إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
المعروف أن بريطانيا أعادت هونغ كونغ إلى السيادة الصينية في عام 1997 بعد استعمارٍ دام نحو 156 عاما. وقد سبقَ ذلك صدورُ إعلانٍ صيني بريطاني مشترك في ديسمبر 1984 حول تطبيق مبدأ “بلد واحد ونظامان سياسيان مختلفان”، بحيث تكون هونغ كونغ منطقة إدارية صينية متمتعة بوضع خاص، لا سيما لجهة النظام القضائي والتشريعي والحريات الأساسية، وذلك بهدف الإبقاء على هونغ كونغ كمركز مالي عالمي وتعزيز صورتها الزاهية الجاذبة للإستثمارات.
لكن المعروف أيضا أن بكين راحت مُذَّاك تُقَلِّص هذه الوضعية الخاصة بوسائل شتى. الأمر الذي ولَّد احتجاجاتٍ شعبية من قبل سكان الجزيرة، كان أضخمَها تلك المظاهرة المليونية التي شهدتها هونغ كونغ في عام 2019، احتجاجاً على قانونٍ للأمن القومي اقترحت بكين دخولَه حيز التنفيذ بدءا من عام 2020.
وبسبب تلك المعارضة الجماهيرية الكاسحة، ولامتصاص غضبها مؤقتا، تم تأجيل تطبيق القانون المقترح للمزيد من الدراسة من قبل السلطة التشريعية في الجزيرة. وفي الثلث الأخير من شهر مارس المنصرم أعلنت حكومة هونغ كونغ بدءَ العمل بقانونٍ جديد للأمن القومي، بعد أن أخضعت نصوص قانون الأمن الصيني المقترح في عام 2020 للدراسة والاستكمال.
وهذا القانون الجديد، الذي أقره المجلس التشريعي للجزيرة بالإجماع، ولقي اعتراضات كثيرة من الداخل والخارج، تَضمَّنَ عقوباتٍ صارمة لطائفة من الأعمال مثل الخيانة والتمرد والتجسس والتخريب وسرقة اسرار الدولة والفتنة والعمل لصالح جهات أجنبية وتعريض الأمن القومي للخطر. فقد نَصَّ مثلا على عقوبة السجن مدى الحياة لجرائم التخريب، وعقوبة السجن لمدة 20 عاما لجرائم التجسس ولمدة 14 عاما لجرائم التخابر مع الخارج، ولمدة 10 سنوات لجريمة التحريض على الكراهية ضد قادة الدولة والحزب الشيوعي الحاكم في بكين، علاوة على عقوبة السجن لمدة 7 سنوات لجرائم أخرى بإمكان رئيس السلطة التنفيذية في الجزيرة استنباطها. إلى ذلك وسَّعَ القانون صلاحياتِ وزيرِ الأمن الذي بات الآن قادرا على فرض عقوبات على النشطاء الهونغ كونغيين في الخارج (مثل إلغاء جوازات سفرهم)، وابقاء الموقوفين 16 يوماً في الحجز الاحتياطي بدلا من 48 ساعة كما كان مُطبَّقا سابقا.
وقد سبق دخول هذا القانون الأمني الجديد حيز التنفيذ، مشاورات واستلام الحكومة لمذكرات من جهات محلية عدة حول مرئياتها على مدى 30 يوما، انتهت ببيان حكومي تضمن ما مفاده أن نسبة 98.6 بالمائة من المشاركات أظهرت الدعم للقانون وعلقت عليه تعليقات إيجابية. بينما عارضته نسبة 0.71 بالمائة، جميعها من المنظمات المناهضة لجمهورية الصين أو الأفراد الهاربين والمعادين (على حد زعم البيان).
غير أن جمعية الصحفيين في هونغ كونغ دحضت نسبةَ المعارضة الضئيلة تلك، قائلة أن جميع أعضائها الذين شاركوا في مشاورات القانون الجديد يرَون وجودَ تأثيرٍ سلبي له على حرية الصحافة في الجزيرة. مضيفةً أن تعريف “أسرار الدولة” تعريف فضفاض للغاية، ما يجعل من الصعب على الصحفيين تحديد ما إذا كانت مصادرهم الحكومية تكشف معلومات يجرِّم القانون نشرها باعتبارها من أسرار الدولة. كما أن الجمعية أكدت قلقها من احتمالات أن يجد الصحفيون أنفسهم عالقين في مشاكل قانونية بسبب عملهم في نقل الأخبار وكتابة التقارير والتعليقات.
ولئن كانت اعتراضاتُ الدوائر الغربية، ولا سيما البريطانية، لهذا القانون معروفة الدوافع، ومنطلقة من عدائها الأيديولوجي للصين، ومتناغمة مع حالة التنافس الأمريكي ــ الصيني المتفاقمة، وإنْ جاءت تحت ستار الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، فإن الجديد هو صدورُ اعتراضاتٍ ومخاوف من قبل عدد من غرف التجارة الأجنبية، ولاسيما بشأن خُلُوُّ القانون الأمني الجديد من تعريف دقيق لجريمة “سرقة أسرار الدولة“. فمثلا أعرب رؤساء غرف التجارة الألمانية والأوروبّية واليابانية عن قلقهم من تراجع مكانة وميزة هونغ كونغ كبيئة جذابة للتجارة ولرجال الأعمال، بعد صدور قانون الأمن الجديد الذي قد تُفضي نصوصُهُ الغامضة إلى توجيه التهم الكيدية للمستثمرين الأجانب ومعاقبتهم، مشيرين إلى أن “التكاليف الإضافية للإمتثال للتعريف الواسع لأسرار الدولة قد تدفع المستثمرين الأجانب إلى نقل أعمالهم إلى أماكن أخرى“.
وفي السياق نفسه قال “يوهانس هاك” رئيس غرفة التجارة الألمانية ما مفاده أن القانون الأمني الجديد قد نسفَ تماما كل ما تبقى من ميِّزة لهونغ كونغ.
ومثل هذا الشعور الذي انتاب قادة الغرف التجارية المذكورة، كان قد ظهر جليا في استطلاع أجرته منظمة التجارة الخارجية اليابانية (JETRO) في أوائل فبراير. حيث جاءت نتائجه أن ثلث المشاركين فيه أكدوا على أن مناخ الأعمال العام في هونغ كونغ تدهور عما كان عليه قبل عام. وهو ما دفع رئيس المنظمة “شينيا أمانو” إلى القول إن التطورات السياسية والتشريعية القادمة ستكون لها تأثيرات سلبية قاتمة على الشركات.
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي