تهديدات الحرب الأهلية التي يلوّح بها الحاج نعيم قاسم، وضمنها التهديد بـ« انشقاق الجيش »، كما حدث في سبعينات القرن الماضي، لا ينبغي أن تخيفَ اللبنانيين، ولا أصدقاءهم في العالم!
بعيداً عن ثرثرات “المعلّقين بالفيديو” (كلّ لبناني “مُعَلِّق!)، فإن مقارنة سريعة تبيّن أن مشروع « الحرب الأهلية » ليس وارداً:
أولاً، الحروب الأهلية لا تقوم على « التجنيد الإلزامي» مثل الحروب التقليدية، بل تقوم على « التطوع العفوي » لفئات اجتماعية تدفعها قناعاتها ومخاوفها وآمالها! كما فعل المسيحيون في فترة « الجبهة اللبنانية »، حينما أبلغهم الرئيس سليمان فرنجية أنه لم يعد ممكناً الإعتماد على الجيش لحماية البلاد. وذلك كان بداية ظاهرة الشيخ بشير الجميل، ثم لاحقاً « القوات اللبنانية ». وذلك، حرفيا، ما فعله « الطرف المقابل »، أي الطوائف غير المسيحية التي انضمّت إلى « أحزابها »، التي كانت في الواقع « المنظمات الفلسطينية » وليس ميليشيات لبنانية، باستثناء الدروز الذين كانت لهم « خصوصيتهم » النسبية والآخذة بالإنحسار التدريجي لصالح المنظمات الفلسطينية، ولصالح نظام الأسد الذي كان بالإنتظار.

ثانياً، وبناءً على ما سبق، في 1975، كانت أغلبية الشعب اللبناني، بمختلف طوائفه وجماعاته، « متحمّسة » للحرب الأهلية وراغبة في خوضها. «المسيحيون » لأنهم شعروا بتراجع مكانتهم، وصعود دولة فلسطينية على حساب الدولة اللبنانية منذ « اتفاق القاهرة » المشؤوم في 1969، واستحالة الإتكال على « الجيش اللبناني » وأجهزة الدولة للعودة إلى الوضع الطبيعي! وبالمقابل، الدروز، والسُنّة والشيعة، المتحالفون مع المنظمات الفلسطينية، كانوا، إجمالاً، في طور « إنكار » مشروعية الكيان اللبناني نفسه، والتراتبية المعتمدة في ميثاق 1943 (خصوصاً الرئاسة المارونية). وكانت « الحرب الأهلية »، من جهتهم، مناسبة لـ « تصحيح » الوضع الكياني والداخلي ـ خصوصاً أن « التصحيح » المزعوم كان يتَخفّى تحت عباءة « إيديولوجية مقدّسة »(!)، أعني بها القضية الفلسطينية والدفاع عن « الإخوة الفلسطينيين »!!
ثالثا، الأرجح أن الأغلبية اللبنانية ـ أي مجموع السُنّة والدروز والشيعة ـ كانت مناوئة للدولة اللبنانية في العام 1975. تكفي قراءة مذكرات وزير الخارجية العظيم « فؤاد بطرس » لتكوين صورة « محزنة » عن حالة الدولة اللبنانية المعزولة بين التوسّع الفلسطيني، والمطامع السورية، وأخيراً الغزو الإسرائيلي في 1982.
الولادة الثانية للكيان اللبناني
رابعاً، « الحرب الأهلية » الأولى في 1975ـ 1976، واستطراداً حتى 1982 (والمجازر التي ارتكبها جيش حافظ الأسد في طرابلس)، كانت بمثابة « الولادة الثانية » للكيان اللبناني: « نجح » الاحتلالان الفلسطيني والسوري، وجرائم الميليشيات، في إقناع السُنّة والشيعة والدروز بانتمائهم « اللبناني » و« الدَولتي ».
خامسا، شعار « لبنان أولاً » يمثّل منذ ذلك الحين، ومنذ انتفاضة 2005، وحتى الآن، إجماعَ الطوائف اللبنانية. وهو ما يحول دون العودة إلى « الحرب الأهلية » أو « انشقاق الجيش » اللذين يلوّح بهما الحاج نعيم قاسم وطهران. ولولا تخاذل قيادة الجيش في 7 أيار 2008 لكان البلد قد عاد إلى وضع شبه طبيعي منذ 17 عاماً، أي منذ انتصار الجيش في معركة « نهر البارد »!
الحرب الأهلية « مستحيلة » إذا كان المسيحيون والدروز والسنّة والقسم الغالب (والمتزايد) من الشيعة ضدها.
سادساً، الحرب الأهلية من المستحيلات الآن لأن أية طائفة لبنانية،خصوصاً الشيعة، لا « تأمل » في » تحسين وضعها » من خلال الإقتتال الداخلي. كذلك، يتعذّر انشقاق الجيش لأن الضباط « ينشقون » حينما يكون لديهم « مشروع سياسي » يملك حظاً في النجاح. وهذا مستحيل في الوضع الراهن.
سابعاً، ما العمل؟ الحل هو إصرار الدولة اللبنانية على قرارها التاريخي بنزع سلاح الميليشيا الإيرانية.. وبعض التحلّي بالصبر. وسنرى إذا كان « الكربلائي » نعيم قاسم (لا نعرف إذا كان مختبئاً في طهران أو في سفارة طهران على « الجناح ») قادراً على «إعلان الحرب على الدولة اللبنانية » رغم الطيران الإسرائيلي الذي « استوطن » الأجواء اللبنانية!
« استعادة الودائع » مطلب « وطني“
ثامناً، وأخيراً، وإذا وضعنا «الكيانية اللبنانية » المستجدة منذ ثمانينات القرن الماضي، وصوت فيروز، فإن ثمة شعاراً آخر مهما جدا جداً يوحّد اللبنانيين خلف الدولة وضد الإنشقاق عنها.
إذا سألت أي لبناني اليوم ما هو مطلبه سيكون الجواب حتماً: « استعادة الودائع »! « استعادة الودائع » بات « مطلباً وطنياً »! الإنتحار خلف نعيم قاسم لن يعيد « الودائع »! وحدها الدولة قادرة على إعادتها!

