نظرية داروِن هي في الأساس نظرية علمية اعتمدت علي المنهج العلمى في البحث واستعان صاحب النظرية بنخبة من أساتذة التاريخ الطبيعي وعلماء الأحياء والنبات والجيولوجيا والحفريات لصياغة الصورة النهائية لكتاب أصل الأنواع والانتخاب الطبيعي بعد أن أستغرق دأبه في البحث العلمي فترة زمنية جاوزت ٢٨ عاماً. وكان الهدف منها أعطاء تفسير علمي لهذا الكم الهائل من التنوع والتشابه والاختلاف في الكائنات الحية و نشأتها، و تأثير المتغيرات البيئية علي تطوّرها عبر ملايين السنين..!! بعيداً عن الفكرة العقائدية والدينية لنشأة الخلق…!! ولم يكن الغرض منها تحدي الخالق أو مواجهة الأديان الإبراهيمية. إنما هي نظرية علمية عقلية، مثلها مثل أي نظرية معروفة. فنظرية نيوتن في الجاذبية هي التي هيّأت الأنسان للتحليق والطيران في السماء علي أرتفاع ٣٦ الف قدماً، وسهّلت أمور التنقل والتواصل بين البشر. ولم يكن الغرض منها تحدي إله السماء …وكذلك نظرية دوبلر (Doppler effect) او ظاهرة “دوبلر” للموجات الصوتية او الضوئية والتي يعمل علي اساسها جهاز التصوير بالامواج فوق الصوتية (“السونار”) لمعرفة مراحل تكوين الجنين في الرحم، لم يكن الهدف منها تحدي الخالق لمعرفة ما في الأرحام وما تخفى الصدور.. إنما العناية بالجنين منذ بداية تكوينه في الرحم ومعرفة حالته الصحية, ونظرية الذرة والانشطار النووي التي أدت الي إنتاج طاقة حرارية هائلة ومدمرة تستطيع تدمير الأرض ومن عليها ٢٠ مرة، لم يكن القصد منها تحدّي قدرة الله التدميرية او قوة نار جهنم، إنما الاستفادة من الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء. إذاً، جميع النظريات العلمية التي توصّل اليها الغرب غايتها معرفة المزيد من قوانين الطبيعة ومحاولة تسخيرها لخدمة و رفاهية البشرية. دون عقدة الإقحام القهري للرب أو الخالق في الحقيقة أو الإكتشاف العلمي كما يحدث عند المسلمين… لأن الحقيقة العلمية تعتمد علي الأدلة والشواهد والقوانين وليس الغيبيات والقصص او الروايات….!!
وغريغور مندل ( Gregor Mendel) أبو علم الوراثة كان قسيساً يرأس كنيسة سانت توماس (في جمهورية التشيك حالياً ) في ١٨٦٨ اعتمدت أبحاثه و تجاربه علي نبوغه في علم الأحياء والرياضيات. ولم يذكر قط إسم الخالق او الرب في أبحاثة العلمية، مع أنة كان يُدَرِّس الدين وعلم اللاهوت. لأنه كان يعلم أنه بمجرد ذكر إسم الخالق كمسبّب للمتغيرات سوف يُعطّل البحث العلمي ..!
أبو علم الوراثة، غريغور مندل عالم نبات وراهب نمساوي أجرى الكثير من التجارب علي النباتات واكتشف القوانين الأساسية للوراثة. تم اكتشاف افكاره وتوليفها مع نظرية داروين بعد 50 عاماً من وفاته.
وقبل الخوض في نظرية التطور الداروينية يجب علينا ان نسلم بالحقائق التالية :
١- أنه لا توجد حتي الأن نظرية علمية قائمة علي قواعد راسخة او تفسير عقلاني ومنطقي تستطيع الصمود أمام رزانة النظرية الدارونية في تفسير نشأة المخلوقات وتنوعها! وإذا وجد تفسير أخر عقلاني ومقنع قائم علي الأدلة والشواهد، أقول هاتوا برهانكم ان كُنتُم صادقين…!
٢- الهجوم علي نظرية دارون هجوم ديني وسياسي وإعلامي ليس قائماُ على الأدلّة والبحث العلمي.
٣- التطوّر مستمر والتغيّر الى الأفضل والأحسن مواكبة للبيئة حقيقة واقعة لا بد التعايش معها.
٤- اذا كانت الأمة الأسلامية ذات المليار ونصف المليار مسلم بمتدينيها ومثقفيها وجامعاتها لا تعترف بنظرية داروِن، فهذا لا يغير من الواقع شيئاً. فنظرية داروِن التطورية فرضت نفسها في الدول التي أثرتنا بإنجازاتها واختراعاتها. وتُحظى النظرية بقبول شبه تام في المجتمع العلمي بعدما أيّدتها حزمة واسعة من البراهين والاكتشافات العلمية الدقيقة كعلم “الجينوم” (الخارطةالجينية). بل في ٢٠٠٩ أحتفلت عديد من المؤسسات الجامعية والهيئات الثقافية والعلمية في أمريكاوكندا وأوروبا وأستراليا بمرور قرنين على ميلاد عالم الأحياء تشارلز دارون (١٨٠٩-١٨٨٢)، مؤسس النظرية، والتي تتزامن مع الذكرى ١٥٠ عام لصدور كتابه (أصل الأنواع، ١٨٥٩) المثير للجدل، والذي أحدث ثورةً في فهم الانسان لعلوم الحياة ونشأة الأجناس وتطورها على الارض. كما خَصَّصَت متاحفُ التاريخ الطبيعي في لندن ونيويورك وواشنطن قاعات ضخمة لشرح التطور البيولوجي وآلياته وتسليط مزيد من الضوء على التراث العلمي لهذا الرجل…!!!
بداية التفكير في أصل و نشأة المخلوقات الحية
- طاليس Thales ابو الفلسفة اليونانية في ٥٤٠ قبل الميلاد أوّل من أفترض أصلاً واحداً للحياة إذ قال ان مياه البحر هي الأم التي نشأت منها كل أنواع الحياة.
- تلميذ طاليس أناكسمندر Anaximander هو أول من ذكر ان الحياة نشأت من الطين وتفاعل العناصر الرطبة في جوفها نتيجة تأثير الشمس وتولدت منها اسماك شوكية انبثقت منها مخلوقات جديدة تطور منها الإنسان فيما بعد
- أرسطو، في ٣٤٠، قبل الميلاد يقول بأن الحياة قد بدأت بالنباتات وتطورت الي النباتات الحيوانية ثم تطورت تدريجيا وببطء الي الانسان.
- لعل الكاتب العربي أبو علي أحمد بن مسكويه في زمن الدولة البويهية (توفى ٤٢١هـ) هو أول من أستخدم عبارة النشوء والإرتقاء..يقول في كتابة (الفوز الأصغر) أن الانسان ناشئ من آخر سلسلة البهائم، وأنه قابل للأرتقاء من مراتب القرود وأشباهها التي قاربت الأنسان في خلقته وليس بينها الا اليسير الذى اذا تجاوزه صار إنساناً. ونحن بعد مرور عشرة قرون علي هذة الكتابات نهاجم دارون بسبب تصوره لصلة الأنسان بالقرود…!!
كما شرح في كتاب (تهذيب الأخلاق) تأثير البيئة والطبيعة في تطور ذكاء القرود والمجتمعات البدائية الي أن تصل الي الإنسان المتحضر.
- كما أورد إخوان الصفا (في الرسالة العاشرة) مبادئ أولية ومصطلحات مثل: الوراثة، الانتخاب الطبيعي، الإنقراض..وكوّنوا سليلة من التطور تمتد من الجماد والنبات الي الحيوان
- وذكر ابن خلدون ( توفي ٨٠٨ هـ) في المقدمة الثالثة، ص ٦٩، ان لون الجلد يتعلق بالمناخ وكمية الضوء وان السودان اختصوا باللون الأسود لحرارة الجو وليس كما جاء في التوراة عن انهم ولد حام الذي دعا علية أبوه نوح بالعبودية..!!
- وذكر الجاحظ في كتاب (الحيوان) عن استخلاص سلالات من سلالات وظهور انواع جديدة عبر التزاوج.!!
- كان لامارك ( Lamarck ) هو أول إنسان أثارت أستنتاجاته عن وجود قوانين بيولوجية وبيئية تسبب التغير في عالم الأحياء وليست نتيجة تدخل أعجازي.. نشر أراءه عام ١٨٠٩ في كتابه الفلسفة الحيوانية ( Philosophies Zoologoqur) ..ولكن أخطأ في استنتاجه بأن الصفات المكتسبة اثناء الحياة بسبب ضغوط البيئة هي التي يمكن توريثها للذرية… وهذا طبعاً غير حقيقي لأن المسلمين واليهود رغم مئات الأجيال من عملية ختان الذكور لم ننجح في إنتاج أطفال لا يحتاجون الي ختان… “لامارك” لم يفترض وجود عامل داخلي ومحرك أساسي لتغير الصفات وتحويل الأنواع الحية.. ألا وهي الجينات..!!
- الراهب غريغور مندل أول من يفترض وجود عوامل (تبين فيما بعد انها “جينات”) كوسيلة لنقل الصفات الوراثية من الأزواج الي الذريات.. كل صفة يمثلها جينين تنفصل في حبوب اللقاح وينتقل جين واحد من كل زوج الي الذرية… وقام بعمليات تهجينية بتلقيح نبات بازيلاء طويل القامة مع آخر قصير القامة… وقسّم الصفات الوراثية الى السائدة كالطول والمتنحية كالقصر
- والمثير للدهشة في عمل مندل انه وضع القوانين الاساسية للوراثة قبل أن يتم التوصل إلي أي معلومات حول الجينات في الكروموسومات او الحمض النووي DNA
- نُشرت أبحاث مندل في الوراثة في ١٨٧٠ الا ان أحداً لم ينتبه بسبب اهتمام العلماء بنظرية دارون… وتم اكتشاف افكارة بعد ٥٠ عاماً من وفاته عندما أكتشف العالم الامريكي مورغان بأن الجينات التي تحدد وتنقل الصفات الوراثية تقع في صفوف مرتبة على الكروموسومات داخل نواة الخلية..!
تشارلز دارون وكتاب “أصل الأنواع”
- التحق دارون بالبعثة العلمية الأستكشافية علي متن السفينة “البيجل” ( HMS Beagle ) وهو في السن ٢٢ بتوصية من أستاذه في علم النبات في جامعة كمبردج هنسلو (John Stevens Henslow) لما رَآه من ذكائه وصبره ودقته علي جمع العينات وتدوين الملاحظات.. تم اختيارة بالرغم من وجود اساتذة ومتخصصين اكبر منه سناً… كانت الرحلة فرصة ثمينة له لصقل معرفته في مجال الطبيعة .
- امتدت الرحلة العلمية الي خمس سنوات (من ديسمبر ١٨٣١- أكتوبر ١٨٣٦) قضي منها ٣ سنوات و٣ أشهر علي اليابسة يستطلع ويجمع الأدلة و١٨ شهراً علي ظهر السفينة يدون ملاحظاته و يدرس كتاب عالم الجيولوجيا الشهير شارلز لايل (sir Charles Lyell) الذي كان يحاول أن يثبت ان السهول والوديان قد نتجت عن الزلازل والبراكين والأمطار والرياح.. كانت هذة الحقائق البسيطة تدخل في مجال الكفر في تلك الأيام…!
- جمع خلال الرحلة ٥٤٣٦ عينة من الحيوانات والنباتات والطيور والاحافير والحيوانات المحنطة والجلود التي كان داروِن يضعها كل يوم محل دراسته المتعمقة ويرسل خلال الرحلة بمئات النماذج لإنجلترا لمزيد من الدراسة.. في وقت كانت سفن بريطانيا العظمي تهيمن علي البحار…!
- ربما دراسته للطيور المختلفة في جزر جلاباجوس Galapagos في المحيط الهادي كانت لها أكبر الأثر في بلورة مبدأ الانتخاب الطبيعي كقوة محركة لتطور الكائنات الحية عبر ملايين السنين لتصل الي التكامل الوظيفي والتلائم مع البيئة….!!
- يوجد في هذة الجزر طيور البرقش او عصافير دارون Darwin’s Finches التي ساهمت بشكل كبير في دراساتة عندما كتب نظريته الشهيرة عن التطور والتكيف….. إذ عرض بعد عودته من الرحلة عصافيره على الجمعية الجيولوجية للندن (Geological Society of London ) عام 1837 واعطيت لجون قولد (John Gould) عالم الطيور الشهير والذي درسها بالتفصيل وصرح بإن هذة العصافير في جزيرة غالاباغوس هي مجموعة جديده كليا و تتضمن 12 نوعا تنحدر من أصل واحد، ولكنها إختلفت في تركيب المنقار ….. فاستنتج داروِن أن هذا الإختلاف قد حدث عبر فترة زمنية طويلة حتى يتناسب شكل المنقار مع نوعية الغذاء لكل نوع من هذه الطيور، فبعضها يأكل البذور وبعضها يأكل الحشرات او لُب التين الشوكي…
- وفي الأرجنتين، اكتشف حقيقة مذهلة في تاريخ الثديات يثبت أن بعضها وُجد ثم اندثر.. حيث عثر علي حفريات لحيوان منقرض توكسودون له اسنان الخرتيت ورأس فرس البحر وحجم الفيل… تحوّل (Transmutation) الي حيوان أصغر حجماً حتي يتكيف مع التغيرات البيئية…! كما لاحظ الشبَه الواضح بين هيكل ضخم لآكل النمل المندثر Anteater وبين آكل النمل الحديث المعاصر الأصغر حجماً… وسجل داروِن بعد ذلك بسنين في مذكراته أن هذه هي اللحظة التي واجة فيها فكرته الثورية تغيير أو تحويل الأجناس Transmutation of species كعنوان لمقالات عديدة قام بنشرها قبل إتمام تأليف الكتاب… بمعني اخر، استنتج أن هناك تشابهاً بين الأنواع المنقرضة والحديثة في جميع أنحاء العالم… الأمر الذي دفعه للاعتقاد بأنها تطوّرت تدريجياً من أسلاف مشتركة، وأنها تعرّضت لما يسمى ”الانتقاء الطبيعي” أو الإصطفاء الطبيعي…
- بعد عودته إلى إنجلترا في عام 1836 بدأ داروين بتدوين النتائج التي توصل إليها في مجلة التاريخ الطبيعي Natural history magazine….وبمساعدة أستاذه وعالم النبات ورجل الدين هينسلو (Henslow ) حصل على منحة من وزارة الخزانة بمبلغ 1,000 جنيه استرليني (يعادل 81000 جنيه استرليني في2013 ) لدعم إصداره ذي المجلدات المتعددة والذي أسماه “علم الحيوان للرحلة البحرية للسفينة بيغل” (Zoology of the Voyage of H.M.S. Beagle)
- وشرع بتطوير نظرية التطور حول الأصل المشترك للكائنات الحية، والتي كانت تتعارض مع النظرية المتداولة آنذاك لدى علماء الطبيعة المعاصرين له. كانت الغالبية العظمى من علماء التاريخ الطبيعي تؤمن بأن الأنواع الحية هي أنجازات ثابتة وغير قابلة للتغير، وأنه قد تم خلقها علي نحو منفصل عن بعضها (وليس مشترك). كان القليل منهم يؤمنون بأن الأنواع الحية تخضع للتعديل، وأن الأشكال الحية الموجودة منحدرة من أشكال أخرى مختلفة سابقة لها في الوجود.
- في أواخر سبتمبر من عام 1838م ، بدأ بقراءة مقال توماس مالتوس عن مبادئ علم السكان، وحجته الاحصائية بأن نمو سكان العالم إن لم يُقيّد فإنهم سيتكاثرون بما يتجاوز الموارد البيئية ومن ثمّ يتصارعون من أجل البقاء.
- 1838م، كان قد لاحظ وجود تشابه بين الاصطفاء الطبيعي (الانتقاء الطبيعي) الذي مارسته وتمارسه الطبيعة علي فترة زمنية طويلة إذ يكون البقاء للأصلح نتيجة لتأثير الظروف البيئية المختلفة والاصطفاء الاصطناعي الذي يتحكم فيه الإنسان إلى درجة كبيرة بتحديد نتائجه وعواقبه كتزاوج الحصان والحمار لأستيلاد البغل كنوعية جديدة وكذلك عمل إنتقاء صناعي لاستخلاص ثمار جديدة….
- واستطاع داروين الآن وضع إطار لنظريته أي نظرية الانتقاء الطبيعي, وكتب مبدئيا عن أفكاره إلى لايل Charles Lyell المحامي وعالم الجيولوجيا وجوزيف دالتون هوكر Joseph Dalton Hooker عالم النبات في يناير 1842م
- أظهر عالم النبات الأمريكي أساجري Asa Gray من جامعة هارفارد Harvard University في أمريكا اهتماما مشابهاً، و أرسل له دراوين تلخيصاً مفصلاً لأفكاره من كتاب انتقاء الطبيعة .
- علم دارون فيما بعد أن العالم الطبيعي ألفريد راسيل والس ( Alfred Russel Wallace) قد توصل لأفكار مماثلة لأفكاره عندما قرأ بحثة “القانون المنظم لإدخال أنواع جديدة” ……شجع دارون واليس علي بحثه واستعار منه بعض المصطلحات البيولوجية وفي عام 1858 قرر العالمان الإعلان عن أفكارهما وأدليا عن اكتشافهما لنظرية التطور الثورية في رسالة مشتركة تضم كلا النظريتين تلوها خلال محاضر في جمعية لينيان. (جمعية لينيان في لندن The Linnean Society of London هي جمعية تأسست في 1788م تضم كبار أساتذة وعلماء الأحياء والنبات و الجيولوجيا و التاريخ الطبيعي وعلم الأثار والحفريات… مهمتها تسمية وتصنيف الأحياء البرية والبحرية ودراستها… ولها أصدارات دورية وكتب في علم الأحياء والنبات )
- سجّل المؤرخون الاختلافات بينهم حيث عرّف داروين الانتقاء الطبيعي بأنه مماثل للإنتقاء الأصطناعي الذي يمارسه مربي الحيوانات لتحسين الإنتاج مع تأكيد المنافسة بين الأفراد، بالمقابل ذكر والاس بأن لا مجال للمقارنة وركّز على الضغوط البيئية (الإنتقاء الطبيعي) ومدى القدرة على التكيف مع الظروف المحلية الموجودة.
- في 24 نوفمبر عام 1859، نشر داروين شرحا مفصلا لنظريته في أفضل أعماله المعروفة: أصل الأنواع. “On the Origin of Species by Means of Natural Selection” والتي أوقفت علم البيولوجيا على قدميه .
داروين كان كاتباً غزير الإنتاج. حتى بدون نشر أعماله حول التطور، كانت أكتشافاته السبب الرئيسي في انبثاق فجر جديد في علوم الوراثة ورسم الخرائط الوراثية الحية لكافة أنواع الحياة، ابتداءً بالإنسان حتى الكائنات المجهرية. ومنذ ان نشر داروين كتاب “أصل الأنواع” شرعَ جميعُ العلماء في رسم وتخطيط واكتشاف أشكال الحياة ومظاهرها التطورية بما لم يخطر على بال داروين. أحدثت نظريته انقلاباً في العلوم الأخرى. خلال فترة حياة داروين كثير من المعالم الجغرافية سًمِّيت باسمه. مساحة من الماء المجاورة لقناة بيجل سُمّيت باسم دارويـن. و مستوطنة “داروين” في عام 1911 م أصَبحت عاصمة الإقليم الشمالي في أستراليا.
اعتراضات مختلفة على نظرية الإنتقاء الطبيعي والتطور
أثار الكتاب اهتمامًا عالميًا، و كان مثار جدلٍ وأثار نقاشاتٍ علمية وفلسفية ودينية. وعلى الرغم من بقاء داروين بعيدًا عن المناظرات العامة، إلا أنه كان يقوم بالتدقيق في ردود الأفعال العلمية على نظريته مثل المقالات، وما تنشره الصحف من اعتراضات، والرسوم الساخرة “الكاريكاتورية”… وفي 1870 م، بعد مرور9 سنوات علي نشر الكتاب تقبّلَ المجتمع العلمي والمجتمع عامة نظرية التطور كحقيقة. مع ذلك، كان الكثير يفضلون التفسيرات الأخرى، واستمر ذلك حتى اكتشاف تركيب الحمض النووي ال DNA …العامل المسبب الداخلي الذي يُهندِس تشكيل الكائنات الحية بما يملي عليه المتغيرات البيئية او الإنتقاء الطبيعي .
أهم الإعتراضات والرد عليها :
- تغير وتحويل الأجناس بتأثير الإنتقاء الطبيعي، حسب نظرية دارون، قد يأخذ ملايين السنين… في حين أن عامة الناس كانت تؤمن بحسابات رئيس الأساقفة في الكنيسة البروتستانتية الإرلندية جيمس اشر (James Ussher 1581-1656) الذي أورد في كتبه بأن عمر الإنسان على الأرض 6 الاف سنة عندما ظهر آدم…!! ولم يكن لداروِن انذاك أيُّ دليل علمي ينقض هذا الرأي الأسطوري..!
العالم الإنجليزي رذرفورد وتحديد عمر الأرض علمياً
إرنست رذرفورد (Ernest Rutherford) مكتشف نواة الذره، حازعلي جائزة النوبل في 1908 لاكتشافه عمر النصف (half-life) للعناصر المشعة، أي أن العناصر المشعة بعد فترة زمنية محددة تتحلل الي عنصر اخر وينخفض كتلتها الي النصف. وهذه الفترة الزمنية تتراوح ما بين ثوانٍ الي بلايين السنين.. فمثلا “الكربون المشع 14″ يتحلل الي النيترجين 14 في 5730 سنة… و”اليورانيوم 234” الى “الثوريوم 230″ في 80000 سنة… و”اليورانيوم 238” الى “الرصاص 206” في 4,5 مليار سنة… وبتطبيق هذه الحسابات على العناصر المشعة في الطبيعة في الصخور والأحافير تبيّنَ أن عمرَ الأرض 4,5 مليار سنة. المواد العضوية الاولية تكونت قبل 3,7 مليار سنة.. البكتيريا والنباتات الأولية قبل 1,5 مليار سنة.. بدايات حيات التكاثر قبل 1,2 مليار سنة..ا لزواحف قبل 300 مليون سنة… الثديات 220 مليون سنة.. القرود قبل 25 مليون سنة وبداية ظهور الأنسان قبل 5 مليون سنة..!!!
اذاً، دارون كان مصيباً في تفسير التحولات النوعية في الكائنات بقوة الإنتقاء الطبيعي على فترات زمنية متباعدة تصل الى ملايين السنين.
- وجود عوامل داخلية في الكائنات تسبب هذة التغيرات (الطفرات).. كانت مجرد فكرة (Idea) طرحها دارون لم يكن له دليل علمي علي وجودها ولم يعرف مفهوم “الجينات الوراثية” و”الكروموسومات”…. ولم يكن مطلعاً على قوانين “غريغور مندل”…. وعندما عُثر العلماء علي تقارير “مندل” في 1900م، والتي يركز فيها علي دور العوامل الوراثية والتحولات الفجائية (الطفرات لاحقاً) من جيلٍ لأخر قللت من أهمية دور الإنتقاء الطبيعي في نظرية داروِن كمحرك أساسي في التغير والتطور… واعتُبِر انذاك ان العوامل الوراثية هي المحرك الأساسي للتطور..!!
وفي 1933 توصل العالم الأمريكي توماس مورغان (Thomas Morgan) إلى أن الجينات (المورثات) تُحمل على كروموسومات (صبغيات) وأن هذه الجينات هي الأساس الميكانيكي للوراثة التي تسبب تغير الصفات وهي الاكتشافات التي شكلت أساس علم الوراثة الحديث وأهلّته للحصول على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا أو الطب…. وكانت بداية دمج افكار “غريغور مندل” مع نظرية “داروين”.
- في 1953 تمكن العالمان جيمس واطسون وفرنسيس كريك(James Watson and Crick ) من اكتشاف الشكل الحلزوني (اللولبي المزدوج) للحمض النووي DNA ، والذي يُعتبر أعظم أكتشاف في تاريخ علم البيولوجيا وأدى ذلك إلى التعرف على كيفية تخزين المعلومات الوراثية، وحفظها، وكيفية نقلها من جيل لآخر، والذي ادى الي استخدام الإنسان في الخمسين سنة الماضية الهندسة الوراثية في تحفيز الإنتقاء الصناعي أو ما يُعرف اليوم بالإستيلاد الأصطفائي لإكثار التراكيب الوراثية المرغوب فيها على حساب التراكيب الوراثية غير المرغوبة لرفع مستوى الإنتاج الحيواني والنباتي وتحقيق الأمن الغذائي….
كما تم بالفعل تحفيز ال DNA في خلايا بكتيريا البراز E.coli لتتحول إلي مصانع للأنسولين البشري الذي حل مكان الأنسولين المستخلص من بنكرياس الخنازير .
- الدراسات الجينية للحمض النووي أثبتت بشكل قاطع وجودَ أصلٍ واحد للكائنات الحية وأنها تطورت تدريجيا من أسلاف مشتركة. وهذه هي الفكرة الأساسية الأول لكتاب “أصل الأنواع”… والفكرة الأساسية الثانية هي الإنتقاء الطبيعي او الإصطفاء الطبيعي الذي يُعتَبر القوة المحركة لإحداث طفرات نوعية لإنتاج خواصٍ اكثر ملاءمة للبيئة المحيطة، فإذا استمر لآلاف الملايين من السنين فإنه كفيل بإحداثِ التطور. فإذا كان الإنتقاء الطبيعي هو الجهاز المحرك للتطور فإن DNA هو وقود هذا الجهاز
- وللعلم، كتاب “أصل الأنواع” تناول فيه داروِن نشأة الأنواع الحية في مجموعها ولم يأتِ فيه ذكرُ الأنسان أو القِرد اطلاقاً..!!!
خاتمـــة
لم يعد التطور نظرية! فجميع الدلائل تؤكده، وقد أصبح من يرفضه كمن يرفض كروية الارض ودورانها حول الشمس… كان علم البيولوجيا قبل رحلة داروِن الاستكشافية يقتصر علي الوصف الخارجي للمخلوقات… ولكن بعد رحلة “البيغل” وكتاب “أصل الأنواع” أصبح علماً قائماً على قواعد ثابتة… وباتَ الآن علمُ التطور البيولوجي ركيزةً أساسية لعلمِ الكيمياء الحيوية وعلم الوراثة وعلم التشريح وعلم الأمراض… وأثمر الى تحقيق كل ما نراه في الطب من تحفيز البكتيريا لصناعة الأنسولين الى صناعة المضادات الحيوية التي تقتل البكتيريا المقاومة ذات الطفرات السريعة والمتكررة كبكتيريا الدرن الرئوي… إلى زراعة الأعضاء……
ربما رأى دارون أن الإنسان حقق قفزات هائلة في ميادين الفيزياء والفلك واصبح من حقه ان يعرف المزيد عن نفسه ….
يقول دارون (أن البقاء لا يكون للأقوى أو الأذكى.. وإنما للأكثر تكيفاً وتأقلماً مع المتغيرات ) .
بعد هذه النبذة البسيطة عن نظرية التطور، لا أدري ما هو المبرِّر لتشنُّج المسلمين من هذه الحقائق العلمية الصادقة والمؤكدة…!!!
بدافع الفضول عملت دراسة أستقصائية survey علي مختلف فئات المجتمع، وطرحت عليهم سؤالين.. الأول: هل أنت مع ام ضد كتاب “أصل الأنواع لدارون”؟ 98% جوابهم كان ضد..! السؤال الثاني: هل قرأت الكتاب؟ الجواب 100% كان لا…!! وأصابتهم الدهشة عندما قلت لهم أن دارون في هذا الكتاب لم يأتِ بذكر الأنسان أو القرد…..!
استنتج دارون بعد مسيرةٍ علمية مكثفة امتدت الي ثلاثة عقود ان المخلوقات مرّت بمراحل من التحسينات عبر ملايين السنين لتصل الى التكامل الوظيفي والتلائم والتكيف مع البيئة…. واستخلاص سلالات من سلالات عبر الزواج المتكرر أدى الي ظهور نوعيات جديد مثل التهجين للحيوانات والتلقيح الخلطي للنباتات… وهذة الدعاوى بمجملها حقيقية لا شك فيها….
ومن القرآن …”قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ” (20) العنكبوت
داروِن سارَ في الأرض وعرف كيف بدأ الخلق.
بعد التحية للأستاذ نبيل: العكس هو الصحيح هذا العالم السويدي اثبت بالتسلسل الجيني صحة نظرية دارون في التطور التدريجي.. وهذا يعتبر اخر مسمار في نعش فكرة (الخلق المتكامل) التي اتى بها القرآن والانجيل والتوراة.
العلم يثبت يوما بعد يوم أن نظرية داروين هراء. آخرها الاكتشاف الذي هز النظرية للمتحصل على جائزة نوبل هذا العام السويدي سفانتي بابو
في مقالة لك أيها الكاتب “–آدم وحواء وظهور الإنسان الحديث Homo sapiens ” تستشهد بما يلي: “هذا يخبرنا أن حواء الميتاكوندريا وادم كروموزوم (Y) بينهم فاصل زمني بمقدار 50,000 سنة على الأقل، ولم يلتقيا أبداً، وهذا يعني أن البشرية الحديثة لا تنحدر من شخصين فقط كآدم وحواء.! ” وهتا في هذه المقالة تقول بأن : ” الدراسات الجينية للحمض النووي أثبتت بشكل قاطع وجودَ أصلٍ واحد للكائنات الحية وأنها تطورت تدريجيا من أسلاف مشتركة. وهذه هي الفكرة الأساسية الأول لكتاب “أصل الأنواع”… والفكرة الأساسية الثانية هي الإنتقاء الطبيعي او الإصطفاء الطبيعي الذي يُعتَبر القوة المحركة …” ما هذا التناقد وخصوصا… قراءة المزيد ..
خلق الله آدم بيديه سبحانه على هيئته (أي هذه الهيئة الكريمة – أحسن تقويم للإنسان) طوله ستون ذراعا في السماء كما جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يعني أن الخلق يتناقص.
ورأينا رفاة الديناصورات (الأحفورات) رأي العين وهي خلقة عظيمة. ويوجد لها أشباه من جنسها صغيرة جدا.
ما تقول أنت وداروين في مثل هذا. خذ فرصة للتفكير ودع عنك التشنج الذي يجعل منك أضحوكة للجميع.
1 – Il faut distinguer entre la théorie de Darwin et le Darwinisme post-Darwinien. Les successeurs de Darwin lui ont fait dire ce qu’il n’a pas dit. Ainsi la notion de “fight of the fittest” ne vient pas de Darwin mais de Spencer. Ce dernier a protesté toute sa vie pour affirmer que cette idée est sienne. Rien n’y fit et tout le monde tomba dans cette confusion. 2 – Diversité et Changement. Darwin n’a jamais cherché à expliquer la diversité et le changement. Au contraire. Il s’étonnait que les individus ne changent pas plus. Pour Darwin, le “moteur est… قراءة المزيد ..