بعد تصريحات نائب وزير خارجية إيران عباس عرقجي، “غير المخصّصة للنشر”، بأن البرنامج النووي كان كارثة تفوق الخيال على اقتصاد ايران، التي اضطر موقع التلفزيون الحكومي لسَحبها، جاء الآن دور مدير ”وكالة الطاقة النووية” الإيرانية، ”علي أكبر صالحي”، الذي شارك في المفاوضات النووية في جنيف وفيينا. ويُذكَر أن “صالحي” هو “الضمانة العلمية” بين المفاوضين الإيرانيين. فهو حاصل على درجة البكالوريوس من الجامعة الأميركية في بيروت وعلى درجة الدكتوراة في الهندسة الميكانكية من “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” في الولايات المتحدة. وكان أستاذاً وعميداً لجامعة شريف التكنولوجية، وهو عضو في الأكاديمية الإيرانية للعلوم، حسب معلومات ويكبيديا عنه.
وحسب موقع ”روز” الإيراني المعارض: نقلت وكالة أنباء “فارس” المرتبطة بالحرس الثوري عن نائب طهران في البرلمان، “علي رضا زكاني”، وهو أيضاً الأمين العام لجماعة “رحبويان إنقلاب إسلامي” المتشددة، أن “السيّد صالحي قال أن توقيف أجهزة الطرد المركزي عن العمل سيؤدي إلى تدمير ٥٠ بالمئة منها وأن حوالي ٥٠ بالمئة من تلك الأجهزة ستصبح غير صالحة أثناء عمليات إيقافها عن العمل، وأن ٣٠ بالمئة أخرى سوف تُتلف إبان عمليات النقل، “وهذا إذا طبّقنا العمليات الفنّية بصورة سليمة”!
وأضاف: ”لقد طلب منا السيد صالحي أن نذهب ونصلي لكي لا يتم توقيع الإتفاق”!
“صالحي” حوّل مرفق تخصيب على عمق ١٤٠ متراً إلى “مركز أبحاث”!
ووجّه ”زكاني” انتقادات أخرى لـ”صالحي” قائلاً: ”لسوء الحظ، فإن بعض ملاحظات السيد صالحي غير علمية، وهو يرتكب أخطاء.
مثلاً، في حين أن مرفق ”فاردو” النووي يقع على عمق ٤٠ متراً تحت الأرض ويرتفع فوقه جبل بركاني يعلو ٩٠ متراً، ولا تملك الولايات المتحدة أي سلاح قادر على تدميره، فإن السيّد ”صالحي” قام بإيقاف منشأة “فاردو” في العام ٢٠١٠، وحوّلها إلى مركز أبحاث. أين، في أي مكان من العالم، يقوم أحد بتحويل مركز يقع على عمق ١٣٠ متراً تحت الأرض إلى مركز مُخصّص للأبحاث؟ حينما طرحنا عليه سؤالاً عما دفعه للقيام بذلك، لم يكن لديه جواب وقال أن الهدف كان إقامة مركز أبحاث متقدّم هناك”!
واستدعت ملاحظات ”زكاني” تكذيباً من نائب مدير ”منظمة الطاقة النووية” الإيرانية. كما نقلت جريدة ”اعتماد” تصريحات لعشر نوّاب في المجلس يؤكدون فيها أن لم يسمعوا التصريحات المنسوبة إلى ”صالحي.
ولكن تكذيباً آخر نشرته جريدة ”آرمان” تساءل عن السبب الذي يدعو المعارضين للإتفاق إلى الكشف عن تصريحات صالحي “الآن”، ”وما إذا كانت أقوال ”زماني” تعزز الوحدة الوطنية”؟
هل أدلى “صالحي” فعلاً بالأقوال الخطيرة المنسوبة إليه؟
إن سيرة “صالحي” تكشف عن شخصية إنتهازية، ولكنها تكشف كذلك عن قُربه من “المتشدّدين” في النظام.
رجل ”خامنئي” و”الحرس” و”خصم” تاريخي لـ”روحاني: في العام ١٩٧٧، عيّنه الرئيس المعتدل ”محمد خاتمي” ممثلاً لإيران لدى وكالة الطاقة النووية الدولية في فيينا. ولكنه سرعان ما انقلب إلى خصم عنيد لسياسة ”خاتمي” النووية وللمفاوض الإيراني الأول الذي اختاره ”خاتمي”، وهو الرئيس الحالي ”حسن روحاني”! وفي العام ٢٠٠٤، استجوبه التلفزيون الإيراني الحكومي حول سياسة إيران النووية، فجاء جوابه صادماً: فقد هاجم ”اتفاقية باريس” التي عقدتها إيران مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مع أنه هو نفسه كان قد وقّعها نيابةً عن إيران قبل أيام فقط! وكانت ”إتفاقية باريس” قد نصّت على ”تجميد” نشاطات إيران النووية. وفي عهد ”محمود أحمدي نجاد”، تم تعيينه وزيراً للخارجية!
مع صعوبة معرفة ما إذا كان ”صالحي” أدلى فعلاً بالأقوال المنسوبة إليه، والتي كانت ”غير مخصّصة للنشر”، فمن الواضح (من أقوال “صالحي” وقبله نائب وزير الخارجية “عباس عرقجي”)، أن إيران اضطرت لتقديم تنازلات مؤلمة لأن تأثير العقوبات على إيران كان قد وصل إلى درجة تهدّد بانهيار النظام! أي أن المرشد خامنئي اقتنع بأنه “مضطر لتجرّع كأس السم” كما قال سلفُه الخميني.
وهنالك جانب آخر للسجال الحاد الدائر في إيران، وهو يتعلق بمن أسماهم الرئيس روحاني ”المستفيدين من العقوبات”.
فقد أعلن الرئيس الإيراني أن ”أولئك الذين استفادوا من العقوبات في دُبي، واوروبا، والصين، وطهران، حانقون. لقد كنا بحاجة إلى رفع العقوبات الوحشية ولفتح العالم على بلادنا ولاستدراج الإستثمارات والتكنولوجيا إلى البلاد، ولتصدير بضائعنا إلى العالم”.
إن كلام الرئيس روحاني صحيح حول حاجات إيران، ولكن مشكلته هي أن “المستفيدين من العقوبات” هم أصحاب السلطة الحقيقية في البلاد، أي شبكات “الحرس الثوري” الإيراني.
عرقجي: البرنامج النووي ألحق ضرراً هائلاً بإيران لكن “قولوا للشعب أننا انتصرنا”!