إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
في ذكرى انتفاضة الرابعِ عشر من آذار 2005، بما حقَّقته تلك الانتفاضةُ من سيادةٍ واستقلال، ومن إعادةِ اعتبارٍ للدولة اللبنانية التي كانت مصادرةً ومُغّيَّبة بالوصاية الخارجية، وبما شكَّلته من توازنٍ سياسيّ فعليّ مع قوى الأمر الواقع، رغمَ لجوءِ هذه القوى إلى العنفِ والاغتيالات الممنهجة مقابلَ سلميَّةِ الانتفاضة ومدنيَّتِها واتّساع تمثيلها، ما جعلَ هذه الأخيرة نموذجاً بارزاً واستثنائياً لإمكانيَّة التغيير السلمي في منطقتنا العربية، خلافاً لسيرة هذه المنطقة في التغيير الانقلابي العُنفي على مدى عقود..
وهو ما اعتبره كثيرٌ من المراقبين عن حقّ إرهاصاً بـ”الربيع العربي” اللاحق والواعِد، قبلَ أن يصيرَ دموياً بفعل التطرُّف على جانبي الصراع، بمرجعيَّاتِ هذا التطرُّف في الفكر ولُعْبة الأمم.
وبهذه المناسبة، فإنّ أكثرَ ما يلْفِتُ النظرَ اليوم هو اختلالُ التوازُن الداخلي بصورةٍ فادحة لصالح التطرُّف ومرجعياته الخارجية، فيما سائرُ القوى، بما فيها الدولةُ، خارجَ الاعتبار والحُسْبان، سواءٌ في القرار السيادي أو الاقتصادي أو حتى الخيارِ الوطني في العيش معاً. وصولاً إلى تعاطي الخارج بصورةٍ أساسية مع قوى الأمر الواقع ومخاطبتها والتفاهُم معها. والأمثلةُ على ذلك ظاهرةٌ ومعايَنَةٌ بالوقائع الجارية على قدمٍ وساق، الأمر الذي عمَّمَ الشعورَ بالخطر الوجوديّ والمصيريّ لدى الأكثريَّةِ الكاثرة من اللبنانيين.
ما يهمُّنا الآنَ وهنا هو القولُ بأنّ طريقَ التغيير وصولاً إلى خلاصٍ لجميع اللبنانيين دونَ استثناء، إنما تبدأُ بالعمل الجادّ لاستعادة التوازُنِ الوطني الذي لا سبيلَ إلى تحقيقه إلا بنشوءِ جبهةٍ وطنيةٍ واسعة وغير فئوية، قياساً على ائتلاف الرابع عشر من آذار 2005، لا استنساخاً له؛ إذْ نُدركُ جيداً مدى المتغيّرات، ونعوِّلُ كثيراً على الذين راجعوا أنفسهم واستخلصوا الدروسَ والعِبَر من التجربة، أينما كانوا سابقاً.
وفي هذا الصَّدد نَنْحو باللائمة – إنْ لم نَقًلْ أكثر – على القوى السياديّةِ والاستقلالية القائمةِ فعلاً أو افتراضاً لجهةِ تشرذُمِها واختلافِ أولويّاتها، وصولاً إلى ما قد يبدو اختلافاً في الخيارات الوطنية، لأسبابٍ شتّى نرى في مقدَّمِها: الشخصانيّةَ والفئويّةَ والرهاناتِ المتباينة، وأحياناً الرغبةَ في لعبِ دورٍ “بيضة القبّان والترجيح” بين مشروعاتٍ أو أجنداتٍ متعارضة… ولا يخفَى ما لهذا الواقع من أثرٍ كبير عى المساحةِ الواسعة، لا بل الأوسع، من الوطنيين المستقلّين ذوي الوطنية الصادقة والوعي المتقدّم، ممّنْ لا يحتاجون إلى امتحانٍ و”فحص دمّ” في مختبرات الزعامة!
كلُّ ذلك أخرج قضيةَ التغيير، وبالتالي الخلاص، من يد الداخل اللبناني وجعلها في يد الخارج، بحيثُ أصبح الجميع في حالةٍ انتظاريَّة، فيما الواقعُ اللبناني يتدهوَرُ بسرعةٍ قياسية.
إذَاً، فإنَّ دعوتَنا الملحّة بهذه المناسبة وفي هذا الوقت بالذات، هي إلى وحدةٍ لا تلغي الخصوصيات والاجتهادات، ولا تقدِّمُ الخاصَّ على العام، ولكنها تشكّل مدخلاً ضرورياً إلى الحضورِ والفاعِلية.