محاولة لتصفيته وأسباب محلية واقليميـــــة ودولية خلف القــــــــرار “التصعيدي”
التيار وحزب الله يعتصمان بالصمت وعون ينتظر عودة رئيس الحكومة ليُبنى على الشيء مقتضاه
المركزية- بعد فترة سماح استمرت عاما و4 أيام، نفضت السعودية يدها من التسوية الرئاسية التي كانت أحد أبرز رعاتها، وقررت قلب الطاولة على تفاهم رأت أن تم الإخلال ببنوده فجنح لصالح المحور الآخر في المنطقة ووضع لبنان في الحضن الايراني بينما كان يفترض ان يضع البلاد في موقع حيادي وسطي. فكان ان فعلها الرئيس سعد الحريري واتخذ القرار غير المتوقع، فشهر سيف استقالته من رئاسة الحكومة، طاويا صفحة “التسوية” الى غير رجعة – على الارجح – ودافعا نحو قواعد جديدة للعبة المحلية.
وفاضت الكأس: إشارات عدم الرضى السعودي على مسار الامور لبنانيا كانت كثيرة منذ انطلاق قطار العهد. فتبريرُ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وجودَ سلاح حزب الله وربطُه إياه بتطورات الشرق الاوسط، لم يعجبها وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، تماما كما صمتُه عن استمرار قتال “الحزب” في سوريا وعن تحريكه خلايا في الكويت والخليج، وعن مواقف مسؤوليه التي تهاجم الرياض، وعن كلام ايراني لمّح الى كون لبنان ساحة نفوذ للجمهورية الاسلامية. والاعتراض الذي كان نوعا ما “ضمنيا”، في الاشهر الأولى من عمر التسوية، بات أكثر وضوحا في الآونة الاخيرة مع تغريدات وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان الذي دعا مرارا اللبنانيين الى حسم أمرهم والاختيار بين ان يكونوا مع الحزب او ضده، قبل ان يخصّص الحكومة والدولة اللبنانيتين في مواقفه منتظرا منهما رفع الصوت ضد ممارسات “الحزب”. في الواقع، كانت المملكة تُوجّه عبر السبهان، إنذارات وتحذيرات بأن صبرها بدأ ينفد، الا ان لم يتم التقاطها او التجاوب معها محليا، فرئيس الجمهورية كرر في حديث صحفي ليل امس ربطه سلاح حزب الله بالوضع في الشرق الاوسط، في حين ذهب مستشار المرشد الايراني للشؤون الدولية علي اكبر ولايتي الذي جال في لبنان امس الى حدّ الاعتبار من على منبر السراي وما له من رمزية، أن الانتصار الذي حققه لبنان على الارهاب في الجرود، هو انتصار لمحور المقاومة على مستوى المنطقة. وبهذه النقطة الجديدة، فاضت كأس الرياض، فقصدها الرئيس سعد الحريري أمس وأعلن منها اليوم، ما كان، أو لم يكن في الحسبان “استقالته من رئاسة الحكومة”، ليتبادر الى الاذهان فورا كلام السبهان في الايام القليلة الماضية عن “الآتي الذي سيكون مذهلاً بكلّ تأكيد”.
عوامل دولية: غير ان تراكمات الواقع اللبناني، ليست فقط ما قاد الرياض الى الخروج من خانة “المسايرة” لبنانيا. فبحسب المصادر نفسها، ثمة توجّه دولي – اقليمي كبير يضغط في اتجاه تقليم أظافر ايران وأذرعها العسكرية في المنطقة، وعلى رأسها “حزب الله”، ترسّخ في القمة العربية – الاسلامية – الاميركية في الرياض، ستبدأ تباشيره بالظهور قريبا مع صدور العقوبات المالية عن الكونغرس الاميركي لخنق الحزب ماليا، والتي من غير المستبعد ان تترافق أيضا مع حملة عسكرية لتحجيمه. وأمام هذه العاصفة المرتقبة التي ستكون المملكة شريكا اساسيا فيها، لا يمكن للرياض ان تكون في الوقت عينه، في موقع مَن يغطي “الحزب” سياسيا في لبنان، عبر حكومة يرأسها الحريري.
محاولة اغتيال؟ أما الأخير، فقد حاول خلال العام المنصرم مرارا، وفق المصادر، إقناع شريكه في العهد الرئيس ميشال عون بضرورة الحفاظ على التوازن المحلي، الا انه توصّل أخيرا الى قناعة بأن ثمة استحالة في تحقيق هذه المهمة، وبأن تغطيته الشواذات التي تحصل باتت مكلفة جدا، فقرّر، وقبل هبوب الرياح الساخنة، الانسحاب من اللعبة التي لم تعد مربحة لا له، ولا للبنان وعمقه العربي الذي يتمسّك به، دائما بحسب المصادر. غير ان ما سرّع قراره هو محاولة لاغتياله تم رصدها اخيرا وأشار اليها الحريري في بيان استقالته، علما ان معطيات سرت اليوم عن احباط شعبة المعلومات محاولة اغتيال الرئيس سعد الحريري ساعات قبيل مغادرته بيروت الى الرياض.
حال ارباك: خطوة الحريري المفاجِئة- لا سيما أنها أتت عقب قوله في مجلس الوزراء الخميس إن الرياض تتمسك بالاستقرار والحكومة- صدمت المكونات السياسية كلّها وتركت الساحة المحلية في حال إرباك: المكتب الاعلامي في رئاسة الجمهورية أعلن في بيان ان “رئيس الجمهورية تلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس مجلس الوزراء السيد سعد الحريري، الموجود خارج لبنان، وأعلمه باستقالة حكومته”، مشيرا الى ان “الرئيس عون ينتظر عودة الرئيس الحريري الى بيروت للاطلاع منه على ظروف الاستقالة، ليُبنى على الشيء مقتضاه”. وفيما أفيد ان دوائر القصر تدرس موضوع الزيارة التي كان يفترض ان يبدأها الرئيس عون غدا الى الكويت، أشارت المعلومات الى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري الموجود في مصر، تبلّغ استقالة الحريري لدى وصوله الى مطار شرم الشيخ وأنه يتابع الامر على ان يعود الى لبنان بعد لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
تريّث وصمت: من جهته، تريّث التيار الوطني الحر في التعليق على الخطوة وعمّم رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل على المسؤولين في التيار والوزراء والنواب بضرورة إلتزام الصمت وعدم التعليق على استقالة الحريري في الوقت الراهن، علما ان وزير العدل سليم جريصاتي كان سارع الى الرد على خطوة الحريري عبر تويتر قائلا “استقالة ملتبسة ومرتبكة ومشبوهة في التوقيت والمكان والوسيلة والمضمون”. وفي وقت سيطر الصمت على ضفّة حزب الله، رأى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط أن “لبنان اكثر من صغير وضعيف كي يتحمل الاعباء الاقتصادية والسياسية لهذه الاستقالة”، مضيفا “كنت وسابقى من دعاة الحوار بين السعودية وايران”. وشدد على أنه “مهما كانت الصعوبات فإن التضحية من اجل الحد الادنى من الوفاق والحوار يجب ان تكون الاساس من اجل لبنان اما حياة المرء فمرهونة بالاقدار”.
الليرة مستقرة: وفور اعلان الحريري استقالته، طمأنت مصادر مصرف لبنان الى الاستمرار في سياسة تثبيت سعر صرف الليرة نافيةً وجود اي دواعٍ للخوف او القلق. بدوره طمأن وزير الاقتصاد رائد خوري الى استقرار الوضع المالي والاقتصادي والامني في وجود رئيس جمهورية قوي.
تعليقات اقليمية: أما اقليميا، وفي وقت غرّد السبهان قائلا “أيدي الغدر والعدوان يجب ان تبتر”، فتحت طهران النار على خطوة الحريري عبر مستشار وزير الخارجية الايراني حسين شيخ الاسلام الذي رأى ان “استقالة الحريري جاءت بأوامر السعودية التي تعتاش على الأزمات”، متمنيا “لو أن الرئيس الحريري احترم عزة الشعب اللبناني وحفظها بتقديم استقالته من لبنان وليس من دولة أخرى”.
بيان الاستقالة: وكان الحريري توجّه الى اللبنانيين في كلمة مكتوبة من الرياض حمل فيها بشدة على حزب الله متحدثا ايضا عن محاولات لاغتياله، ختمها باعلان استقالته وجاء فيها “خلال العقود الماضية، استطاع حزب الله للأسف فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه الذي يزعم أنه سلاح مقاومة، وهو الموجه إلى صدور إخواننا السوريين واليمنيين، فضلا عن اللبنانيين، ولست بحاجة إلى سرد هذه التدخلات، وكل يوم يظهر لنا حجمها والتي أصبحنا نعاني منها، ليس على الصعيد الداخلي اللبناني فحسب، ولكن على صعيد علاقاتنا مع أشقائنا العرب، وما خلية حزب الله في الكويت عنا ببعيد، مما أصبح معه لبنان ومعه أنتم أيها الشعب اللبناني العظيم في عين العاصفة، ومحل الإدانات الدولية والعقوبات الاقتصادية بسبب إيران وذراعها حزب الله. لقد قرأنا جميعا ما أشار إليه رأس النظام الإيراني من أن إيران تسيطر على مصير الدول في المنطقة، وأنه لا يمكن في العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا والخليج العربي القيام بأي خطوة مصيرية دون إيران، والذي رددت عليه في حينه. وأريد أن أقول لإيران وأتباعها أنهم خاسرون في تدخلاتهم في شؤون الأمة العربية، وسوف تنهض أمتنا كما فعلت في السابق، وستقطع الأيادي التي تمتد إليها بالسوء، وكما ردت عليكم في البحرين واليمن فسترد عليكم في كل جزء من أجزاء أمتنا الغالية، وسيرتد الشر إلى أهله. لقد عاهدتكم عندما قبلت بتحمل المسؤولية أن أسعى لوحدة اللبنانيين وإنهاء الانقسام السياسي واستعادة سيادته، وترسيخ مبدأ النأي بالنفس، ولقد لقيت في سبيل ذلك أذى كثيرا، وترفعت عن الرد تغليبا لمصلحة لبنان والشعب اللبناني، وللأسف لم يزد هذا إيران وأتباعها إلا توغلا في شؤوننا الداخلية، والتجاوز على سلطة الدولة، وفرض الأمر الواقع.” وتابع “إن حالة الإحباط التي تسود بلادنا وحالة التشرذم والانقسامات وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة واستهداف الأمن الإقليمي العربي من لبنان، وتكوين عداوات ليس لنا طائل من ورائها، أمر لا يمكن إقراره أو الرضى به تحت أي ظرف، وإني واثق بأن ذلك هي رغبة الشعب اللبناني بل طوائفه ومكوناته. إننا نعيش أجواء شبيهة بالأجواء التي سادت قبيل اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وقد لمست ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياتي. وانطلاقا مما أؤمن به من مبادئ ورثتها من المرحوم الشهيد رفيق الحريري ومن مبادئ ثورة الأرز العظيمة، ولأنني لا أرضى أن أخذل اللبنانيين أو أقبل بما يخالف تلك المبادئ، فإني أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة اللبنانية، مع يقيني بأن إرادة اللبنانيين أقوى، وعزيمتهم أصلب، وسيكونون قادرين برجالهم ونسائهم على التغلب على الوصاية عليهم من الداخل أو الخارج، وأعدكم بجولة وجولات مليئة بالتفاؤل والأمل بأن يكون لبنان أقوى مستقلا حرا، لا سلطان عليه إلا لشعبه العظيم، يحكمه القانون ويحميه جيش واحد وسلاح واحد”.
توحيد الصفوف: ومن غير المستبعد وفق ما تقول مصادر مطّلعة لـ”المركزية”، أن تشهد الرياض في قابل الايام، لقاءات لترتيب البيت السني وتوحيد صفوف القوى المعارضة لحزب الله في لبنان، وقد أفيد في السياق ان اللواء أشرف ريفي موجود في المملكة وقد يجتمع الى الحريري في الساعات المقبلة، وقد انتقل اليها ايضا وزير الاعلام عصرا في زيارة رسمية.