اعتذار مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي “إلى الله وإلى الشعب”الإيراني، لوجود أوجه قصور في “مجال القضاء”، في خطاب له الأحد الماضي، يأتي في وقت زادت فيه الاحتقانات والانتقادات ضد مختلف الأوضاع في إيران، لا سيما ضد سلوك النظام القضائي والأحكام التي يصدرها، والتي انتقلت سريعا لتركّز بوصلتها على نقد النظام.
فبعد يوم من خطاب المرشد، سقط ٥ قتلى من من الشرطة الإيرانية ومن “البسيج” التابع للحرس الثوري الإيراني في عمليات مختلفة منها الدهس على خلفية مواجهات مع الصوفيين “الغُنابادِيّين” في طهران بعدما احتجوا على توقيف عدد من أنصارهم، حيث أصيب في المواجهات العشرات من الطرفين فيما تم اعتقال 300 من الصوفيين.
ويعتبر اعتذار المرشد، حدثا نادرا في إيران، ويأتي بالتزامن مع الهجوم على النظام القضائي الذي يهيمن عليه المحافظون، والذي يلقى باللوم عليه في استهداف المعارضين السياسيين، وفي استمراره بممارسة الاعتقالات القسرية، ولقيامه بأعمال عنف ضد السجناء، وتكتمه على الأسباب الحقيقية لمزاعم بانتحار بعض المعتقلين، الذين تحدث ناشطون عن تعرضهم للاغتيال.
إذ أفادت السلطات مؤخرا بانتحار الناشط البيئي كاووس سيد إمامي في السجن بعد أسبوعين من اعتقاله هو وفريقه البحثي بتهم تتعلق بالتجسس لصالح واشنطن وتل أبيب. حيث جاء خبر انتحاره في أعقاب أنباء تحدثت عن انتحار شخصين في السجن الشهر الماضي بعد اعتقالهما في إطار الاحتجاجات التي عمت العديد من المدن الإيرانية في ديسمبر ويناير.
وقال أحد مساعدي إمامي، إنه لم ينتحر بل جرى اغتياله داخل سجن ايفين بعد أن كشف هو وفريقه عن قيام الحرس الثوري بعمليات دفن نفايات نووية وسامة في صحراء لوط ومناطق في كردستان وخوزستان، وقد صوّروا تلك العمليات. غير أن السلطات الأمنية قالت أن فريق إمامي قد يكون أرسل تلك الصور إلى الخارج. وقال النائب الأول لرئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني أجّيي إن انتحار إمامي جاء لعدة أسباب منها الحيلولة دون كشف المزيد من المعلومات والأفراد عن خلية التجسس التي كان يتزعمها وتنشط تحت ستار الأنشطة البيئية في البلاد.
غير أن اللافت في اعتذار خامنئي أنه جاء بعد تسلسل أحداث مزعجة بالنسبة للسلطات الحاكمة، بدءا من احتجاجات ديسمبر ويناير، مرورا بنقد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد للسلطة القضائية ووجود حالات انتحار أو اغتيال في السجون الإيرانية، وكذاك خبر تبرئة قارئ القرآن والمتهم باغتصاب الأطفال سعيد طوسي، وانتهاء بخبر انتحار إمامي. وكان النائب الإصلاحي في البرلمان الإيراني محمود صادقي اتهم مكتب المرشد بالتدخل في تبرئة طوسي الذي يُعتبر قارئا في بيت المرشد.
زعيم الصوفيين نور علي تابنده مع حسن خميني
وكان المرشد قد أقر في خطبته الأحد بأن الاحتجاجات التي عمت المدن الإيرانية، كشفت وجود غضب شعبي واسع في البلاد. وبدا أن اعتذاره يسير في مجرى تهدئة هذا الغضب ويهدف لصب بعض الماء على ناره نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. لكن المواجهات بين الأمن الإيراني والصوفيين نهار ومساء الاثنين، والقتلى الذين سقطوا جراءه، زاد طين هذا الغضب بلة، وقد تفشل محاولات التهدئة هذه، خاصة وأن قوات الأمن استهدفت جماعة دينية شيعية مسالمة ترفض التدخل في السياسة، على الرغم من قتلى الجانب الحكومي.
وتصدّر اسم “الغُنابادِيّين” واجهة الأحداث في إيران مؤخرا، بعد احتجاجهم على قرار قضائي يطالب باعتقال زعيمهم وقطب طريقتهم الصوفية نور علي تابنده (موقعه على الإنترنيت هو: https://www.majzooban.org/en). وتجمع هؤلاء أمام منزل القطب لمنع اعتقاله رغم التواجد الأمني في محيط المنطقة الواقعة شرقي العاصمة طهران، حيث أبدوا امتعاضهم من القرار القضائي الذي صدر على خلفية إحراق عدد من المساجد والحسينيات خلال تظاهرات ديسمبر ويناير، واتهام الصوفيين بالتحريض على ذلك.
ومعروف عن “الغُنابادِيّين” أنهم أتباع أكبر الطرق الصوفية في إيران، ويسمون بهذا الاسم نسبة إلى مقرهم الرئيسي الواقع في منطقة غناباد جنوبي محافظة خراسان. وهم جزء من المذهب الشيعي، ويعتقدون بأنه بعد غيبة الإمام المهدي ينتقل رأس الإمامة إلى أتباعه وأقطابه واحدا تلو الآخر. وهم يعتقدون الآن بأن نور علي تابنده، رأس الإمامة بالنسبة إليهم. لذلك، أشعلت محاولات اعتقاله غضبهم، وأدت إلى حدوث مواجهات دامية مع الأمن.
ويقول متابعون للنشاط الصوفي في إيران، إن الصوفيين “الغُنابادِيّين” مسالمون ولا يتدخلون في السياسة، لكنهم يتعرضون لمضايقات بين فترة وأخرى بسبب اتساع ظاهرة الانتماء إليهم في مختلف أنحاء إيران على حساب المؤسسة الدينية الرسمية التي تضيّق على أي قراءة أخرى للمذهب الشيعي. وحسب هؤلاء المتابعين، فإن الطرق الصوفية الرافضة لتدخل الدين في السياسة تشكّل خطرا على أساس “ولاية الفقيه” القائم على مبدأ تدخل الدين بالسياسة. وبشكل عام يمكن القول إن انتشار الصوفية الشيعية السلمية في إيران هو بمثابة ردة فعل تجاه تشيّع الحكم، وأن استياء السلطات من هذا الانتشار يدل على أن الصوفية باتت تشكل تحديا للنظام الديني.
يُذكر أن تابنده لم يكن مرضيا عنه قبل الثورة الإسلامية بسبب نشاطاته، كما لم يحظ بالرضا كثيرا بعدها، فقد كتب مقالات نقدية عدة دفاعا عن حرية واستقلال الشعب الإيراني، وبقي مقربا من القوى الوطنية الدينية، فضلا عن علاقاته الجيدة مع “حركة تحرير إيران”، والتي كان زعيمها وزير الخارجية الأسبق إبراهيم يزدي، كما كان أحد الموقعين على الرسالة المعروفة برسالة التسعين توقيعا، التي وجهت للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وتتضمن انتقادات للوضع الاقتصادي والاجتماعي والحريات في البلاد، ما تسبب بسجنه تسعة أشهر. وأشارت مصادر إلى انتقاده لنظرية ولاية الفقيه، إضافة لاتخاذه موقفا إلى جانب المرشح الإصلاحي مهدي كروبي خلال انتخابات عام 2009 التي أعقبتها احتجاجات الحركة الخضراء، لأن كروبي كان قد انتقد هجوما على أماكن عبادة “الغُنابادِيّين”.
*كاتب كويتي