(الصورة، لمن خانتهم الذاكرة: إلى اليسار،ليونيد بريجنيف، حاكم الإتحاد السوفياتي منذ ١٩٦٤ إلى ١٩٨٢ (اي، المعادِل السوفياتي “المطلق” لخامنئي الذي يحكم إيران منذ ١٩٨٩) وغورباتشوف، آخر حاكم سوفياتي)
هل تنبّئ الأحداث التي تجري في إيران باحتمال تعرضها لظروف مشابهة لتلك التي تعرض لها الإتحاد السوفييتي؟
العديد من المراقبين والمحللين يعتقدون بذلك. وفائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، أشارت إلى هذا الأمر في شريط صوتي قبل يومين، حيث حذرت من انهيار إيران على غرار تفكك دول الإتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي بعدما اعتمدت سياسات قائمة على السلاح والعسكرة فقط، ودعت رفسنجاني المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي إلى أن يحذو حذو آخر الزعماء السوفييت بالتنحي عن السلطة، قائلة: “حكمت طويلا وعليك الاقتداء بميخائيل غورباتشوف”.
يعاني نظام الجمهورية الإسلامية من ضغوط كبيرة، سياسية واقتصادية وأمنية، في الداخل ومن الخارج، نتيجة لسياساته التي جعلته في مواجهة مع شعبه من جهة ومع دول عديدة من جهة أخرى. وهذه المواجهة قد تقود، حسب بعض المراقبين، إلى حدوث تغيرات فيها شبيهة بتلك التي حدثت للإتحاد السوفييتي.
ماذا حدث للإتحاد السوفييتي؟
في عام ١٩٨٢ استلم الرئيسُ السابق لجهاز المخابرات السوفييتية يوري أندروبوف رئاسة البلاد، وحاول وضع خطة للإصلاح الاقتصادي، لكنه لم يعمّر طويلا في السلطة إذ توفي في فبراير ١٩٨٤. وحل محله قسطنطين تشيرنينكو لكنه أيضا توفي سريعا في مارس ١٩٨٥. بعد تشيرنينكو جاء غورباتشوف إلى سدة الحكم، فوجد البلاد تئن تحت وطأة عقود من الركود الاقتصادي، بسبب التراجع المستمر لمعدلات النمو والفاعلية الإنتاجية، وتكاليف الحرب الباردة، وبرامج سباق التسلح مع الأمريكيين، وخسائر الاستنزاف الحربي جراء التورط في المستنقع الأفغاني، وأزمة الحريات المستعصية في داخل الاتحاد.
سعى غورباتشوف لمعالجة هذه المشاكل بانتهاجه سياسة “الغلاسنوست” أي العلانية والشفافية في إدارة البلاد، وقدّم خطة لإصلاح الأوضاع سماها “البريسترويكا” (إعادة البناء). لكنه لم يستطع تطبيق خطته كما ينبغي، بل واجهته بدءا من عام ١٩٨٩ مشكلات اقتصادية كبيرة في الإنتاج والتوزيع، واضطرابات قومية في مختلف الجمهوريات السوفييتية، وأحداث عالمية حاسمة مثل انهيار جدار برلين وخروج دول أوروبا الشرقية من عباءة الشيوعية.
فاقمت هذه القضايا وغيرها النقمة على سياسات غورباتشوف من أوساط داخلية عديدة، وهو ما تجسد في انقلاب عسكري عليه نفذه يوم ١٩ أغسطس ١٩٩١ رفاق له عُرفوا بـ”لجنة الدولة للطوارئ” بحجة إنقاذ البلاد من الانهيار بعد “فقدان غورباتشوف الأهلية لقيادة البلاد”، لكن رئيس جمهورية روسيا الاتحادية بوريس يلتسن تصدى للإنقلابيين فأفشل مخططهم واعتقلوا جميعا. (“الاتحاد السوفييتي.. من الهيمنة إلى الأفول“، موقع “الجزيرة نت”).
الأحداث التي تسببت في سقوط الإتحاد السوفييتي تتشابه في ظروفها مع كثير مما يحدث في إيران منذ سنوات. فهناك ركود اقتصادي، وتراجع في معدلات النمو، وارتفاع في معدلات التضخم، وتكاليف باهظة تتعلق بمسائل التسلح ودعم الحركات المسلحة في الدول المجاورة (لبنان، العراق)، وخسائر جراء التواجد العسكري خارج إيران (في سوريا)، إضافة إلى الأزمات الداخلية جراء التراجع الشديد في موضوع الحريات.
النائب في مجلس الشورى الإيراني “جليل رحيمي” وجّه قبل سنة تقريبا نقدا علنيا غير مسبوق للسياسة الخارجية للمرشد الأعلى، وحذر بلاده من مصير الاتحاد السوفييتي، قائلا: “إن الاتحاد السوفييتي رغم امتلاكه لـ13 ألف رأس نووي ونفوذا في 20 دولة في العالم ومحطة فضاء، لكنه رفع راية الاستسلام في شوارع موسكو”. وأضاف: “إذا لم نقلل تكاليفنا الزائدة في الداخل والخارج، فسنتلقى الهزيمة داخل طهران”.
وأشار النائب الإيراني إلى تدخلات بلاده في المنطقة والعالم، وعواقبها السياسية، قائلا: “على الرغم من أهمية تأثيرنا وحضورنا في المنطقة، إلا أنه لا يجب نسيان أن ذلك أحيانا قد يكلفنا أثمانا باهظة”. وأضاف منتقدا سياسات نظام بلاده: “اليوم، يواجه الناس صعوبة في الحصول على مصادر رزقهم وملء بطون أطفالهم. إذا لم نتمكن من تخفيض التكاليف الإضافية للسياسة الداخلية والخارجية، فإننا سندفع تكاليف باهظة. إن الضرر الذي يلحق بأمننا القومي لن يكون عن طريق الأعداء بل سيأتينا من الداخل”.
إذا كان حديث النائب الإيراني يعود إلى قبل سنة، فماذا يمكن أن تتحدث عنه الأرقام والمؤشرات بشأن إيران اليوم في ظل تدهور الأوضاع فيها على مختلف الصعد؟ حينما نقارن بين الأسباب التي سبقت سقوط الاتحاد السوفييتي، وبين ما جاء على لسان هذا النائب، والظروف التي تعيشها إيران، سنجد بأن الدولتين متشابهتان، في الأسباب وفي الظروف، إلى حد كبير، على الرغم من أن النتائج قد تختلف.
حسب المحلل السياسي الإيراني مهدي مهدوي آزاد، فإن المؤشرات الموجودة على الورق، تشير إلى أن الهيكل السياسي الإيراني لا يستطيع أن يستمر لأكثر من عام. ولكن حينما ننظر إلى الواقع على الأرض فإن الأمر سيختلف. أي أن ما نشاهده على الورق قد لا تدعمه الوقائع.
فعلى سبيل المثال، كان الموقف الشعبي المساند للنظام الإيراني سببا في استمرار الحرب مع العراق لثماني سنوات، إذ من دون هذه المساندة ما كان النظام ليستمر. وفيما يخص العقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران، وأدت إلى ضعضعة الوضع السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي والأمني في إيران، وأظهرت الفساد الحكومي وعدم كفاءة النظام، إلا أن كل تلك النتائج قد ترتبط باستمرار ترامب في منصبه السياسي. فإذا لم يصوّت الشعب الأمريكي لصالح إعادة انتخاب ترامب في نوفمبر القادم وكان خليفته قادرا على التفاوض مع إيران، فمن المتوقع أن يتم تعليق جزء كبير من هذه العقوبات. وهذا من شأنه أن يغير التوقعات بشأن مصير النظام في طهران.
يؤكد مهدوي آزاد أن أحد الأسباب التي تجعل الحكومات في حالة تفكك، هو حدوث فجوات في داخلها. وقد تساهم الاحتجاجات في حدوث هذه الفجوات، وهو ما يساهم في انضمام بعض القوى المنتمية لهيكل السلطة إلى المحتجين.
أما فيما النظام في إيران فهو لم يصل بعد إلى هذه المرحلة، ولا أعلم متى سيصل. لكن إذا أخبرني أحد أن النظام لن يشهد الانتخابات الرئاسية المقررة في العام القادم، فلن أتفاجأ، لأن ذلك أمر غير مستبعد.