ترجمة “الشفاف” نقلاً عن مقال “الفايننشال تايمز” الذي يمكن الإطلاع عليه بالإنكليزية هنا.
قبل شهر، أثار المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الفضول حين قال إن إدارة ترامب تطبخ خطة جديدة “شاملة” لإنهاء حرب إسرائيل المستمرة منذ نحو عامين ضد حركة حماس في غزة.
رجل العقارات الذي تحوّل إلى دبلوماسي كشف أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان على وشك ترؤس “اجتماع كبير” في البيت الأبيض بشأن هذه المبادرة.
ذلك الاجتماع انتهى دون أن يوحي بالكثير من التقدم في الصراع المستعر. لكن قائمة الحضور كانت لافتة: المدعوون لتقديم أفكارهم شملوا جاريد كوشنر، صهر ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق السير توني بلير.
يوم الاثنين، ظهرت بصمات كلا الرجلين على المقترحات التي كشف عنها ترامب في البيت الأبيض بعد أن أقنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقبول خطة لإنهاء الهجوم الإسرائيلي العنيف على غزة.
الرئيس وصف بلير بأنه “رجل جيد” سيجلس في هيئة إشراف دولية — “مجلس السلام” — للإشراف على لجنة فلسطينية تدير القطاع بموجب الصفقة.
وبجانبه، شكر نتنياهو كوشنر وويتكوف على “عملهما الدؤوب لتقريب إسرائيل والدول العربية والمنطقة أكثر من أي وقت مضى”.
خطة ترامب المكوّنة من 20 نقطة — والتي لم تقبلها حماس بعد — كانت ثمرة أسابيع من الدبلوماسية، حيث قاد ويتكوف، كبير مفاوضي ترامب لشأن غزة، إلى جانب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وكوشنر، اتصالات مع دول عربية، ولا سيما السعودية وقطر والإمارات، لتبادل الأفكار.
وقال مسؤول عربي: “كان الأمر في معظمه بيد ويتكوف. هو تعامل مع القادة. جاريد تعامل مع التفاصيل”.
أما بلير، فكان يعمل منذ أكثر من عام على رؤيته الخاصة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة. أفكاره لم تحظ بالكثير من الاهتمام من إدارة بايدن، لكن مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض أصبح مرة أخرى لاعباً أساسياً.
في الأسابيع الأخيرة، ظهرت تسريبات عن خطة بلير التي دعت إلى أن تُدار غزة تحت وصاية دولية. ذلك المقترح أثار قلق مسؤولين أوروبيين وعرب خشية أن يهمّش الفلسطينيين.
بلير تشاور مع كوشنر، الذي لا يشغل أي منصب رسمي في الإدارة، لكنه يحافظ على علاقات تجارية وثيقة مع قادة الخليج النفطي. وكان كوشنر قد روّج سابقاً لخطة “السلام من أجل الازدهار” التي قوبلت باستهزاء شديد من الفلسطينيين عندما عمل مبعوثاً لترامب للشرق الأوسط في ولايته الأولى.
مع ذلك، لم يظهر من نتنياهو ما يدل على أنه قد يأخذ أي خطة سلام على محمل الجد أو أنه قد يرضخ لأي ضغوط من ترامب. فقد تمسّك الزعيم الإسرائيلي بشعاره المتشدد حول “النصر الكامل” على حماس، وأطلق هجوماً برياً على مدينة غزة رغم الاستنكار الدولي للأوضاع الإنسانية المتدهورة بالفعل.
لكن خلف الكواليس، بدأ الدبلوماسيون يتحدثون بقدر من التشكيك عن “خطة كوشنر-بلير”.
وكانت الدول العربية قد بلورت بالفعل مقترحاتها الخاصة لمرحلة ما بعد الحرب بعد أن صُدمت بإعلان ترامب في فبراير بأن غزة يجب أن تُفرغ من الفلسطينيين وتُطوّر لتصبح “ريفييرا الشرق الأوسط”. لكن خطتهم لم تتناول القضية الشائكة المتعلقة بنزع سلاح حماس، ولم يكن لها أي فرصة للقبول من قبل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
وبشكل منفصل، كانت المملكة المتحدة تعمل مع فرنسا على خطة تدعو إلى لجنة فلسطينية لإدارة غزة، كما اقترح العرب، إلى جانب نشر قوة دولية لتحقيق الاستقرار ونزع سلاح حماس.
وفي النهاية، شملت خطة الرئيس عناصر من مقترحات مختلفة — اللجنة الفلسطينية، وقوة الاستقرار، وهيئة إشراف دولية يترأسها ترامب.
وفي أوساط الحكومة الإسرائيلية، أثار اجتماع البيت الأبيض في أغسطس — بمشاركة رون ديرمر، أقرب مساعدي نتنياهو — أجراس الإنذار، إذ بدا أن ترامب يعيد توجيه اهتمامه إلى الشرق الأوسط بعد فشله في إحراز تقدم في إنهاء حرب روسيا على أوكرانيا.
وقال شخص مطّلع على حكومة نتنياهو لصحيفة “فاينانشال تايمز” في ذلك الوقت: “المزاج العام هو إنهاء الحرب، بسبب ترامب والأمريكيين. هناك ضغوط على إسرائيل لإنهائها قريباً”.
وأضاف أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا “منزعجين للغاية” بشأن الضغوط التي قد تواجهها إسرائيل في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبحلول الوقت الذي اجتمع فيه قادة العالم في نيويورك الأسبوع الماضي، كان الاستنكار الدولي قد اشتد.
واختار الحلفاء الغربيون لإسرائيل، بمن فيهم المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا وكندا، المناسبة للاعتراف بدولة فلسطينية — سواء لإبقاء فكرة حل الدولتين حيّة، أو لتوجيه توبيخ لنتنياهو.
وقد اتهم خبراء وباحثون، من بينهم لجنة تابعة للأمم المتحدة، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في القطاع. وكانت الإمارات تحذر من أن اتفاقها لعام 2020 لتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية مهدد بسبب تهديدات إسرائيل بضم الضفة الغربية. كما أثارت غارة إسرائيلية صاروخية في 9 سبتمبر استهدفت قادة سياسيين من حماس أثناء اجتماعهم في قطر لمناقشة أحدث مقترح لوقف إطلاق النار قدمه ويتكوف غضب الدول العربية.
حتى ترامب بدا غاضباً من نتنياهو، قائلاً إنه “غير سعيد على الإطلاق بكل جوانب” الهجوم على حليف أمريكي رئيسي يلعب دوراً محورياً في جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس.
قال مسؤول عربي: “كانت الخطط [من أجل اتفاق سلام] قيد الإعداد منذ فترة، وهناك عدة صيغ مختلفة. لكن الدفع الأكبر جاء بعد الهجوم على الدوحة”.
وبحلول الوقت الذي وصل فيه القادة العرب إلى نيويورك لحضور قمة الأمم المتحدة، كانوا يستعدون لبذل جهد جديد مع الرئيس وشرح ما سيكون مقبولاً للفلسطينيين وللمنطقة الأوسع، بحسب ما قال المسؤول العربي.
وقبيل اجتماع مع ترامب يوم الثلاثاء الماضي، سلّموا البيت الأبيض قائمة من ست نقاط، تضمنت بالإضافة إلى إنهاء الحرب: عدم وجود احتلال إسرائيلي لغزة أو بناء مستوطنات يهودية هناك، وعدم التهجير القسري للغزيين، وعدم ضم الضفة الغربية، وعدم اتخاذ إسرائيل أي خطوات لتغيير الوضع القانوني للمواقع المقدسة في القدس.
وأشار القادة العرب والمسلمون إلى أن أي خطوة إسرائيلية لضم الضفة الغربية ستُهدد أحد أبرز إنجازات السياسة الخارجية لترامب في ولايته الأولى، وهو “اتفاقات أبراهام” بين إسرائيل وعدة دول عربية.
وأكد لهم ترامب أنه لن يسمح بالضم.
وضغط العرب من أجل دور أكبر للسلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء محدودة من الضفة الغربية، في مرحلة ما بعد الحرب في غزة. لكن بشكل عام، خرجوا من الاجتماع الذي استمر أكثر من ساعة وهم أكثر تفاؤلاً مما كانوا عليه منذ أشهر. وحضر الاجتماع عدة مستشارين كبار وأعضاء من حكومة ترامب.
ووصف مسؤول عربي آخر اللقاء بأنه “مُثمر وحاسم للغاية”.
وقال المسؤول: “في الأساس وافق على المواقف التي طرحها رؤساء وفودنا — بأن الحرب يجب أن تنتهي، وأنه يجب التوصل إلى وقف إطلاق نار الآن، وأنه يجب إعادة إعمار غزة، وأنه يجب أن يكون هناك أفق سياسي للفلسطينيين”. وأضاف: “مع هذه الإدارة هناك الكثير من الإيجابيات، وبعض الأمور تحتاج إلى دبلوماسية خلاقة، لكن من بين الإيجابيات سرعة اتخاذ القرار.
“ولا يوجد هذا التوجه الأيديولوجي الجامد من نوع ’إما هذا أو ذاك‘. بل ’ما الطريق إلى اتفاق؟ أعطوني أفكاركم لإنهاء الحرب‘”.
وأمر ترامب ويتكوف وروبيو بعقد اجتماعات متابعة مع المسؤولين العرب لوضع التفاصيل. وقال المسؤول العربي الأول: “تمت صياغة الخطة كلها خلال ثلاثة أيام”.
ويبدو أن الزخم المفاجئ قد فاجأ حلفاء الولايات المتحدة الآخرين.
فقد كانت بريطانيا وفرنسا تخططان للاجتماع بمسؤولين أمريكيين وعرب يوم الأربعاء للحصول على موافقة ترامب على ثمانية مبادئ لإنهاء الحرب وما بعد غزة. لكن الأحداث تجاوزت ذلك.
أما نتنياهو، فلم يكن حتى في نيويورك. إذ كان من المقرر أن يلقي خطابه أمام قمة الأمم المتحدة يوم الجمعة، ثم يجتمع مع ترامب في البيت الأبيض يوم الاثنين. وعندما ألقى كلمته، كان متحدياً كعادته، مؤكداً أن إسرائيل ستكمل “المهمة” ضد حماس في غزة، وأنها لن تسمح بقيام دولة فلسطينية.
لكن مسؤولاً إسرائيلياً قال إن هناك “قلقاً” و”فوضى” داخل وفد إسرائيل إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن القادة العرب أقنعوا ترامب بـ”دعم خطة تتعارض” مع موقف إسرائيل.
واجتمع نتنياهو ودرمر مع ويتكوف وكوشنر ثلاث مرات على الأقل في فندق نتنياهو في نيويورك خلال ذلك الأسبوع في محاولة لتقليص الخلافات، بحسب مسؤول إسرائيلي ثانٍ. وقال ويتكوف لشبكة “فوكس نيوز” إنه وكوشنر كانا “يعملان طوال عطلة نهاية الأسبوع على هذا… وبالتالي، فإن الإسرائيليين منخرطون في العملية”.
وعندما أعلن ترامب خطته يوم الاثنين، بدا نتنياهو بلا انفعال. وقال الزعيم الإسرائيلي المخضرم إن خطة ترامب حققت “أهداف إسرائيل من الحرب”.
لكنه جدد رفضه لأي دور للسلطة الفلسطينية، وحذر من أنه إذا رفضت حماس — التي لم ترد بعد على الخطة — الاتفاق أو حاولت تقويضه “فإن إسرائيل ستكمل المهمة بنفسها”.
وقال شخص مطّلع على موقف الحكومة الإسرائيلية إن نتنياهو وافق على الخطة “لأنه لم يكن أمامه خيار”. وأضاف: “لقد كان هذا واضحاً عليه”، في إشارة إلى مظهره المُذعن”.
لكنه أضاف أن نتنياهو حصل على “معظم ما أراده”، باستثناء الإشارة في الخطة إلى دولة فلسطينية. وفي إشارة لمخاوف العرب والفلسطينيين، تنص الخطة على أنه مع إعادة إعمار غزة وإصلاح السلطة الفلسطينية، “قد تتوافر أخيراً الظروف لوجود مسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة”.
وقال ترامب يوم الثلاثاء إن أمام حماس ثلاثة إلى أربعة أيام للرد. وأضاف: “نحن فقط ننتظر حماس، وحماس إما ستفعل ذلك أو لا، وإذا لم تفعل، فسيكون ذلك نهاية حزينة للغاية”.
وإذا قبلت حماس، فسيعتمد القادة العرب على ترامب لضمان التنفيذ الكامل للخطة.
وقال المسؤول العربي الثاني: “الرافعة الأساسية، على نتنياهو وعلى الحكومة الإسرائيلية، هي الولايات المتحدة. وأعتقد أن جزءاً من جهدنا كان أيضاً إبقاءهم منخرطين قدر الإمكان”.
“إذا كان إما حماس أو الحكومة الإسرائيلية هي المُعطِّل، فأعتقد أننا سنحتاج إلى رؤية الإدارة الأمريكية تُحمّلهم المسؤولية عن ذلك”.
The Financial Times: How Donald Trump’s Gaza deal came together

