تواجه المفاوضات الدولية مع إيران لإبرام اتفاق نووي معضلة صعبة مع الاصطدام بحائط رفع الحرس الثوري عم لائحة الإرهاب الأميركية، ما يضع المفاوضات أمام منعطف محوري وحاسم في الأسابيع المقبلة.
مطلب رفع الحرس الثوري من لائحة الإرهاب التي وضعته واشنطن عليها في 2019 يواجه اليوم عدة عراقيل أهمها:
– شرخ داخل فريق روبرت مالي: مطلب رفع الحرس عن لائحة الإرهاب جاء من إيران في بداية العام عبر الأوروبيين وكان رد الفريق التفاوضي الأميركي الذي يقوده روبرت مالي بأنه سيناقشه في واشنطن. ونجح مالي إلى حد كبير بإقناع المعنيين بضرورة اتخاذ هكذا خطوة لحصد الجائزة الأكبر وهي عودة إيران إلى الاتفاق واحتواء برنامجها النووي.
لكن حجم المطلب وحقيقة أن ليس له علاقة مباشرة بالاتفاق النووي أحدث شرخاً مبكراً داخل فريق مالي ودفع بخروج ريتشارد نيفيو وأريان تاباتاي في بداية العام ودانيال شابيرو لاحقاً من الفريق.
وحين تم تسريبه إعلامياً لجس النبض، واجه معارضة أشرس من شركاء واشنطن في المنطقة وخصوصا إسرائيل ودول الخليج، ومن مشرعين ديموقراطيين وجمهوريين في الكونغرس.
– تردد البيت الأبيض: المعارضة النيابية ورد الفعل الإعلامي خلق ترددا في البيت الأبيض الأقل حماسة حول نهج مالي والمفاوضات. وتمت ترجمة ذلك بتسريبات بأن الرئيس جو بايدن لا ينوي اليوم القيام بهذه الخطوة.
بايدن يواجه اليوم مطبات التضخم الاقتصادي، وارتفاع أسعار النفط وشبح خسارة الديموقراطيين مجلسي الشيوخ والنواب في نوفمبر، موعد الانتخابات النصفية. وهو بغنى عن مأزق داخل حزبه ومع الرأي العام حول الحرس الثوري الإيراني.
فاليوم المواطن الأميركي لا يتابع عن كثب المفاوضات مع إيران إنما الذاكرة الجمعية الأميركية حول الحرس الثوري هي قاتمة وتربطه بخطف وقتل أميركيين من بيروت إلى بغداد إلى الأرجنتين. لذلك نرى أن الخارجية تتراجع عن الاقتراح اليوم، وعادت للحديث عن اتفاق نووي، لا أقل ولا أكثر، لأن السياسة تعود دائما إلى الحلبة الداخلية، وإلصاق بايدن كشخصية متعاطفة مع الحرس ولو أن ذلك غير صحيح، سيؤذي الديموقراطيين في ولايات محورية مثل فلوريدا وبنسلفانيا.
– السبب الثالث هو أن الكونغرس أمامه مهلة 30 يوما لمراجعة أي اتفاق مع إيران وبالتالي فعامل الوقت لا يلعب لصالح فريق رفع الحرس الثوري: فرسالة 18 مشرعا ديموقراطيا من مجلس النواب تعارض الخطوة ومعارضة شخصيات ديموقراطية بارزة في مجلس الشيوخ مثل جو مانشين وبوب مانينديز تعني عمليا أن الكونغرس لن يوافق على اتفاق يتبنى هكذا خطوة. والانتظار إلى ما بعد الانتخابات النصفية يعني معارضة أقوى بسبب المقاعد التي قد يحصدها الجمهوريون.
بالنسبة لإيران أمامها خيارات هامة اليوم. هل رفع الحرس هو أهم من الاتفاق؟ قد يكون المرشد الأعلى علي خامنئي قرر أنه لا يريد الاتفاق، وهو يبيع النفط للصين وبالتالي يضع مطالب تعجيزية على الأميركيين. هذا يعني أننا على وشك سيناريو مواجهة وتصعيد لوقف القطار الإيراني للتسلح النووي.
الخيار الثاني أمام خامنئي هو الدخول في اتفاق نووي محض وهكذا اتفاق هو جاهز اليوم، بموافقة الأميركيين والأوروبيين. وهكذا اتفاق يتيح لإيران مع الوقت بيع نفطها للخارج والدخول كبديل لروسيا الغارقة حتى أنفها في أوكرانيا. إنما هذا اتفاق لن يعطي طهران انتصارا معنويا برفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب ولن يناقش البنود الإقليمية.
هذان الخياران يلخصان مفترق المفاوضات الإيرانية مع الغرب. القرار كما كان منذ عام ما زال اليوم في جعبة خامنئي، فهل يختار الواقع الحالي ورفض الاتفاق وبيع نفطه للصين، أم ينعطف استراتيجيا من دون إحراج بايدن ويفتح السوق الأوروبي أمام طهران؟
الأسابيع المقبلة قد تكشف ذلك وكون الساعة النووية وساعة السياسة الأميركية في سباق مشترك وفرصة المفاوضات لن تستمر بعد الخريف المقبل.