ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﺤﻮّﻝ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﺴﻨﻲ، ﺃﻭ ﺗﺤﻮّﻝ السني ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ، ﻭﻣﺎ ﻳﺮﺍﻓﻖ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﺮﺏ ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ ﻃﺎﺋﻔﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻧﺼﺎﺭ ﻛﻞ ﻣﺬﻫﺐ، حيث ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻛﻞ ﻃﺮﻑ ﺃﻥ ﻣﺬهبه هو المالك الوحيد للحقيقة ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﻃﻖ ﺑﺎسمها، وأن جهود التحوّل الطائفي هي بمثابة حرب ضد الحقيقة الدينية وسعي لإضعافها من أجل تقوية طريق الكفر. هذا ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﺃﺣﻴﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺗﺒﺎﺩﻝ ﺗﻬﻢ ﺍلتكفير والإلغاء، وإلى اشتعال العنف، ﻭﻗﺪ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ “إﺳﻜﺎت” ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍلآنية الضيّقة ﻟﻜﻞ ﻃﺮﻑ، كالمصالح السياسية والاجتماعية.
لو ﺗﻤﻌﻨّﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﺸﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ، ﺳﻨﻠﺤﻆ ﺗﻤﻴﻴﺰﺍ ﺑﻴﻦ طرفين، طرف ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭآخر – في نظر هذا الطرف أو ذاك – ﻻ ﻳﻤﺖ ﺑﺼﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، والنتيجة الطبيعية لتلك هي ﺇقصاء ديني ضد الآخر.
ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺤﻮّﻝ ﺍﻟﺴﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﻌﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺳﻨﻲ ﻟﻪ ﻣﺤﺎﺫﻳﺮﻩ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﻤﻊ بمثل هذه ﺍﻟﻤﺤﺎﺫﻳﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ الشرقية وﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎك “تبشير” ﺇﺳﻼﻣﻲ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ، ﺃﻭ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ إطار ﺻﻮﺭ ﺃﺧﺮى. ﻓﻔﻲ تلك المجتمعات ﻳﺪﺧﻞ العشرات ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺴﻨﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ نسمع عن مخاطر اندلاع حرب طاﺋﻔﻴﺔ أو انقسام اجتماعي أو تهدﻳﺪ بحدوث نزﺍع دموي.
ﺇنه مبدأ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﺍلذي أصبح أقوى فعلا وحضورا في هذه المجتمعات من مبدأ الامتلاك ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ. بينما لا يزال فعل وحضور وتأثير مبدأ الحرية الفردية ضعيفا في المجتمعات العربية والمسلمة، في مقابل قوة حضور وتأثير ﺛﻘﺎفة “الفرقة الناجية” والفكر الذي يعتقد أن مقاليد الحل النهائي ليست إلا عنده، ﻭهو ما أدى بالتعددية أن تبقى ضعيفة ﻭباﻟﺘﻌﺎﻳﺶ أن يظل مهزوما.
ولا يمكن لجهود تسنين الشيعة أو تشييع السنة، ﺃﻥ تنتمي ﺇﻟﻰ مبدأ ﺍلحرية الفردية وقبول الاختلاف والإقرار بتنوع الأفكار والحقوق، وإنما هي أحد أذرع الصراع السياسي التاريخي الديني الهويّاتي، والتي كانت ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ مؤثرة ﺑﺸﻜﻞ ﺳﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺃصل ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺃﻱ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭمهددة ﺑﺘﻔﻜﻚ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. حتى أصبح دﻓﺎﻉ الطائفي عن ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ – ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻦ ﺍلإيمان – ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺄﻭﻟﻮﻳﺔ لديه ﻭﻟﻮ كان ﺫﻟﻚ على حساب ﺍﻷﻣﻦ ﻭﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎعيين.
فطائفية ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻨﻲ تستند إلى ﺍﻟﺘﺪﻳّﻦ الظاهري ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﻲ أﻭ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ومن أبرز صور هذا ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺪيّن هو ارتباطه بالتاريخ ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻓﺮﺍﺩﻩ ﻭﺍﻟﺬﻭﺩ ﻋﻦ ﻫﻮﻳﺘﻬﻢ ﻭﺍﻟﺴﻌﻲ ﻹﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﻬﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ. في حين تأتي مسألة ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ الروحية، ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻻﺣﻘﺔ من حسابات هذا التديّن الظاهري، ﺑﻞ ليس ضروريا أن ﺗﺄﺗﻲ، حيث لا معيار يمكن من خلاله كشف الإيمان ومعرفة وجوده ودرجته.
في المقابل، فإن ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻼﻗﺔ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ إنسانية، ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻧﺸﺮ ﻓﻬﻢ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺗﺼﺐ ﻣﺨﺮﺟﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻃﺎﺭ، ﻓﻬﻢ ﻳﺨﺪﻡ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻘﻴﻤﻲ ﻭﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﺍﻟﺘﺤﺮﺭﻱ للإنسان، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﻭﻧﺘﻠﻤﺴﻪ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻭﺳﻠﻮﻛﻴﺎﺕ الطائفيين ﻫﻮ ﻋﻜﺲ ﺫلك تماما.
وتنتشر في العديد من المجتمعات العربية والمسلمة، ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﺀ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ، ويتم في البعض منها ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻹقصاء الديني. ﻭيعود أصل تلك الصراعات ﺇﻟﻰ سلوك ونهج ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﺣﻴﺚ ﻻ تستطيع ﻗﺒﻮﻝ بعضها البعض، بسبب تباين المشروع الديني واختلاف الأدبيات العقائدية السياسية، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲﺗﻔﺸﻞ ﻓﻲ ﺟﻌﻞ التعايش ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﺛﻘﺎفتها. ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻻ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﺎﺱ، فتلك ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻷﺳﺎﺱ ﺁﺧﺮ ﻭﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺃﻛﺒﺮ، ﻣﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻃﺮﻑ ﺩﻳﻨﻲ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻥ ﺭﺅﺍﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎ ﻭﺛﻴﻘﺎ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ، ﻫﻲ ﺭﺅﻯ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻓﻮﻕ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺮﺍﺟﻊ ﺇﻻ ﻭﻓﻖ ﺷﺮﻭﻁ ﺿﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍ.
ﻭفيما ﻟﻢ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻛﻼﻣﻴﺔ ﺟﺬﺭﻳﺔ ﺗﺘﻔﻖ ومعايير الحياةﺍﻟﺤﺪيثة، ليتم ﺗﺤﻮيل هذا التفسير ﺇﻟﻰ فهم ﺑﺸﺮﻱ ﻭﻧﺴﺒﻲ وغير نهائي، ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﻔﺎﺳﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﻀﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، فلا يمكن ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻤﺰﻣﻨﺔ ﻓﻲ الخطاب الطائفي وﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ امتلاك الحقيقة وإقصاء المختلف وﺭﻓﺾ ﺍﻟﺘﻌﺪﺩﻳﺔ.
فمدارس ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﺍﻟﺴﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻴﻌﻴﺔ، ﺗﺠﺎﺩﻝ ﻋﻠﻰ أساس ﺃﻥ ﻣﺎ ﺻﺪﺭ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮٍ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻷﺋﻤﺔ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺴﻨّﺔ ﻭﺍﻹﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ، ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﻠﺤﻖ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺍﻓﻖ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﺑﻪ ﺍﻷﺋﻤﺔ وﻻ يمكن أن ﻳﺨﺮﺝ ﻋﻦ ﺇﻃﺎﺭ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺃﻭﻣﻨﻬﺠﻴﺘﻬﻢ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳﺔ. وﻭﻓﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺼﻠﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺸﻴﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻨﻴﺔ، ﻣﺘﺼﻠﺔ اتصالا ﻭﺛﻴﻘﺎ ﺑﺄﻓﺮﺍﺩ ﻋﺎﺷﻮﺍ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺯﻣﻨﻴﺔ معينة قديمة، ومتوافقة ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ والثقافية ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ، وبالتالي هي ﻣﻌﺮﻓﺔ نهائية ﺻﺎﺩﺭﺓ ﻭﻓﻖ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺤﺪﺩﺓ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ ﺇﻻ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴر. أﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ في التفسير، ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺟﺎﻣﺪﺓ، ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ، وﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ التعايش ﻣﻊ ﻣﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺃﺏ الخطاب الطائفي ﻋﻠﻰ ﺇﺛﺎﺭﺗﻬﺎ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻫﻮّﻝ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻤﻪ ﻟﻬﻤﺎ، أنه ﻭصف كل ﻣﻦ ﻳﻨﺘﻘﺪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻋﻨﻬﺎ، ﺃﻱ وصف كل من ينتقد ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺳﻨﻨﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ وﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺑﺄﻧﻪ ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻦ ﺍﻟﺪين.
وحسب ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ، ﻓﺈﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﺪﻳّﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘِﺪ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ، ﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﻳﻘﻄﻊ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺪﻳﻦ. غير أن كل ﻣﻦ ﻳﻘﻄﻊ ﻋﻼﻗﺘﻪ بهذا التاريخ، ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻟﻢ ﻳﻘﻄﻊ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻠﻪ، وﺇﻧﻤﺎ ﻭﺿﻊ ﺣﺪﺍ ﻟﻌﻼﻗﺘﻪ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ المادي الاجتماعي، وﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻨﺎﻗﺾ ﻣﻊ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ الراهنة ﻭﺗﻐﻴّﺮاتها، ﻹﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻻ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻞ اعتقاده ﻭﻻ ﺗﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻟﻘﻨﺎﻋﺘﻪ ﺑﺄﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻌﺎﺭﺿﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﺛﻨﻴﻦ، ﻭبأن ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ اعتقاده، ﻭﻗﺪ ﻳﻤﺜّﻞ ﻋﺎﺋﻘﺎ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ شؤونه الروحية، ﻭمن ثم فإن إزالة ذلك ﻳﺠﻌﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻼﺳﺔ، ﻭﻳﺒﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﺃﻱ ﺗﺼﺎﺩﻡ ﺗﺸﻜﻠﻪ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎﺕ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺍﻟﺤﺪﻳﺚ .
ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻼﻕ، ﺃﻭ في التفريق ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇﻳﻤﺎﻥ وروحانيات ﻭﺑﻴﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺪﻳﻦ، تكمن في السؤال التالي: ﺿﻤﻦ ﺃﻱ إطار ﺳﻮﻑ ﻳﺼﻨّﻒ ﺻﺎﺣﺒﻪ بحيث لا يتعرّض للإقصاء الديني؟ ﻓﺎﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻻﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻃﻼﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩ ﺭﺅﻯ ﻭﺁﻟﻴﺎﺕ ﻋﻘﻼﻧﻴﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺗﻌﻴﻦ ﺃﻣﺮ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ عند هذا الإنسان، ﺑﻞ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ ﻣﻊ الطائفيين. فالسلطة الدينية ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ التي يمتلكها الطائفيون ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇقصاء ﺣﺎﻣﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻄﺮﺡ، وقد تسجنه أو تنفيه، بعد أن ﺗﺘﻬﻤﻪ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻬﻢ، وﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﻨﺼّﺐ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺳﻠﻄﺔ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭض. والأجمل ﺑﻌﺪ كل هذا، إدّعائها وزعمها وصراخها ﺑﺄﻋﻠﻰ ما تملك من صوت وأدوات وسلطات ﺑﺄﻥ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻘﻮّﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎن..
- كاتب كويتي