جريدة “الفيغارو“ الفرنسية حاورت إمام جامع مدينة بوردو “طارق أوبرو” بعد قيام الإسلامي المعتوه “ياسين صالحي” بقطع رأس رب عمله السابق في حادث هزّ فرنسا ولم يسبق له مثيل في البلاد. وقد نُشِرت في اليوم الأخيرين تقارير تفيد أن هنالك حوالي ١٨٠٠ فرنسي يقاتلون في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابي.
هل إقفال المساجد السلفية (تم إقفال ٨٩ منها في ٢٠١٤ مقابل ٤٤ في ٢٠١٠) هو الحّل للقضاء على التطرّف قبل أن ينتشر؟
هذا يمثّل جزءاً من الحل، فقط. ينبغي البحث عن أسباب المرض، وينبغي كذلك عدم الإكتفاء بالمواعظ حول “قِيَم الجمهورية“ بل تطبيق القانون. وإلا، فإن التهاون سيؤدي إلى إضعاف الديمقراطية وإلى تقوية الإتجاهات الشَعبوية.
من جهة أخرى، فليست المساجد السلفية هي وحدها التي ينبغي إقفالها– فلا ينبغي معاقبة المُصلّين– بل ينبغي طرد الإئمة دعاة الكراهية من البلاد (تم طرد ٤٠ إماماً و“داعية كراهية” من فرنسا منذ العام ٢٠١٢، بينهم ١٠ في العام الحالي). وهؤلاء ليسوا أحياناً ما يفيد به مظهرهم. يمكن لهؤلاء أن يتسبّبوا بانطواء هويّاتي أو أن يشعلوا “قنابل نفسية” لا تعرّض الأمن العام للخطر ولا تخرق القوانين سوى أنها تخلق ممارسات رديئة على المدى الطويل وتسفر، على المدى الطويل، عن ترسيخ الكراهية وعن التآكل العقلي للمؤمنين. ما ينبغي تغييره هو الجمعيات التي تتولّى إدارة مثل تلك المساجد، كما ينبغي اعتماد فقه وقائي: الإنتباه إلى عواقب تأويلاتنا (للقرآن والحديث) على ضعافِ النفوس.
كيف تحلّل إقدام “ياسين صالحي“ على قطع رأس الضحية أثناء العملية الإرهابية التي وقعت قرب مدينة “ليون“؟
هذا العمل ناتج عن اضطراب عقلي. مزيج من حقد شخصي، وهامشية، وإسلام هويّاتي، وإحباط اجتماعي–إقتصادي.. كوكتيل من العناصر المشوّشّة مع طلاء إسلامي– وهذا معبّر عن إسلام بات اليوم مبعثراً، وعن عقيدة متشظّية، وعن إرهابٍ تحوّل إلى ظاهرة فردية. بات المسلمون اليوم مشوّشين، ولم يعودوا يعرفون حتى أركان عقيدتهم. إن من يرفعون السلاح اليوم لا يعرفون حتى الإسلام نفسه. إنهم يخلطون بين الإستشهاد والإنتحار. “فقه الشهادة“ يعني أن تتعرّض للموت أثناء الحرب، ولا يعني السعي إلى الموت. المشكلة هي في الجهاد ضد الجهل، وفي استعادة المعرفة والثقافة. إن العنف يأتي من غياب الحس الديمقراطي في الفكر عموماً، وفي الدين بصورة خاصة. حينما تبطل اللغة، لا يبقى سوى العنف.
ما هي توصياتك؟
نظلّ حتى الآن في إطار “إسلام عربي“ في فرنسا! والحال، فإن على فقهاء المسلمين في فرنسا أن يعملوا لبلورة عقيدة جديدة، وأن يسرّعوا الإندماج الديني. كم إماماً الآن (في فرنسا) يخضع لـ“لإسلام الواقعي“، أي السلفية الواقعية، بدل توجيه رعيته؟ ما هي “داعش“ و“القاعدة“ سوى الشعارات؟ أين العقيدة في ذلك كله؟
إما بالنسبة للممارسات– غطاء الرأس، واللحية، واللحم الحلال– فهي ترتبط جميعاً بإسلام هويّاتي (معبّر عن هوية)، إسلام سوسيولوجي، إسلام “واقعي“ أكثر مما هو إسلام فقهي. أنها تعبّر عن مُعتَقَد تقليدي جماهيري أكثر مما تعبر عن عقيدة إسلامية. وهي تتناسب مع حاجة الشبان للظهور، ولإحراز التقدير، وللتميّز الهوياتي، باختصار إنها موضة. من جهتي، أنا أدعو لإسلام متكتّم، إسلام داخلي، وأعتقد أن الظهور لا يقوم ضد نظرة الآخرين بل بالتعايش مع نظرتهم.
أجرت المقابلة “دلفين دو مالفو” لجريدة “الفيغارو”: