مراسل “لوموند” في بيروت، بنجامان بارت
المصادفة، حتماً، ليست إعتباطية. ففي لحظة ابتعاد السعودية وحلفائها في دول الخليج عن لبنان، تعبيراً عن الإحتجاج على السيطرة المتزايدة لحزب الله على المؤسسات الحكومية، فإن الإمبراطورية السياسية-الإقتصادية التي يملكها رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، الذي يُحظى برعاية الرياض، تهتز من أُسسها.
وكان مقال نُشِرَ على موقع “فرنسا الدولية” (إر أف إي) يوم الأحد في 21 فبراير قد كشف أن الشركة الأم لمجموعة “سعودي أوجيه”، التي أسّسها الرئيس الراحل رفيق الحريري في السعودية في أواخرالسبعينات، الذي تم اغتياله في العام ٢٠٠٥، باتت في حالة توقّف عن الدفع منذ نهاية الصيف. وقد أمضى 39000 موظف في شركة الإنشاءات العامة العملاقة، التي كانت تحتكر تقريباً بناء القصور الملكية السعودية، كلَّ فصل الخريف ثم شهر كانون الثاني/يناير المنصرم دون رواتب. ولم يقبضوا راتب شهر أيلول/سبتمبر سوى في منتصف شهر شباط 2016، مع وعود بتسوية المتاخّرات ابتداءً من شهر مارس.
إن الأسوأ حالاً هم العمال القادمين من جنوب شرق آسيا- الفيليبينيين، أو الهنود، أو النيبالبيين، أو الباكستانيين، الذين يتعذّر الإستغناء عنهم في أية ورشة بناء في منطقة الخليج. ولكن التوقّف العملي، غير المعلَن، عن الدفع يطال الكوادر أيضاً، وبينهم حوالي 200 فرنسي. وقد دفعت مصاعبهم المالية سفيرََ فرنسا في الرياض لتوجيه كتابين إلى رئيس مجلس إدارة “سعودي أوجيه”، السيد سعد الحريري.
لكن آثار الأزمة المالية تصل إلى أبعد من حدود السعودية. وهي تُضعِفُ كلَّ معسكر الحريري في لبنان: ولا يقتصر ذلك على تيار “المستقبل”، الذي يشكل قاطرة إئتلاف 14 آذار، حليف الغرب، المناوئ لائتلاف 8 آذار الذي يتزعمه حزب الله. بل يشمل مجملَ الهيئات الكثيرة- إعلام، ومؤسسات، وجمعيات طبية- التي كانت “سعودي أوجيه” تموّلها. “إن كل فروع المجموعة قد تأثّرت”، يقول، متذمّراً، صحفي في “تلفزيون المستقبل”، مضيفاً أنه يقبض رواتبه “بصورة غير منتظمة”. “إن الأمور ليست على ما يرام منذ مدة”، يعلّق موظّف في تيّار “المستقبل” لم يقبض رواتبه منذ ٦ أشهر.
تضخّم كتلة الرواتب
رسمياً، المجموعة تمر بظرف صعب إستثنائي. ويضع مسؤول في المجموعة العائلية، تحدّثت معه “لوموند”، المسؤولية على “الوضع الإقليمي”، وعلى “التباطؤ الإقتصادي الناجم عن انهيار أسعار النفط الذي يشكّل المورد الرئيسي للدولة السعودية التي سجّلت، في العام ٢٠١٥، عجزاً قياسياً بقيمة ٨٧ مليار أورو، أي ما يعادل ١٦ بالمئة من النائج القائم السعودي.
ويوكّد رجل أعمال فرنسي مقيم في الرياض أن هنالك “انخفاضاً في الطلبيات العامة تعاني منه كذلك “مجموعة بن لادن” التي تمثّل المنافس الرئيسي لمجموعة “سعودي أوجيه”.
ويضيف مسؤول في المجموعة تحدّثت معه “لوموند” أن المجموعة تعاني كذلك من تضخّم حجم كتلة الرواتب. وقد نجم ذلك التضخّم عن استكمال ورشتين عملاقتين مؤخراً، إحداهما ورشة “جامعة الأميرة نورة” في الرياض، التي فرضت استخدام ألوف العمال الإضافيين. ويضيف المسؤول نفسه أن “عملية إعادة التنظيم جارية حالياً، ولكنها ستستغرق بعض الوقت”.
مع ذلك، يشير المطّلعون، خارج المجموعة أو داخلها، إلى عوامل أخرى. وتتحدث مصادر معينة عن أخطاء في الإدارة أو عن حالات سوء إئتمان، الأمر الذي تنفيه إدارة المجموعة نفياً باتاً. ولكن مقاولا من الباطن اتّصلنا به في الرياض يقول أن هنالك “هدراً كبيراً، وفواتير مزوّرة، وإدارة اعتباطية للميزانيات“!
إن أحد العارفين بالأوساط الإقتصادية السعودية، وقد سبق له التعاون مع “سعودي أوجيه”، ينحو باللائمة على الخلط بين منطقين الذي أسّسه رفيق الحريري. ويقول: “الكل يعرف أنه كان يستخدم اموال العقود ليس لدفع مستحقّات مورّديه فحسب، بل ولدفع أكلاف حملاته الإنتخابية. هذا هو الشرق الأوسط”.
نجم متهاوي
إن المشاكل التي تعاني منها مجموعة “سعودي أوجيه” تعبّر كذلك عن تهاوي نجم بيت الحريري في السعودية. فالوريث، سعد، لا يملك لا الهالة، ولا الرصيد غير المحدود، الذي كان والده يتمتع به في الرياض. وتشهد على ذلك إجراءات الإنسحاب من لبنان التي قرّرها القصر الملكي في الرياض مؤخراً. وبعد تعليق برنامج دعم الجيش اللبناني قبل ذلك بعشرة أيام، فقد طلبت السلطة السعودية من رعاياها مغادرة بلاد الأرز.
تقول الرياض، وأنصارها في ١٤ آذار، أن ذلك يمثّل إجراءات ثأرية رداً على رفض وزير خارجية لبنان، وهو حليف لحزب الله الشيعي، إدانةَ الإعتداء على السفارة السعودية في طهران الذي جرى في مطلع العام الحالي. ولكن أنصار ٨ آذار يعتبرون ذلك مجرّد ذريعة لتمويه الأزمة المالية التي تعيشها السعودية.
وأيا كان الحال، فلم يتمكّن سعد الحريري من الإعتراض على الإجراءات السعودية، التي تطاله هو بالدرجة الأولى!
“يشعر جماعة ١٤ آذار بأنه تمّ التخلي عنهم في حين يعطي خصومهم في ٨ آذار إنطباعاً بأنهم أكثر ثقةً بأنفسهم من أي وقت سبق”، يقول صحفي في “تلفزيون المستقبل”! ويضيف: “نعرف أن إيران لم تخرج من أزمتها الإقتصادية، وأن وسائل الإعلام التابعة لحزب الله مرّت بأزمات مالية هي الأخرى. ولكن العامل النفسي مهم”!
من الداخل، يسعى الموظفن في إمبراطورية الحريري لإضفاء طابع نسبي على ما يجري. “حدث قبل سنوات أن وجدنا أنفسنا بدون رواتب طوال ٨ أشهر”، يقول عضو في تيار “المستقبل”. ويضيف: “معظم الناس ظلوا على ولائهم، وهم واثقون أنه سيتم العثور على حل في المستقبل”!
الأصل الفرنسي:
L’empire industriel des Hariri vacille en Arabie saoudite
Arabie saoudite: une entreprise ne paie plus ses 56 000 employés