تتلاحق المبادرات الأردنية من أجل استكمال التطبيع مع النظام السوري بعد ثلاث سنوات على إعادة فتح المعابر بين البلدين.
ومن اللافت، قيام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بتدوير الزوايا خلال زيارتيه في الشهرين الأخيرين، إلى واشنطن وموسكو. لكن التعقيدات في التقاطعات حول الملف السوري، وتضارب مصالح اللاعبين الإقليميين وعدم وجود وفاق أميركي -روسي تقود للشك بنجاح سريع لهذا الحراك الأردني الطامح لاستعادة مكانة عمان في المشهد الجيوسياسي.
يندرج هذا الجهد، على الأرجح، في إطار مسعى “إعادة سوريا إلى النظام العربي الرسمي ممثلاً بجامعة الدول العربية” وربما يخفي فكرة إبعاد النظام عن طهران أو على الأقلّ تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، فيما يتطابق أيضاً مع الأجندة الإسرائيلية. وفي تفسير لأسباب الاندفاعة الأردنية في الفترة الأخيرة، يمكن تبرير التحول بتطورات الوضع السوري، إذ كانت عمَّان تدعو منذ بداية الأزمة في سوريا لحلٍّ سياسي، رغم انخراطها في السنوات الأولى إلى جانب مناوئي النظام بدعم أميركي. أما الآن وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على المأساة السورية وإمساك روسيا بخيوط اللعبة السورية، ينطلق صانع القرار الأردني من الواقعية السياسية معتبراً أن مسألة التغيير في سوريا لم تعد مطروحة، ومن هنا كان القرار الملكي بجعل الأردن جسر العبور السياسي والاقتصادي لسوريا نحو العالم العربي.
من أجل الإحاطة بمسار التحول الأردني حيال المسألة السورية، يجدر التذكير أنه إبان حقبة ترامب ونتنياهو ساد الجفاء الصلات الأردنية مع واشنطن وإسرائيل، وانعكس ذلك على دور الأردن الإقليمي وعلى الاستقرار داخل المملكة. وتم ربط ذلك حينها برفض عمان “صفقة القرن”. لكن رحيل الثنائي ترامب- نتنياهو فتح الباب أمام تطورين مهمين: الأول عودة الأردن دولة محورية تعتمد عليها أميركا في الشرق العربي. وقد أكد استقبال الرئيس بايدن للملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض، كأول زعيم عربي يتباحث معه في واشنطن، على استعادة العلاقة العريقة مع الحليف الأردني الدائم الذي يلعب “دوراً حيوياً في الشرق الأوسط” حسب تعبير بايدن.
مهّد العاهل الأردني لزيارته الأميركية بالتشديد على أن “الفرصة يجب أن تكون متاحة أمام عودة سوريا إلى الجامعة العربية” وذلك في موازاة الإعلان عن اتصالات فعالة ونشطة بين عبد الله الثاني وبشار الأسد. وهذا الحماس الذي أبداه القصر الملكي في عمَّان تزامن مع خطوات لتعزيز العلاقة الأردنية – الإيرانية، بعد تنسيق في مشروع “الشام الكبير” مع مصر والعراق، بعد حصول تراجع في العلاقات الأردنية مع المملكة العربية السعودية خصوصاً. ويفسر المراقبون هذا الاهتمام الأردني بفشل مساعٍ سابقة لكل من القاهرة وأبو ظبي لتسريع التطبيع العربي مع دمشق بسبب الفيتو الأميركي. ولذا تطوع عبد الله الثاني للعب دور كشاف الاستطلاع أمام “صديقه الحميم” جو بايدن.
حسب المطلعين والأوساط الإعلامية في واشنطن، طلب العاهل الأردني من الرئيس الأمريكي جو بايدن تسهيلات وإعفاءات للأردن من قانون قيصر وسواه من العقوبات الأميركية ضد دمشق. وذلك من أجل إنعاش قطاعات اقتصادية أردنية متضررة، وحتى يمهّد الأمر لخطوات إقليمية (مثل فتح الأسواق نحو الخليج والتطبيع، أو مشروع جرّ الغاز المصري والكهرباء الأردنية نحو سوريا ولبنان) . وعلى هذا الأساس، يمكن القول بأن الإعلان عن فتح معبر جابر كاملاً أمام حركة العبور في الاتجاهين بين البلدين هي خطوة لها علاقة بالسياق الدبلوماسي والسياسي والاستراتيجي الجديد للدور الأردني على المستوى الإقليمي، خاصة أنه جاء بعد زيارة العاهل الأردني إلى واشنطن.
بالرغم من أن هكذا قرار سيادي بامتياز، لا يستبعد حصول الأردن على تفويض دولي أو على الأقل نوع من الضوء البرتقالي من واشنطن وعلى الأرجح الضوء الأخضر من موسكو.
في سياق تدوير الزوايا، ومتابعة التطبيع الأردني- السوري من البوابتين الأمنية والتجارية، كانت زيارة العاهل الأردني إلى موسكو خطوة إضافية ملموسة في التحول الأردني.
ومن الأسباب الموجبة للإصرار الأردني على تحريك الموقف في سوريا، أن الأردن تضرر بشكل كبير من الأزمة في سوريا إذ إنه يستضيف ما يقارب 1.3 مليون لاجئ سوري منذ فترة طويلة، وهناك كذلك الوضع الأمني المطلوب في جنوب سوريا المتصل عشائرياً وجغرافياً مع الجوار الأردني . ومن هنا المصلحة في حل سياسي متعدد الأطراف يشمل روسيا وأميركا وبعض الدول تحت سقف الشرعية الدولية.
أما بخصوص إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية بالتنسيق المحكم مع مصر، تكمن أيضاً المصلحة الاقتصادية للأردن من خلال عودة التجارة مع سوريا عبر المعابر الحدودية، كما لا يمكن أن يمد الأردن لبنان بالكهرباء دون موافقة سوريا لمرور الربط عبر أراضيها. إنها إذاً المصالح المباشرة وإيجاد متنفس اقتصادي للأردن وراء كل هذا الحراك. وهناك أيضاً الرهان على أن يكون الأردن البوابة الأساسية لإعادة إعمار سوريا (الموانئ الأردنية والقطاعات اللوجستية والمالية والخدماتية في ظل الانهيار اللبناني).
تتوقف نتائج الجهود الأردنية على تفاهمات روسية – أميركية، وعلى قبول واشنطن تخفيف الضغط الاقتصادي على النظام السوري. ومما لا شك فيه أن ذلك يرتبط بإبعاد حزب الله والوجود الموالي لإيران من الجنوب السوري، وكذلك في أولوية الدور الروسي في إدارة الأزمة والتقاطعات مع القوى الخارجية تبعا لتقليص النفوذ الإيراني. ولذا ستكون الاندفاعة الأردنية محكومة بهذه العوامل و بانعكاسات الأزمات الإقليمية الأخرى وأبرزها الملف النووي الإيراني والتجاذب الإسرائيلي – الإيراني، والصراع الدولي في الإقليم.