العناوين الرئيسية
قضى المودعون اللبنانيون ست سنوات عالقين في شبكة من القيود وتقلّص الخيارات. والتعميم رقم 158 الصادر عن مصرف لبنان — الذي بدأ بالسماح بسحب 400 دولار شهريًا ثم رفعه الحاكم الحالي إلى 800 دولار — كان يفترض أن يخفَّفَ معاناتهم، لكنه في الواقع عمّق الاقتصادَ النقدي واستنزف السيولةَ من النظام المصرفي.
معظم الـ 800 دولار تخرج من الدورة الاقتصادية الرسمية بسرعة — تُحوَّل إلى نقد يُخزَّن في المنازل أو يُسلَّم إلى شركات الأموال لينتقل إلى المحافظ الرقمية. وكلما ضخّ المصرف المركزي دولارات أكثر، زادت أرباح تلك الشركات. يَضخّ المصرف المركزي الدولارات، لكن القليل منها يعود إلى البنوك. لقد حان الوقت لإعادة التفكير بهذا النموذج.
من 800 إلى 2000 دولار: الثقة عبر التداول
رفعُ سقف السحب الشهري من 800 إلى 2000 دولار — ضمن إطار رقمي أولاً — يمكن أن يغيّر المشهد كلياً. ربطُ السحوبات بالمحافظ الرقمية التي تديرها المصارف سيُبقي السيولة ضمن القطاع المالي، ويُعيد الثقة، ويُوازن التنافس مع شركات النقد.
مع ارتفاع التضخم، تعاني الأسر اللبنانية من نقص السيولة لتغطية الأساسيات — لا الكماليات، بل الطعام والوقود والدواء. رفع سقف السحب سيضمن أن تُنفق هذه الأموال محليًا فوراً، ما يُنشّط الطلب الداخلي ويُعزز إيرادات الأعمال الصغيرة. فكل دولار يُعاد تدويرهُ في الأسواق المحلية يقوّي فرص العمل وجمع الضرائب بدلاً من تغذية المضاربات.
المدفوعات الرقمية: الطريق للخروج من فخّ الكاش
لقد حدّت معظم الاقتصادات المتقدمة من السحوبات النقدية الكبيرة وشجّعت المدفوعات الرقمية للحد من التهرب الضريبي وتبييضِ الأموال، ولبنان يجب أن يسير في هذا الاتجاه.
من خلال توسيع نطاق المحافظ الرقمية وإلزام المتاجر الكبرى والصيدليات والأعمال الصغيرة بقبول المدفوعات الإلكترونية — مع الحدّ من استخدام النقد — يمكن لمصرف لبنان أن يُنظّف الاقتصاد النقدي ويستعيد السيطرة على تدفّق الأموال. كما أن التداول الرقمي يُخفّف الحاجة إلى الدولارات الورقية، وهو ما يُخفّف الضغط في بيئة مالية هشّة كالتي يعيشها لبنان اليوم.
تمويل التوسعة: الذهب كرافعة
سيسأل المنتقدون كيف يمكن للمصرف المركزي تحمّل هذه الزيادة. الجواب يكمن في إدارة ذكية للميزانية العمومية. فاحتياطات لبنان من الذهب، التي بلغت تقريباً قِيَماً قياسية، يمكن رهنُها أو رَقمَنَتُها — لا بيعها — لدعم سيولة رقمية مضبوطة. تسخير هذه القيمة يمكن أن يدعم توسيع السحوبات مؤقتاً من دون المساس بالأصول الأساسية للبلاد.
إذا كانت الزيادة السابقة بمقدار 400 دولار كلّفت المصرف 1.2 مليار دولار سنوياً، فإن زيادة بمقدار 1200 دولار ستُكلّف نحو 3.6 مليار دولار. وبما أن المصرف المركزي لا يملك هذا المبلغ فوراً، فلماذا لا “يُجمّد” أرباح ارتفاع أسعار الذهب لدعم تعافٍ محدود في النشاط الاقتصادي؟ فالنمو الناتج قد يُعيد الثقة ويولّد زخماً اقتصادياً إضافياً.
جدول زمني عملي للسداد
إذا تم تنفيذ الزيادة البالغة 1200 دولار رقمياً، يمكن لكل مودع أن يحصل على 2000 دولار شهريًا — أي 24,000 دولار سنوياً — بمجموع نحو 96,000 دولار خلال أربع سنوات. ستكون هذه خطوة ملموسة نحو إعادة فتح الوصول إلى الحسابات التي تتجاوز الـ 100,000 دولار قيد النقاش حالياً.
هذا النهج يركّز على دفعات رقمية منظّمة، لا تمويلٍ نقدي غير مستدام. إنه يبني الثقة تدريجياً من دون زيادة التضخم.
الثقة هي العملة الحقيقية
إن تعميمًا رقمياً أكثر سخاءً لا يُعتبر مغامرة، بل خطوة استراتيجية. فهو يُقلّل الاعتماد على النقد، ويُحدث نقلة في البنية التكنولوجية للمعاملات، ويُرسل إشارة واضحة بأن مصرف لبنان مستعدّ لقيادة لبنان نحو مستقبل مالي شفاف ومبني على التكنولوجيا.
في النهاية، السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان مصرف لبنان قادرًا على أن يكون أكثر سخاءً — بل ما إذا كان لبنان قادرًا على تحمّل عكس ذلك.
