دخل الوزارة بارتياح، وخرج بالصراخ، في جلسة أحزنت الكثيرين، وشجعت المتصدين، من أصحاب الرصد والتصيد، وأجهدت رئيس المجلس، وحيرت المراقبين، لأن ختامها لا يسر، فلم أتصور أن يخرج الشيخ سلمان من وزارة الاعلام ومن الرياضة والشباب، بهذا التراجع في التعاضد الحكومي الذي يشكل موقع القوة للوزراء، ويلعب دور الواقي عبر المشاركة الوزارية التضامنية، لكن ذلك لم يتحقق لأن الحكومة لم تجند ترسانتها رغم كثرة الآليات التي تملكها.
لم تحشد الهمة الضرورية لمقارعة النواب العازمين على إلحاق الهزيمة بالوزير مهما كانت بلاغته في التعبير، ومهما كان منطق الحجة التي يستنجد بها، لم يكن النواب مهتمين بما يقوله الشيخ سلمان، فقد قرروا إبعاده وفق استراتيجية محددة منذ فوز التجمع النيابي العائد بأجندة مملوءة بقسوة المواجهة، ونزعة الثأر بطرح المستحيل والاصرار عليه والاندفاع للنجاح فيه، بصرف النظر عن شرعيته ودستوريته.
وتكشف تعليقات نواب المعارضة حول حكم التمييز بعدم الاختصاص حول جنسية البرغش النزعة التصادمية التي تتحكم في مسار المعارضة، حيث تأتي المؤشرات بالتصميم على إعادة الجنسية له بالتفاهم أو بالقانون أو المساءلة، ويعني ذلك ترويض الحكم وإبطال قرار المحكمة.
هذه المواقف تعكس أجواء البرلمان التي تسيدتها المعارضة البرلمانية المقتنعة بأنها تحتكر القرار والسيطرة وتتحكم بتوجهات المجلس.
ومن متابعة جلسة الاستجواب، نقف على خطة الارباك التي التزمها معارضو الشيخ سلمان، فعندما يتحدث تتدخل أصوات الاعتراض، مع مقاطعات غير مرخصة بتعليقات استنكار واستخفاف ينطلق من مختلف المقاعد، لادخال الوزير في دوشة المحاصرة.
ويمكن للشيخ سلمان أن يكتب في وصاياه بأن قوة الحجة لا تؤمن قارب النجاة، وأن أمل الاسعاف من زملاء المهنة في الحكومة ومن راسمي القرار يتضاءل مع صراخ كتائب المعارضين.
هناك ملاحظتان الأولى، كان على الشيخ سلمان رفض المساءلة في الموضوعات التي لم تكن في نظام الاستجواب، مثل طروحات الطبطبائي التي أضيفت دون مسوغ قانوني، وبدلت التوازن في الملف، والثانية تمس الدستور نفسه، فأتصور بأن البنية الدستورية تحمل معها نقاط ضعف في الحياة البرلمانية الكويتية، فلا يمكن أن تنجو حكومة الكويت من تعسف البرلمان دون أغلبية ملتزمة بدعمها طالما خطواتها منسجمة مع الدستور، وتساعدها في إفشال مقترحات قد يأتي بها المعارضون.
فلا غرابة إذا لجأت الحكومة الى أسلوب الاغراء والرجاء لنيل الدعم لقوانينها، فبعض الأزمات الأخيرة جاءت من هذا الواقع الدخيل على النظم الديموقراطية الأصيلة، وأعتقد أن أهم وصايا الشيخ سلمان لحكومته السابقة، بأن أمامكم مسلسلاً من التلاكم مع نواب معارضين تتكاثر فيه الضربات، شرعية وغير شرعية، مع نهج مربك في فضاء مضطرب قد لا يتمكن الرئيس ولا مساعدوه من تأمين أجواء مناسبة لاستجواب منصف، ولن يجد أحدكم من جعبة الحكومة سهاماً تخفف جروح الاستفراد، خاصة أن الطروحات المستقبلية التي تريدها المعارضة تزيد التعقيد السياسي في البلد وتضرب استقراره.
هل معقول أن يأخذ المواطن بيتاً آخر بعد أن يبيع منحة السكن، وتقاعد المرأة عند بلوغها الخامسة والأربعين؟!
قضايا الكويت الكبرى يتحاشاها المجلس، ولا يتعاطى معها لأنها تمس ما تحت الحزام.
في أي بلد يتواجد مئة وخمسون ألف شخص «تكوتوا» بالتزوير أو بالازدواجية؟ وماذا عن استنزاف المال العام من مقترحات يجد فيها النواب تأميناً لعودتهم، وأين الانضباط السكاني مع استمرار نشاط تجار الاقامات، أصحاب الضمائر المتعفنة.
مشكلة نواب المعارضة في رساخة الاعتقاد بأن تصعيد الشحن والمواجهة يجلب لهم الأصوات ويعزز مكانتهم الجماهيرية، دون الاعتبار لمنطق الدستور وضرورات التضامنية البرلمانية – الحكومية.
كان الشيخ سلمان موفقاً في الرياضة، وما أثاره النواب اعتراضاً على نشاط المجلس الوطني، لا يبرر المساءلة وإنما استعملته المعارضة وقوداً لحرق الوزير، وكنت أتمنى حذره من مطبات الطبطبائي برفضه الإضافات الملغومة، لكنه تواصل معها، فحسبت عليه، وياليته خرج بهدوء دون احالات تاركاً لغيره معرفة الحقائق..
ارتاح الشيخ سلمان.. وعلى الآخرين قراءة وصاياه.