ليبيا بعد القذّافي لقّنت العالم، وخصوصاً الغرب الذي ساند شعبها للإطاحة بالديكتاتور المجنون، أسوأ درس! في أول خطاب ألقاه بعد “نجاح” الثورة، أعلن مصطفى عبد الجليل عن “حقّه” في ٤ زوجات! الآن، تحوّلت ليبيا إلى مرتع للفاشية الإسلامية! شعوب أخرى تدفع الثمن، خصوصاً الشعب السوري!
*
سوسة (تونس) (رويترز) – في أواخر 2013 عاد شابان تونسيان من معسكر للجهاديين في ليبيا وخططا لتفجير نفسيهما وسط سائحين أجانب.
حاولا فكان مصيرهما الفشل الذريع اذ لم تنفجر قنبلة بسبب عطل بينما لم تقتل الأخرى سوى المهاجم على رمال منتجع سوسة التونسي.
وبعد ذلك بعامين نجح ثلاثة آخرون من المتشددين التونسيين الذين تلقوا تدريبا في ليبيا في إراقة الدماء مرتين فصلت بينهما بضعة أشهر في سوسة والعاصمة تونس فقتلوا 60 شخصا جلهم من السائحين في هجومين هما الأكثر دموية في تاريخ البلاد.
وبعد أن حظيت تونس بالإشادة باعتبارها صاحبة التجربة الوحيدة الناجحة بين الدول التي شهدت موجة انتفاضات “الربيع العربي” تجد الآن نفسها وديمقراطيتها الوليدة تحت حصار توسع الجهاديين في شمال أفريقيا حيث يعيد متشددون اتجهوا للتطرف داخل تونس وتدربوا في ليبيا تصدير فكرهم العنيف إلى الوطن.
ولم تبد على سيف الرزقي المسلح الذي قتل 38 شخصا في هجوم بفندق في سوسة الشهر الماضي ولا على الاثنين اللذين نفذا الهجوم على متحف باردو في تونس فقتلا 22 شخصا في مارس آذار الماضي أي أمارات على اتجاههم للتشدد.
ولم تكن لدى السلطات معرفة بصلاتهم بجهاديين الى أن نفذوا هجوميهم.
ومازال الغموض يحيط بإعلان المسؤولية عن الهجومين خاصة بعدما قتلت الشرطة المسلحين الثلاثة. ولم تتأكد قط تقارير أشارت لفرار مسلح آخر من مسرح عملية متحف باردو.
لكن الواضح هو التهديد الذي يحدق بتونس من ملاذ الجهاديين على الجانب الآخر من الحدود في ليبيا المضطربة والخلايا النائمة ومسؤولي تجنيد المتطرفين بالداخل.
يقول كمال الجندوبي المسؤول في خلية الأزمة والاتصال في هجوم سوسة “انها حرب ضد تونس.. ليست حربا ضد السياحة او الاقتصاد فقط بل هي حرب ضد الديمقراطية في تونس.”
وقال الرئيس الباجي قائد السبسي إن قوات الأمن فوجئت وفي الأسبوع الماضي فرض حالة الطوارىء. ويعد شركاء أوروبيون تونس بمساعدتها في التدريب وتأمين الحدود وتبادل المعلومات مع القوات المسلحة التونسية.
لكن تحقيق توازن بين الإجراءات الأمنية المشددة والحريات التي حصل عليها أبناء تونس حديثا قد يكون له ثمن وينتاب القلق دعاة حقوق الإنسان من أن تكون الحملات الأمنية مقدمة لقمع ربما يؤدي لانضمام المزيد من العناصر الى صفوف المتشددين في بلد يشعر قطاع كبير من شبابه بالغربة.
ووجه قتل السائحين ضربة متعمدة لقلب الاقتصاد التونسي في توقيت حرج.
فمنذ انتفاضة 2011 التي جعلت زين العابدين بن علي أول زعيم عربي يطاح به من الحكم في موجة الانتفاضات بالمنطقة في ذلك العام تفادت تونس سفك الدماء والحرب الأهلية التي طالت غيرها من الدول العربية.
لكنها شهدت اضطرابا سياسيا تخللته توترات من حين لآخر بين أحزاب علمانية وأخرى إسلامية وبدأت لتوها في تعزيز مكاسبها الديمقراطية ونموها الاقتصادي.
وبفضل الحريات التي حصل عليها التونسيون بعد سقوط بن علي أصبح للسلفيين والإسلاميين المتطرفين صوت في أكثر دول العالم العربي تمسكا بالعلمانية. تحول البعض الى العنف واتجهوا للعمل السري.
وظهرت علامات واضحة على صعود التشدد منذ فترة. ويقول مسؤولون حكوميون إن أكثر من ثلاثة آلاف تونسي يقاتلون الآن في سوريا والعراق كما أن عدد المقاتلين من تونس في ليبيا مع المجموعات الإسلامية المتشددة في ازدياد. وتوعد بعض المقاتلين بالعودة الى بلادهم وشن هجمات.
وقال السبسي في كلمة بثها التلفزيون هذا الأسبوع لإعلان حالة الطواريء “الإرهابيون نزلوا لأول مرة للمدن في هجوم باردو.. كنا نعتقد أنها المرة الأولى والـخيرة ولكن هجوم سوسة كان كارثة كبرى.”
وأضاف “لو تحصل هجمات مثلما حصل في تونس فإني أقولها بوضوح إن الدولة ستنهار.”
* صلات في ليبيا؟
ويقول مسؤولون تونسيون ومصادر أجنبية إن المهاجمين في باردو وسوسة تدربوا في نفس الوقت في معسكر جهادي بليبيا قريب من صبراتة وهي بلدة على مسافة غير بعيدة عن الحدود مع تونس في منطقة تشيع فيها ممارسات التهريب.
ويحاصر ليبيا صراع بين فصائل متناحرة وحكومتين متنافستين مما يدفعها نحو مزيد من الفوضى. وفي ظل الفراغ الأمني يتمدد مؤيدو الدولة الإسلامية ومجموعات إسلامية متشددة أخرى.
وقال مصدر أمني تونسي “ليبيا هي مشكلتنا..اذا استقرت الاوضاع الامنية في ليبيا وتوصلوا الى حل سياسي وحكومة واحدة وجيش واحد قوي فتونس ستكون آمنة.. كل الهجمات الان يتم الاعداد لها في ليبيا.”
وحتى قبل مهاجمة متحف باردو تردد أن العديد من كبار القادة الجهاديين بشمال أفريقيا موجودون في ليبيا وبينهم الجزائري مختار بلمختار العضو القديم في تنظيم القاعدة الذي خطط لاحتجاز رهائن في حقل عين أميناس للغاز في الجزائر وهي العملية التي قتل فيها 67 شخصا على الأقل.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن بلمختار ومؤسس وزعيم جماعة أنصار الشريعة في تونس أبو عياض ربما قتلا في غارة جوية في يونيو حزيران على اجتماع للجهاديين قرب بنغازي. وتنفي جماعات متشددة ذلك ولم يتأكد مقتل أي منهما.
ويقول مسؤولون تونسيون إن أعضاء بارزين في مجموعة أبو عياض انتقلوا من تونس للعيش في ليبيا وبالأخص في صبراتة.
وتحمل السلطات التونسية مجموعة أبو عياض المسؤولية عن هجوم سوسة وتتهم جماعة محلية أخرى لها صلات بالخارج بالمسؤولية عن هجوم متحف باردو. هذه الجماعة هي كتيبة عقبة بن نافع المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي خاضت معارك محدودة ضد قوات الأمن التونسية على الحدود الجزائرية.
ومع صعود تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن قيام خلافة في سوريا والعراق العام الماضي أصبح تعقب ولاءات الجماعات المتشددة أكثر صعوبة.
وتبنت الدولة الإسلامية كلا من هجومي باردو وسوسة وإن كان مصدر أمريكي مطلع على التحقيقات يقول إنه لم تظهر أي أدلة تثبت أن المهاجمين تحركوا بناء على توجيه من القيادة المركزية لتنظيم الدولة الإسلامية.
وقال جيف بورتر الخبير بشؤون شمال أفريقيا بمركز وست بوينت لمكافحة الإرهاب “المشهد الجهادي في ليبيا وتونس مائع للغاية.
“ما يحدد انضمام شخص لهذه المجموعة أو تلك ليس موالاته لقيادة الدولة الإسلامية أو القاعدة بل احتمالات أن يتمكن من التدريب من أجل الجهاد وتنفيذ هجمات.”
وانشق أحد أهم المسؤولين عن تجنيد الأفراد لجماعة أنصار الشريعة وهو أحمد الرويسي ليبايع الدولة الإسلامية في مطلع هذا العام. وتقول مصادر تونسية إنه أشرف على التدريب والتجنيد في ليبيا وقتل قبل أيام قليلة من عملية باردو في مدينة سرت التي أصبحت الآن معقلا لتنظيم الدولة الإسلامية.
ويقاتل متشددون تونسيون تحت راية الدولة الإسلامية في بنغازي وسرت. ويقول سكان محليون إن أحد هؤلاء التونسيين كان قائدا بارزا بالتنظيم المتشدد في درنة التي كانت معقلا لتنظيم الدولة الإسلامية بليبيا قبل أن يجبره مقاتلون إسلاميون منافسون على الانسحاب منها.
* مشاكل في الجوار..
لكن على الرغم من أن المسؤولين التونسيين يشيرون باصبع الاتهام الى الجانب الآخر من الحدود فإن تجنيد العناصر الجديدة للجماعات الإسلامية المتشددة يبدأ في الداخل حيث وجد الأئمة المتشددون والقائمون على عمليات التجنيد عبر الانترنت أرضا خصبة لهم.
فقد كان الرزقي – الذي نفذ هجوم سوسة – على اتصال بجهاديين عبر الانترنت لكنه كان يتردد أيضا على مسجد غير مرخص له في مدينة القيروان التي كان يدرس بها وفق ما ذكرته مصادر أمنية تونسية. وتشبع المسلحان اللذان نفذا هجوم باردو بالفكر المتطرف أيضا في مساجد محلية.
وخلال الاضطرابات التي سادت في الأيام الأولى للثورة هيمن أئمة متشددون على المساجد والمدارس الدينية لينشروا رسائلهم المتشددة. وفي الآونة الأخيرة فقط استعادت الحكومة السيطرة وحظرت عمل مثل هؤلاء الوعاظ.
وعقب هجومي باردو وسوسة أعلنت السلطات أنها ستغلق 80 مسجدا. كما منعت السلطات أيضا واعظا سلفيا شهيرا من الخطابة ومنعت زعيما لحزب سياسي سلفي من الوعظ.
وقالت نجاة الهمامي المكلفة بالاعلام في وزارة الشؤون الدينية ” هذه المساجد ليست قانونية وليس مرخصة..اغلبها فتح اثناء الفوضى الامنية خلال الثورة.. هذه المساجد يؤمها ائمة متشددون.”
لكن عقب هجوم باردو جرت عمليات اعتقال واسعة وصدر قانون جديد لمكافحة الإرهاب كما حدثت مضايقات من الشرطة لإسلاميين محافظين وهو ما تسبب في إطلاق تحذيرات من محامين مدافعين عن حقوق الإنسان وأثار مخاوف من ردود فعل عنيفة بين الشبان المتدينين الذين يشعرون بأنهم مستهدفون بشكل جائر.
وتخشى جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان أن تسيء السلطات التي تواجه ضغطا لتحقيق نتائج استغلال القيود على الحريات والتي فرضت بموجب إعلان حالة الطوارئ مؤخرا لمدة 30 يوما وتشمل قيودا محتملة على الصحافة والتجمع فضلا عن تيسير عمليات الاحتجاز.
وفي الأسبوع الماضي تظاهر المئات بالشوارع احتجاجا على سعي الشرطة لاعتقال واعظ متشدد وذلك في مسقط رأسه بلدة مساكن القريبة من سوسة.
وفي بلدة القلعة الكبرى القريبة أيضا أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع خلال اشتباكات ليل الخميس لتفريق شبان يعارضون الإغلاق القسري لمسجد محلي.
وقال شاب إسلامي من سكان المنطقة يدعى نصر الدين “هذه القرارات لن تدفع الا لخلق التوترات.. الحكومة تعلن الحرب على المساجد حتى المعتدلة منها.. انها تخلق التطرف وليس العكس.”