولى بالرئيس الأمريكي جو بايدن وللقاء نظيره الهندي مودي في الثانية. وأكتفى في العام الجاري برحلة إلى بكين للإجتماع بالزعيم الصيني جينبينغ.
والحقيقة أن التوقعات حول القمة المذكورة بدأت تثير منذ الآن ردود أفعال متباينة، منها أن رئيس الحكومة الأسترالية سكوت موريسون قال معلقا: “إن منح بوتين مقعدا في القمة خطوة مستبعدة جدا”، ومنها أيضا ما قاله مسؤول كبير سابق في الخارجية الأمريكية من أنه لا يمكن تخيل مشاركة بوتين في قمة العشرين القادمة.
غير أن الرئيس الأندونيسي جوكو ويدودو يعتقد أنه قادر على استضافة القمة وقيادتها، بل والوصول بها إلى شاطيء الأمان دون عراقيل معتمدا على مهاراته في اقناع نظرائه من قادة المجموعة بوضع الملف الأوكراني جانبا والتركيز على القضايا الاقتصادية التي تهم العالم والتي تأسست مجموعة العشرين أساسا من أجلها. ويُعتقد أن ويدودو تعمد، في تعليقه على أحداث أوكرانيا الشهر الماضي، أن يكون محايدا قدر الامكان كي يكسب ود الجميع ويتفادى إغضاب روسيا أو أي من خصومها، فقد أصدر بيانا وصف فيه غزو أوكرانيا بالعمل “غير المقبول”، دون أن يشير إلى روسيا أو يستخدم كلمة “غزو”، كما حث مجلس الأمن الدولي على التدخل للحيلولة دون تفاقم الأوضاع في أوكرانيا. ومما قيل، في السياق نفسه، أن بعض مساعدي الرئيس الأندونيسي اقترحوا عليه أن تمتنع اندونيسيا عن التصويت على قرار إدانة روسيا في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثاني من مارس المنصرم، لكن ما حدث هو أن أندونيسيا كانت من بين 141 دولة صوتت لصالح القرار مع استبعاد فكرة فرض عقوبات على موسكو. وفي خطوة تلت التصويت بعدة أيام سارعت وزيرة الخارجية الإندونيسية “ريتنو مارسودي” بالإتصال بنظيرها الروسي “سيرجي لافروف” لتوضح له موقف بلادها القائم على تجنب التورط في صراعات القوى الكبرى، والالتزام بسياسات خارجية عمادها دعم فرص الحوار والعمل الدبلوماسي تحقيقا للسلام.
في مقابل ثقة ويدودو العالية بقدرة بلاده على تجاوز الإشكالات المحيطة بالقمة، لوحظ ارتفاع أصوات سياسية وأكاديمية في جاكرتا تطالبه بطرح الملف الأوكراني على القمة واستخدام منصبه كرئيس حالي لمجموعة العشرين في ايجاد حل للقضية بدلا من التهرب منها إلى القضايا الإقتصادية، التي من الصعب مناقشتها اليوم دون اقحام الموضوع الأوكراني فيها كون الأخير تسبب في أزمة طاقة عالمية وأشعل حربا ومقاطعات تجارية ومصرفية وأثر على سلاسل توريد الغذاء.
لقد قيل أن مواقف ويدودو الحائرة ناجمة عن قلة خبرته في الشؤون الخارجية، لكن من الواضح أيضا أن حرصه على تجنب إغضاب موسكو انعكاس لموقف الشارع الإندونيسي المسلم المعادي في غالبيته للولايات المتحدة والغرب والمتعاطف مع روسيا، خصوصا في ظل عدم اتضاح الصورة لدى قطاع كبير من العوام ممن يعتقدون أن روسيا تخوض حربا ضد الانفصاليين المدعومين من الغرب. والمعروف أن مثل هذا الاعتقاد يثير العواطف في بلد له تاريخ طويل وصراعات مريرة مع الحركات الانفصالية.
من جانب آخر، يثير البعض فكرة دعوة أوكرانيا لحضور قمة بالي جنبا إلى جنب مع العديد من الدول غير الأعضاء والمنظمات والمؤسسات الدولية والاقليمية المدعوة. وهذه الفكرة، التي تحظى بتأييد عدد من دول المجموعة وتقاومها موسكو وبكين تحديدا، لو نـُفذت فإنها ستحول أجواء القمة إلى ساحة حرب ملتهبة.
د. عبدالله المدني
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: مايو 2022م