إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(الصورة: أسامة الزيد ومحمد حيات وباسل البحراني(رقم 6)، من الشيعة غير المنتمين للتيار الديني)
*
أسفرت نتائج انتخابات مجلس الأمة التي جرت في الكويت الخميس الماضي، عن فوز 8 نواب شيعة، هم: صالح عاشور (من التيار الديني/ الشيرازي)، أحمد لاري وهاني شمس (من التيار الديني/ حزب الله)، ونواب لا ينتمون للتيار الديني، وهم: جنان بوشهري، محمد جوهر حياة، باسل البحراني، أسامة الزيد، شعيب شعبان.
تشير هذه النتائج إلى تراجع اختيار الناخبين للنواب الشيعة المنتمين للتيار الديني، والمستمر منذ انتخابات 2023، مقابل ارتفاع وتيرة اختيار النواب غير المنتمين لهذا التيار، ما يُعتبر مؤشرا مثيرا للإنتباه داخل المكوّن الشيعي الكويتي ذي الاتجاهات السياسية والاجتماعية المتعددة. هذه النتائج لا تختلف كثيرا عما جرى في آخر انتخابات برلمانية. ففي انتخابات 2023 أفرزت النتائج 7 نواب شيعة، اثنان منهم فقط كانا ينتميان للتيار الديني (حزب الله) وهما لاري وشمس.
يأتي ذلك فيما كانت الهوية الدينية مهيمنة على توجهات غالبية النواب الشيعة بدءا من ثمانينات القرن الماضي. وقد شهدنا آخر تجارب هذه الهيمنة في انتخابات 2020، حيث نجح 6 نواب شيعة، 4 منهم كانوا ينتمون للتيار الديني أو يتعاطفون مع هذا التيار، وهم عدنان عبدالصمد (تيار حزب الله) وخليل الصالح (تيار الشيرازي) وأحمد الحمد وهشام الصالح.
أمّا في انتخابات ديسمبر 2012، حقق المكوِّن الشيعي نتائج لا سابق لها في تاريخ الكويت، حيث نجح 17 نائبا غالبيتهم كانوا من المنتمين للتيار الديني أو من المتعاطفين مع توجهات التيار.
لماذا في انتخابات 2024 (وقبلها في 2023) أصبح عدد النواب الشيعة غير المنتمين للتيار الديني أكبر من عدد المنتمين لهذا التيار؟ أو بجملة أخرى، كيف تغيّرت الحسبة الانتخابية في الوسط الشيعي؟
بالطبع هناك أسباب انتخابية بحتة لها دخل في الإجابة على السؤال، وأبرزها تتعلق بتوزيع أصوات الناخبين بعد انسحاب مرشحين لهم ثقلهم في الساحة السياسية، كرفض النائب الشيعي السابق حسن جوهر المشاركة في الإنتخابات الأخيرة، والذي قد يكون لعب دورا في ظهور هذه الحسبة.
في تصورّي، أن العامل الأبرز الذي ساهم في ظهور التوزيعة الشيعية الجديدة المتعلقة بنتائج انتخابات مجلس الأمة، هو عامل الوعي السياسي، الساعي للإنفكاك من أسر المؤشر الديني المذهبي. فالنتائج تشير، وبشكل واضح، إلى تراجع هذا المؤشر في التأثير على رأي الناخب، في مقابل غلبة المؤشر السياسي/ الوطني.
إن عددا كبيرا من المواطنين الشيعة لم تعد تستحوذ على اهتماماتهم المسائل الدينية والقضايا المذهبية كمؤشر لاختيار الناخب، بل أصبحت قضايا ومشاكل الحياة بمختلف عناوينها وتفاصيلها والمسائل المتعلقة بموضوع التنمية، هي محرّكهم الأساسي في ذلك. وهذا جعلهم في مواجهة مع التوجّه السياسي المذهبي، كذلك في مواجهة مع المرشحين والنواب الذين يتبنون الطرح الديني المذهبي وكذلك مع ناخبي هؤلاء.
لذلك، لم تعد الأكثرية من الناخبين الشيعة في وضع مذهبي/ سياسي “مُحرَج” إن صح التعبير. لقد تجاوزوا هذا الأمر، وأصبحوا يصوّتون للمرشح ذي الأجندة الوطنية أكان سنيا أو شيعيا.
وفي ظل التوجهات الجديدة للمرشح الشيعي، بات من الطبيعي أن يحصل على أصوات الناخب السني والشيعي أيضا.
فمسألة الانتخاب بالنسبة لشريحة كبيرة من الناخبين السنة والشيعة، باتت ترتكز على التوجهات السياسية والاجتماعية الجديدة للمرشح، ما أدى بطبيعة الحال إلى تراجع المعيار الديني والمذهبي للنائب. بل اعتبر بعض الناخبين أن ذلك المعيار قد يقف في الضد من المصالح الوطنية وقد يتسبب في زرع الفرقة والطائفية في المجتمع.