إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
تنبأ البعض، بمجرد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي في اعقاب انهيار وتفكك الإتحاد السوفيتي وكتلته الشرقية، أن السلام سوف يسود العالم، وبالتالي ستبور أسواق السلاح العالمية ويحل بها الكساد لعدم الحاجة إلى بضائعها. ولم يدر بخلد هذا البعض أن النزاعات التي خلقتها الحرب الباردة على مدى نصف قرن في أكثر من مكان لن تنتهي بهذه السهولة، بل ستستعر وتقود إلى صور جديدة أكثر شراسة من الحروب والنزاعات المسلحة.
وبعبارة أخرى كانت النبوءة في غير محلها. إذ سرعان ما شهد العالم موجة من الحروب والصراعات الاقليمية لأسباب متنوعة بعد انهيار نظام توازن الرعب السابق وقيام نظام عالمي أحادي القطب عاجز عن كبح جماح الأنظمة السياسية الشريرة الساعية إلى توتير الأجواء والتحرش بجاراتها تحقيقا لطموحات وأهداف توسعية. بل أن هذا النظام العالمي أثبت أيضا عجزه لجهة ايقاف توالد وتنامي قوة الميليشيات المسلحة العابرة للدول، وهو ما أدى إلى انتعاش أعمال مصانع أدوات الحرب والقتل والدمار، بل وظهور سوق سوداء للسلاح يتبضع منها المتمردون والأقطار الخاضعة للحصار على حد سواء.
ويشير تقرير صدر مؤخرا عن “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام“، حول مبيعات السلاح في العالم، إلى ان واردات بعض الدول في سنوات الألفية، وتحديدا من عامي 2019 و 2018 إلى عامي 2022 و2023 قد تضاعفت، وأن الانفاق العالمي الإجمالي على السلاح ارتفع بنسبة 3.7% سنة 2022 ليصل إلى 2240 مليار دولار، محققا أكبر زيادة سنوية منذ 30 عاما.
ولئن احتلت أوكرانيا المركز الرابع في قائمة أكبر مستوردي السلاح على مستوى العالم بسبب تلقيها أسلحة رئيسية من أكثر من 30 دولة للدفاع عن نفسها ضد الغزو الروسي منذ عام 2022، فإن قارة آسيا باتت تحتل المرتبة الأولى على رأس قائمة أكبر مستوردي السلاح في العالم، بدليل أن عشرة من أكبر مستوردي السلاح كانت دولا في آسيا وأوقيانوسيا (بما في ذلك دول الشرق الأوسط)، مع احتلال الهند وباكستان للمركزين الأول والخامس عالميا على التوالي.
في التفاصيل، نجد أن مشتريات اليابان وحدها ارتفعت خلال العقد الماضي فقط بنسبة 155%، بينما زادت كوريا الجنوبية مشترياتها بنسبة 6.5% في الفترة ذاتها، علما بأن مصدر وارداتهما هو الولايات المتحدة. وغني عن البيان أن هذا الانفاق على التسلح من قبل الدولتين الجارين يرجع أساسا إلى مخاوفهما من القوة العسكرية المتعاظمة للعملاق الصيني من جهة ومخاوفهما من تحرشات وتهديدات النظام الكوري الشمالي الطائش من جهة أخرى، يضاف إلى ذلك عامل آخر هو شكوكهما في سرعة تدخل واشنطن لحمايتهما في حال تعرضهمها لأي اعتداء صيبني أو غزو كوري شمالي، بموجب المعاهدات الدفاعية والأمنية المبرمة مع الحليف الأمريكي.
في المقابل، انخفضت واردات تايوان من السلاح بنسبة 69%، على الرغم من التوترات المتزايدة بينها وبين الصين التي تهدد بغزوها إنْ أعلنت استقلالها. ويرجع السبب إلى نمو صناعاتها العسكرية المحلية بدعم أمريكي. غير أن هذا الانخفاض قد لا يطول في ظل خطط للتزود بطائرات مقاتلة حديثة ودبابات متطورة وصواريخ فعالة مضادة للسفن من الصناعة الأمريكية خلال السنوات الخمس القادمة.
وبالمثل، فإن واردات دول جنوب شرق آسيا انخفضت بنسبة 43% بين عامي 2014 و2023، إلا أن التوترات المستمرة بينها وبين الصين دفعتها إلى شراء المزيد من الأسلحة الغربية، بدليل أنه في الفترة 2019 ــ 2023 اقدمت الفلبين على زيادة وارداتها بنسبة 105%، وسنفافورة بنسبة 17%. وكذا الحال مع ماليزيا وأندونيسيا اللتين قدمتا طلبات كبيرة للحصول على طائرات وسفن مقاتلة. أما ميانمار، التي تشهد حروبا وصراعات داخلية، والتي يمثل حجم انفاقها العسكري نسبة 10% من اجمالي واردات دول جنوب شرق آسيا من السلاح، فقد استوردت كميات ضخمة من الأسلحة في الفترة ذاتها من روسيا (بنسبة 38%) والصين (بنسبة 26%) والهند (بنسبة 18%).
وإذا ما أتينا إلى الصين، التي مثلت وارداتها من السلاح في الفترة 2019 ــ 2023 نسبة 2.9% من الإجمالي العالمي، نجد أن وارداتها العسكرية التي يأتي 77% منها من روسيا قد انخفضت بنسبة 44% لأسباب تعود إلى تنامي قدرتها على تصميم وانتاج السلاح ذاتيا.
وطبقا للتقرير السويدي فإن الولايات المتحدة تحتل المركز العالمي الأول في تصدير السلاح، تليها فرنسا التي احتلت مكان روسيا بعد أن انخفضت صادرات الأخيرة بنسبة 53% في الأعوام الأخيرة. وتأتي الصين كخامس أكبر مصدر للسلاح في العالم بنسبة 7.8%.