إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
نظراً للافتقار الحالي إلى بدائل أمنية قابلة للتطبيق على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فقد تحاول واشنطن معالجة العديد من أوجه القصور في قوات “اليونيفيل”، ولكن عليها القيام بذلك مع فهم واضح بأن هذه القوات قد فشلت مراراً وتكراراً في مهمتها وأهدرت مصداقيتها.
عندما أرسلت إدارة بايدن المبعوث الخاص عاموس هوكشتاين إلى بيروت في الأسبوع الماضي، كان جدول أعماله الطموح يتضمن ما يعادل تمريرة طويلة في كرة القدم الدبلوماسية، ألا وهي تجنب اندلاع حرب شاملة بين “محور المقاومة” الإيراني وإسرائيل، وسط جهود أمريكية منفصلة للتوسط في وقف إطلاق النار مع “حماس”، والذي يعتبره “حزب الله” شرطاً لا غنى عنه لتهدئة أعماله العدائية على الحدود. وأحد العناصر الرئيسية التي تدعم مبادرة هوكشتاين هو “قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”)، التي تضم أكثر من 10,000 فرد، وتشكل أكبر انتشار لقوات حفظ السلام في العالم، والتي ينتظر أن يتم تجديد تفويضها في مجلس الأمن الدولي قبل انتهاء ولايتها في 31 آب/أغسطس.
ومن المؤسف أن قوات “اليونيفيل” أثبتت عدم فعاليتها في تنفيذ مهمتها على مدى عقود من الزمن، وفي غياب تغييرات كبيرة، فإن الأمل ضئيل في أن تتمكن من لعب دور ذي صلة في تأمين الحدود بين إسرائيل ولبنان. ومع تصاعد الأعمال العدائية وقلة البدائل الجيدة المتاحة، يجب على واشنطن وشركائها اتخاذ خطوات لتحسين فاعلية هذه القوة وتجنب اندلاع حرب شاملة.
وضع “اليونيفيل” خلال حرب غزة
بعد حرب عام 2006 بين “حزب الله” وإسرائيل، نص “قرار مجلس الأمن رقم 1701” على أن تساعد قوة “اليونيفيل”، المتواجدة منذ فترة طويلة، الجيش اللبناني على ضمان أن تكون المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود الجنوبية “خالية من أي أفراد مسلحين أو أصول أو أسلحة” غير حكومية. ومع ذلك، وكما هو موثق في مقالات سابقة لـ “معهد واشنطن”، قام “حزب الله” بدلاً من ذلك بتوسيع وجوده العسكري على طول الحدود، ومنع “اليونيفيل” من القيام بدوريات في مساحات واسعة من الأراضي، كما قام بشكل روتيني بمضايقة، أفراد القوة والاعتداء عليهم وحتى قتلهم.
ووفقاً للتقارير الفصلية الرسمية حول أنشطة “اليونيفيل”، استمرت القوة في العمل داخل لبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما كثف “حزب الله” هجماته على إسرائيل تضامناً مع “حماس”. وشملت أنشطة “اليونيفيل” حوالي 6000 دورية شهرية بالمركبات في جنوب لبنان، تتألف في المتوسط من 389 دورية حدودية و542 دورية لمكافحة إطلاق الصواريخ (الدوريات الراجلة هي فئة منفصلة يتم مناقشتها أدناه). ومع ذلك، فإن هذه الأرقام التي تبدو مثيرة للإعجاب لا تأخذ في الاعتبار العديد من المناطق الحساسة التي تم منع “اليونيفيل” تماماً من دخولها لسنوات، في انتهاك صارخ “للقرار 1701”. وعلاوة على ذلك، كشف التقرير الأخير (الذي يغطي الفترة من 21 شباط/فبراير إلى 20 حزيران/يونيو) عن ارتفاع حاد في “الحوادث المتعلقة بحرية الحركة” الشائعة بالفعل – وتحديداً، 38 حالة منفصلة تم فيها مضايقة دوريات “اليونيفيل” من قبل أعضاء “حزب الله” “بملابس مدنية” أو مؤيديهم المحليين، وتهديدهم بالأسلحة، وإطلاق النار عليهم، وسرقة معداتهم، أو تعطيل إشارات الاتصال الخاصة بهم.
وبالنسبة للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على ترسانة “حزب الله” جنوب الليطاني، نادراً ما استولت “اليونيفيل” على أسلحة الحزب قبل اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر والحملة الجوية الإسرائيلية التي أعقبتها. ويشير التقرير الأخير إلى أن قوات “اليونيفيل” عثرت على “أسلحة غير مرخصة” وتخلصت منها في سبع عشرة مناسبة منذ شباط/فبراير، “معظمها منصات إطلاق صواريخ متنقلة وقذائف صاروخية“. ومع ذلك، فالأمر الأكثر دلالة هو فشلها في التحقيق في أي من أكثر من 3000 مستودع أسلحة ومواقع عسكرية أخرى استهدفتها إسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر، بما في ذلك قواعد مدمَّرة تديرها منظمة “أخضر بلا حدود” البيئية المزعومة التابعة لـ “حزب الله”.
المخاطر والتوصيات
بما أن “القرار رقم 1701” صدر بموجب “الفصل السادس” (وليس “الفصل السابع”) من لوائح مجلس الأمن الدولي، فإنه غير قابل للتنفيذ عسكرياً – فتطبيقه يعتمد بالكامل على تعاون إسرائيل ولبنان. ومع ذلك، فشلت بيروت لسنوات في الوفاء بهذه الالتزامات. وبدلاً من مساعدة الأمم المتحدة في تنفيذ “القرار 1701″، دأب الجيش اللبناني على تجنب الصراع والتعاون مع “حزب الله” في حين عرقل وصول قوات “اليونيفيل”. ومؤخراً، علق الجيش اللبناني مؤقتاً الدوريات المشتركة مع “اليونيفيل” الأسبوع الماضي بعد دخول قوات حفظ السلام إلى “ممتلكات خاصة” (التي غالباً ما تعني مواقع “حزب الله”) في قرية كفر حمام.
وبطبيعة الحال، فإن قوات “اليونيفيل“ متواطئة أيضاً في هذا الوضع. فنظراً لاعتماد القوة على حسن نية السكان في أمنها واستثمارها في استقرار البلاد، فإنها غالباً ما تتجنب مراقبة المناطق التي قد تولّد توترات بشكل فعال، وتخفف من حدة تقاريرها، وتقدم مساعدات اقتصادية لأنصار “حزب الله” جنوب الليطاني. وقد أدت هذه العوامل إلى تآكل الثقة الإسرائيلية والأمريكية في قوات “اليونيفيل” (رغم أن شكوك واشنطن كانت متفاوتة بين الإدارات المختلفة). والأسوأ من ذلك كله، أن الدور الأكثر أهمية المتبقي “لليونيفيل” – عقد اجتماعات ثلاثية مع ممثلين عن الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني – قد تم تعليقه منذ تشرين الأول/أكتوبر، الأمر الذي أدى إلى إغلاق قناة اتصال مهمة خلال أوقات الأزمات.
ونظراً للوضع على الأرض والعجز الواضح الذي تعاني منه “اليونيفيل” في الفعالية والمصداقية، يمكن للمرء أن يجادل من أجل إلغاء نشر هذه القوة بشكل دائم، والتي تبلغ تكلفتها 500 مليون دولار سنوياً، تدفع منها الولايات المتحدة 125 مليون دولار. ومع ذلك، إذا كانت واشنطن تعتقد أن “اليونيفيل” قادرة على المساهمة في تأجيل أو منع حرب أخرى بين “حزب الله” وإسرائيل، فسيتعين عليها اتخاذ عدة خطوات لإنقاذ ما يمكنها إنقاذه من هذه المنظمة:
- الضغط على بيروت. لا تزال حكومة تصريف الأعمال في لبنان ضعيفة ولن تواجه “حزب الله” بشكل مباشر، ولكن لا يزال من المتوقع منها أن تعتقل على الفور أعضاء “حزب الله” أو غيرهم من الجناة الذين يضايقون أو يعرقلون أو يقتلون قوات حفظ السلام التابعة “لليونيفيل” وتحاكمهم وتعاقبهم. ويمكن فرض عواقب، بما في ذلك العقوبات، على الحكومة بسبب تعنتها. كما يجب تحميل بيروت المسؤولية عن فشلها في تأمين حدودها مع سوريا، وهي طريق رئيسي لنقل الأسلحة إلى “حزب الله”.
- رفع معايير الجيش اللبناني. تموّل الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية معدات ورواتب الجيش اللبناني. ولتشجيع هذا الجيش على أن يكون أكثر مهنية وأن يتوقف عن منع وصول قوات “اليونيفيل”، يتعين على واشنطن وفرنسا وغيرهما من الحلفاء ربط المزيد من المساعدات بالأداء. كما يتعين النظر في تصنيف كبار المسؤولين في الجيش اللبناني الذين يتعاونون مع “حزب الله” – خصوصاً في الاستخبارات العسكرية. علاوة على ذلك، ينبغي أن تواصل الولايات المتحدة ضمان عدم قيام الجيش اللبناني بإعادة الأسلحة المصادرة إلى “حزب الله”.
- إعادة بناء الثقة في قوات “اليونيفيل”. سواء بالدبلوماسية أو بقوة السلاح، ستفعل إسرائيل ما تعتقد أنه ضروري لتجنب العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما كان ما يقرب من 10,000 من قوات “الرضوان” الخاصة التابعة لـ “حزب الله” متمركزة على حدودها الشمالية. وإذا بقيت قوات “اليونيفيل” منتشرة في الجنوب، فيجب أن تراقب المنطقة بأكملها وتتخذ قرارات صريحة وتقدم تقارير نزيهة. وحالياً، لدى إسرائيل القليل من الثقة في قيام الدول التسع والأربعين المساهمة بقوات في “اليونيفيل” بفعل ذلك.
- إضافة القدرات. لا تمتلك “اليونيفيل” وحدات استخبارات أو قدرات كافية للمراقبة التقنية السلبية في لبنان – وتعود هذه النقطة الأخيرة إلى معارضة “حزب الله” لاستخدامها منذ فترة طويلة. وقد أدى هذا الوضع إلى ظهور ملاحظة دائمة وسريالية من جانب “اليونيفيل” مفادها أن “الادعاءات بشأن نقل الأسلحة إلى جهات فاعلة غير حكومية مستمرة… [ولكن] الأمم المتحدة ليست في وضع يمكنها من إثباتها بشكل مستقل”. وحتى في ظل تحليق القذائف عبر الحدود يومياً، تعترف “اليونيفيل” بأنها لا تستطيع كشف الكثير منها؛ وعندما تقوم بتفصيل مثل هذه الهجمات، فعليها أن تعتمد على تقارير الأطراف المتحاربة أو وسائل الإعلام.
- تقليص القوة. على الرغم من الحجم الكبير لقوات “اليونيفيل”، إلّا أنها لم تف بالتزاماتها، كما أدت تداعيات حرب غزة إلى تفاقم هذه المشكلة. على سبيل المثال، انخفض عدد الدوريات الراجلة الشهرية من حوالي 3,000 إلى عدة مئات منذ تشرين الأول/أكتوبر. وبالنظر إلى الفعالية الهامشية للمنظمة والمخاطر المتزايدة التي تواجهها من استخدامها كدروع بشرية، فلا يوجد مبرر لقوة بهذا الحجم الكبير. يجب تخفيض الحد الأقصى الحالي البالغ 13,000 فرد إلى 10,000 أو أقل، بما يتناسب مع الأنشطة الفعلية “لليونيفيل” على الأرض.
- تحسين التقارير. أضافت “اليونيفيل” مؤخراً رسوماً بيانية مفيدة إلى تقاريرها الفصلية، ولكن ينبغي أيضاً تضمين خرائط تشير بدقة إلى الأماكن التي تم منع الوصول إليها وتحديد تلك المناطق التي يصفها “الجيش اللبناني” بأنها “حساسة استراتيجياً”، أو “ممتلكات خاصة”، وغيرها من التعبيرات الملطفة التي تشير إلى مناطق عسكرية مغلقة تابعة لـ “حزب الله”. كما أن التقارير ستكون أيضاً أكثر فائدة إذا قدمت تفاصيل حول انتهاكات “القرار 1701” التي لا تتوفر حالياً في وسائل الإعلام.
- مراجعة التفويض بشكل أكثر تكراراً. يتم تجديد ولاية “اليونيفيل” سنوياً، لكن الوضع الإقليمي المتقلب بشكل متزايد قد يتطلب تعديلات عاجلة على القوة أو التفويض في أي وقت. ولذلك، ينبغي أن تضغط واشنطن من أجل طلب تجديدات نصف سنوية، مما يتيح المزيد من المرونة لإجراء مثل هذه التعديلات إذا لزم الأمر.
إن البدائل المتاحة لواشنطن حالياً لقوات “اليونيفيل” محدودة، وتوفر محادثات وقف إطلاق النار في غزة وعملية تجديد الولاية الوشيكة فرصاً لإعادة النظر في معايير مهمة البعثة. ومع ذلك، من المؤسف أن تجديد الولاية بشكل متكرر وغير ذلك من التغييرات من غير المرجح أن تؤدي إلى حدوث تحوّل (في طريقة عمل) “اليونيفيل” وتمكّنها من لعب دور إيجابي جنوب الليطاني. وإذا استمرت القوة في الأداء الضعيف، فيتعين على واشنطن مجدداً النظر بجدية في استخدام حق النقض ضد ولايتها، وإنهاء انتشارها، والبدء من جديد.
ديفيد شينكر هو “زميل أقدم في برنامج توب” في معهد واشنطن، ومدير “برنامج «روبين فاميلي» حول السياسة العربية” التابع للمعهد.
العميد (احتياط) أساف أوريون هو “زميل ريؤفين الدولي” في المعهد والرئيس السابق لـ “قسم التخطيط الاستراتيجي في جيش الدفاع الإسرائيلي”.
لقراءة الأصل بألإنكليزية:
The Pros and Cons of Salvaging (or Ditching) UNIFIL