إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
إذا ما استثنينا الكتّاب المصريين المتخصصين في الكتابة عن السينما المصرية وبضمنهم النقّاد ، فلعل الدكتور عبد المدني، الكاتب البحريني هو الباحث غير المصري الوحيد في عالمنا العربي الذي تخصص بكل جدارة في الكتابة عن هذه السينما تحديداً.
لا بل أزعم بأنه حاول أن يتميز عن كثرة من الكتّاب السينمائيين المصريين المتشابهين في كتاباتهم وإن اختلفوا في الأسلوب، ذلك بأن اختار له موضوعات غير مطروقة، وهي أكبر الظن لم تخطر على بال الكتّاب السينمائيين المصريين أنفسهم. ومن ذلك على سبيل المثال بحثُهُ المضني عن ممثلين ظُلموا ولم ينالوا حظهم من الشهرة، بالرغم من أن الأعمال السينمائية المميزة لا يكتمل نجاحها إلا بأدوار هذا الصف المغمور من الممثلين، مهما بدت بعيدة عن أدوار البطولة أو عن أدوار الصف الثاني من البطولة.
وقد نشر في هذا الصدد حلقات صحفية عديدة لفترة طويلة تحت عنوان” شاهدتهم ولا تعرفهم“، ثم جمعها في كتاب بنفس العنوان صدرت طبعته الأولى في 2018 عن “المؤسسة العربية للطباعُة والنشر” البحرينية. ويُعَد هذا الكتاب أشبه بالموسوعة السينمائية، إذ يناهز في عدد صفحاته 500 صفحة، وأحسَبه سيصبح مرجعاً مهماً لكل الباحثين والكتّاب السينمائيين وهواة الثقافة السينمائية، سواء في مصر بخاصة، أو على مستوى عالمنا العربي عامة, سيما وأن مؤلفه تناول فيه بنبذات مركزة ممتعة 161 شخصية من أولئك الفنانين الذين لم يسبق أن سُلطت عليهم الأضواء في الصحافة والمؤلفات السينمائية. بدءاً من “إبراهيم جكلة”، ومروراً بـ”عبد الخالق صالح” ،وانتهاءً بـ”يعقوب ميخائيل”، ولعل الغالبية العظمى من هواة مشاهدة الأفلام المصرية لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء الفنانين.
والحال ما كان للمدني أن يصل إلى هذا المستوى من التطور في البحث السينمائي؛ لولا عشقه المبكر منذ نعومة أظفاره طفلاً لمشاهدة الأفلام المصرية، بدءاً من السنوات الأولى لافتتاح “محطة أرامكو التلفزيونية” 1957، حيث وُلد وترعرع في طفولته في مدينة “الخُبَر” التي كانت على مقربة من “الظهران”، مقر المحطة، ثم ظل هذا الشغَف بالعصر الذهبي للسينما المصرية ملازماً له حتى يومنا هذا، وهو في بداية السبعينيات من عمره.
ومما لا شك فيه أن اهتمامات باحثنا الكتابية والبحثية عن “محطة تلفزيون أرامكو”، وهي أول محطة تلفزيونية تُفتتح تاريخياً في الخليج العربي 1957، وثاني محطة في العالم العربي بعد العراق (2 مايو 1956) إنما تتأتى من سياق اهتماماته السينمائية، ومن هنا جاء إصدار كتابه الموسوم “تلفزيون أرامكو.. دراسة توثيقية لأول محطة تلفزيونية ناطقة بالعربية في الخليج” حيث جاءت الطبعة الثانية الصادرة في 2022 عن نفس دار النشر البحرينية الآنفة الذكر أكثر شمولاً وتوسعاً من الطبعة الأولى التي صدرت في عام 2015.
وهو يأخذنا في هذا الكتاب في رحلة ممتعة مفيدة لا يروي فيها قصة تأسيس “محطة أرامكو التلفزيونية” فحسب، بل يمهِّد للحديث عنها بفصلين مهمين مفيدين بعنواني “اختراع هذا الجهاز السحري” و” تاريخ البث التلفزيوني في العالم” ، ويتبع ذلك بتخصيص تسعة فصول تتناول المحطة تحت هذه العناوين على التوالي: دور شركة أرامكو التنموي والتوعوي، تلفزيون أرامكو .. تاريخ وريادة، ذكريات وطرائف وآثار اجتماعية، أهم برامج محطة أرامكو، بصراوي.. أول مذيع تلفزيوني خليجي، بابا حطاب.. آسر قلوب الأطفال، الجودر.. مذيع تلفزيون أرامكو الأشهر، المزيني أول خليجي يدير قناة تلفزيونية، وأخيرا: أهم الأفلام العربية التي عرضتها المحطة.
وبالإضافة إلى تخصصه الشغوف بالكتابة عن السينما المصرية، فإن المدني باحث ومحلل سياسي واجتماعي لا يُشق له غبار، ويصل مجموع مؤلفاته في كل هذه المجالات المتنوعة، فضلاً عن الأعمال الروائية، نحو 20 مؤلفا.
على إننا ستناول في مقال آخر لاحق ما لعبه تلفزيون أرامكو من خلال بث الأفلام المصرية والأميركية على مدى نحو عقد ونصف في المنطقة الشرقية من السعودية والبحرين من دور ثقافي وحضاري، فضلاً عما ما لعبته محطات التلفزيون في منطقة الخليج والجزيرة العربية من دور تنويري في غاية الأهمية للارتقاء بالحياة الثقافية الاجتماعية والتحضر لفئات وطبقات اجتماعية مختلفة.