لم تأت دعوة المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني إلى حصر سلاح الحشد الشعبي بيد الدولة، بمنأى عن تطورات الوضع السياسي والأمني في العراق بل وفي المنطقة، إذ أن مطالبته بأن يكون “كل السلاح تحت سيطرة الحكومة” هي جزء من حرب صراع القوى. فدعوته تلك تتفق مع موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يسعى للحيلولة دون أن يستخدم قادة”الحشد” السلطة والنفوذ، اللذين اكتسبوهما في فترة الحرب ضد داعش، خلال الانتخابات المقبلة المقررة في 12 مايو. فجاء تأكيد السيستاني على ضرورة عدم استغلال فتوى تسليح”الحشد” لمحاربة داعش من أجل تحقيق أغراض سياسية. أو بعبارة أخرى يتفق السيستاني والعبادي على ضرورة إبعاد المؤسسات الأمنية عن الانخراط في العمل السياسي.
وفي ظل الحديث المتداول بين السياسيين العراقيين السنّة والأكراد عن خضوع “الحشد” فعليا لطهران وليس للحكومة العراقية، فإن دعوةالسيستاني قد تصب في اتجاه نأي”الحشد” عن لعب دور سياسي أو عسكري لصالح أي قوة إقليمية داخل العراق، خاصة وأن طهران أكدت مباشرةً بعد هذه الدعوة وعلى لسان قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري عن نيّتها تعزيز وجود قواتها في العراق، مؤكدة أن استراتيجية حرب العصابات، والتي لعب”الحشد” دورا أساسيا فيها، غيّرت المعادلات الإقليمية لصالح إيران. لذا قد يعكس تصريح جعفري موقفا ضاغطا من طرف طهران لعدم حصر سلاح”الحشد” بيد الدولة، باعتبار أن دعوة السيستاني لا تخدم الاستراتيجية الإيرانية وستضرّ بخطط توسّع النفوذ الإيراني.
ويبدو أن تصريحات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي لا تربطه علاقات حسنة مع إيران، تدلّل على وجود مواقف عراقية شيعية رافضةلخضوع الحشد لطهران. فالتيار هو الأبرز بين مختلف التنظيمات المنضوية في”الحشد” الذي يطالب بحصر السلاح بيد الدولة. كما أن الصدر هو في طليعة الزعماء الدينيين الشيعة الذي يشدد على ضرورة تسليم”الحشد” سلاحه والمناطق التي سيطر عليها إلى الدولة، داعيا الحكومة العراقية إلى منع استخدام اسم”الحشد” في الانتخابات المقبلة ومنع قادتها من الترشح، ما يعكس معارضة الصدر لسيناريو توسّع النفوذ الإيراني، في ظل خطط إيران الاستراتيجية في العراق والتي تعوّل في تنفيذها على”الحشد”، وفي إطار العلاقات الفكرية والحركية ضمن مبدأ ولاية الفقيه التي تربط أبرز قادة”الحشد” بطهران.
كذلك تهدف دعوة السيستاني إلى النأي بالعراق، عن طريق مقاتلي”الحشد”، من المشاركة في بؤر النزاع الإقليمية، وهو ما تمارسه في سوريا قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله لبنان وفصائل شيعية أفغانية وفصائل شيعية عراقية مرتبطة بالحشد تحت شعار الدفاع عن حرم السيدة زينب. فإيران، حسب العديد من المراقبين، تهدف من توسيع النفوذ بالمنطقة، ومنها في العراق، إلى إبراز موقعها في القضية الفلسطينية. غير أنه يمكن القول بأن دعوة السيستاني هي مسعى لإبعاد العراق عن ذلك الموقع والتركيز على بناء الداخل.